طرزي يرسم الجنون وعز الدين أطفالاً سوريين وأبو مطر فتيات ثلاثاً
تتنوّع المعارض التي تحفل بها روزنامة بيروت الثقافية في الأسلوب وفي المواضيع والقضايا التي تطرحها، وإن كانت في مجملها مستوحاة من الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، وتلتقي في قاسم مشترك هو تحقيق الاستمرارية بين المدارس الفنية في الماضي والحاضر… هنا تكمن خصوصيتها وغناها. من أبرز هذه المعارض «عزيزي الجنون» لألفريد طرزي، و«مناظر طبيعية تلوح في الأفق» لهلا عز الدين. فضلاً عن مشاركة الرسامة التشكيلية اللبنانية جومانا أبو مطر في «معرض اللوفر للفن المعاصر» في باريس، بلوحة «فتيات ثلاث».
تستضيف «غاليري جانين ربيز» حتى 24 نوفمبر الجاري المعرض الفردي الثاني للفنان ألفريد طرزي، «عزيزي الجنون»، يتضمن أعمالاً هي نتاج ذاكرة تعاني على الدوام ظروفاً سياسية واقتصادية واجتماعية توصلها إلى الهلوسة والجنون…
لا يمكن للمعرض أن يروى بل يعاش. إنه تجربة يغرق في خلالها الزائر في دهشة، مفاجأة، تعجب وذهول، استؤصلت من أعماق الجنون في بلد يكافح ليكون أمة. نعم، ربما هذا هو عليه. في هذه الحالة، في هذا الشك يكمن الإبداع كونه مركزاً في قلب الحراك الثقافي في بيروت، النابض بقراءات، تنفتح كل واحدة على الأخرى، تتقاطع أو تتباعد…
ما الجنون؟ سؤال يرتسم أمام الزائر، لكن سرعان ما تجيب الأعمال المعروضة المستلهمة من تجارب الآخرين ومن نظرتهم إلى ما يحيط بهم، ومن الخصوصية التي تميز كل حضور إنساني بمفرده. كذلك يكمن الجنون خارج المسارات المشتركة، في ذات الفنان وفي تيهانه الاصطناعي.
عند ألفريد طرزي، يستقر الجنون في زوايا التاريخ، والأسئلة الكثيرة التي تطرح فيه. «التاريخ، لا يكتبه الرجال ولا المنتصرون. ليس عليك أن تتعلّمه أو تحتفل به. إنه ببساطة استمرارية الحياة… لجميع أولئك الذين استمروا فيك أيها التاريخ، سنقيم نصباً تذكارياً، وتمثالاً لامرأة تحمل مشعلاً، يمكنك تسميتها الحرية، رغم أن اسمها الحقيقي هو الجنون».
أعمال ألفرد طرزي المعروضة تذهب إلى ما وراء الفوضى التي يسببها حدث معين سياسي أو غيره، وتشكل رموزاً وإشارات تتداخل في ما بينها لتضفي أبعاداً تحاكي اللاوعي، وذلك رغم تناقضها…
هكذا يبدو قناع الجص لتمثال الشهداء معلقاً مثل كفن إلى جانب نسخ منه، ويتوسط مبنى ضخم معدني مساحة المعرض ويرمز إلى وجه بيروت الحضاري الجديد المتحرر من النوافذ الخشبية القديمة. فضلاً عن عمل يرمز إلى سقوط رجل، وجهه إلى أسفل…
ما التاريخ، بالنسبة إلى ألفريد طرزي سوى مساحة واسعة للبناء لا تكتمل أبداً ولا تنتهي، يحيط بها الجنون. من هنا يقدم المعرض لحظة تأمل في بلد مرّ بظروف مأساوية بين 2005 و2006 من بينها اغتيال الرئيس رفيق الحريري والحرب الإسرائيلية، وكيفية تحويلها إلى لحظة إبداعية تروي قصة الناجين من التاريخ.
هلا عز الدين
بين 31 أكتوبر و25 نوفمبر تعرض «غاليري أجيال» مجموعة من اللوحات للرسامة التشكيلية اللبنانية هلا عز الدين في عنوان «مناظر طبيعية تلوح في الأفق»، هي في مجملها عبارة عن رسوم بورتريه لأطفال عرفتهم الفنانة أو أعطتهم دروساً في بلدتها عرسال في منطقة البقاع اللبنانية، غالبية هؤلاء الأطفال هم من اللاجئين، عبروا الحدود السورية إلى منطقة البقاع اللبنانية بسبب اندلاع الحرب في سورية.
وبدلاً من دراسة شخصيات معزولة، ترسم هلا عز الدين شخصياتها داخل المناظر الطبيعية المقفرة، في محاولة منها للحفاظ على العلاقة بين الشخصية البشرية والطبيعة من خلال التمييز بين مقدمة اللوحة وخلفيتها، ولكن على الجانب الآخر، يلوح المشهد في المقدمة ويغمر الوجه.
تميل ضربات فرشاة هلا عز الدين نحو التجريد الكلي، ورغم أن الخطوط تذوب على سطح القماش، يبقى الوجه بارزاً في وسط اللوحة. مازجة بين الفن الواقعي في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين وبين الحداثة، ترسم عز الدين الطبيعة التي تخضع لظروف مادية ناجمة عن نشاط بشري، ترسم الطبيعة التي تنتمي إلى عالمنا المعاصر.
ولدت في بلدة عرسال اللبنانية، تخصصت هلا عز الدين في الفنون في الجامعة اللبنانية. شاركت في معارض جماعية. تعطي دروساً في الرسم في ثانوية عرسال الرسمية لطلاب لبنانيين وسوريين. نالت جائزة بوغوصيان للرسم (2015)، وجائزة جيل الشرق (2016).
بين 20 و22 أكتوبر الفائت شاركت الرسامة التشكيلية اللبنانية جومانا أبو مطر في «معرض اللوفر للفن المعاصر» في باريس، وذلك من خلال لوحة «الفتيات الثلاث» التي تروي فيها تطلعات كل واحدة منهن، تميزت بأسلوب تعبيري استطاعت من خلاله أن تطوّع الأكريليك ليصبح مادة نابضة بالضوء تتداخل والخطوط والحركة لتؤلف في مجملها عالماً متكاملاً يحيط بالفتيات الثلاث وينصهر مع أحلامهن وطموحاتهن.
تمتزج المرحلة التعبيرية عند جومانا أبو مطر بالمرحلة الانطباعية والحروفية وفن الاستشراق، من هنا يكتسب تأليف اللوحة عندها خصوصية يضفي عليها بعداً إنسانياً شاملا يقوم على تراكم ثقافي غني بلعبة النور والظل التي تشربتها الفنانة من طبيعة بلادها ومن تعمقها بالرسامين في المشرق والمغرب.
****
(*) جريدة الجريدة الكويتية.