صرخة حمراء

(باسم كل من قُتل ذبحاً بسيف التطرف)
عيناي معصوبتان
كي لا أرى انعدامَ الروح

على وجه جلادي
أو شهوةَ الدم
في حدِّ سيفِه…
ولكني أرى…
ما لهذه العُصبة
لا تحجبُ
الْـتِماعَ دموع أهلي
ولا نورَ وجوهِ أولادي؟
ما لَـها تكشفُ لي
عمقَ أعماق ليلي،
تفتحُ بصيرتي،
فأفهمُ تيهَ البشر
وحقيقةَ بلادي…

***
عيناي معصوبتان
وفي غيهب الانتظار
يبهرني سطوعُ المصير،
أكاد من شدَّةِ اقترابِـه
أنسى مَن أنا،
فألتصقُ بذاتي
متوَسِّلاً إليها التخلّي،
علَّ روحي
تتسرَّبُ منّـي
قبْلَ يدركُني قاتِـلي…
***
عيناي معصوبتان
وأرى
غداً لن يأتي،
وماضياً لا يمضي
تتشبَّـثُ أحداثُـه
بأثوابِ عمري الـمُنـتَـهي.
ماذا اقترفتُ؟
أية خطايا يطهِّـرُها دمي؟
أية قضايا تخلِّـدُها روحي؟
أُقطَع ُكشجرةٍ مثمرة
بين صخورٍ خرساء،
لا شواهد فيها ولا قبور،
وطني قبري
والشاهدة: شهيدُ الهباء.
هل سيُـنادَى باسمي
بين جمهور السماء؟

****
منفيٌّ بين قفرٍ وفضاء
وأسمعُ نواحاً
طالعاً من حناجر بيتي.
لا ديوك في القفر
ولكني أسمع، قبل صياحها،
همسَ خبيثٍ
ورنينَ فضَّـةٍ
يُـدَوِّيان
كانفجار الخيانة.
أسمعُ وقْعَ الحجارة
في بئر يوسف،
أسمعُ أنينَ الذبيحة
تسألُ بغير صوت
ما جدوى الحياة؟
أيُّ معنى للموت؟
****
منتظرٌ في صمت الجرود
وأسمعُ أصواتاً
تصدَحُ تنظيراً
في فنون السياسة
وجنس الملائكة،
أرصدُ لغات
تـبـثُّها أفواهٌ مفوَّهة
تُـمعِنُ البحثَ والتدقيق
في معنى العدل
وأصول السلام
والقضايا الشائكة.
أصواتٌ ولغات
تُـغدِقُ عسلَ الحروف
ووفيرَ الكلام،
يقابِـلُها هتافٌ وتصفيق
ثم طعامٌ ونومٌ عميق
وتَــنَـعُّـمٌ بدفء الحياة،
وفوق رأسي
معدنُ السيوف
ينشر في جسدي
صقيعَ الممات.

***
مات صوتي،
وأسمعُ صراخي
يخترق عصبَ الصخور،
يُـصدِّع جدارَ السماء،
يعصف ريحاً هوجاء،
ولا رملَ يتطاير ولا غبار،
هل قايين يقتلني؟
أو صنفٌ من وحوش القفار؟
***
في صدري هدير،
في شراييني إعصار،
أبكي غياب السماء
لا غيابي.
نفسي حزينة
حتى… ما بعد الفناء.
من دون دمي سأُدفَنُ
مكفَّناً بصدى الصمت
وعويل الرياح،
فهُنا ستبقى صرختي الحمراء،
على قارعة الكون،
في كواليس الضمائر،
عند أعتاب الله…
***

اترك رد