حياةٌ أوسع من الحياة

         

هي أفضلُ حالٍ لمن حَالَت حالتُهم واستحالَت سعادتهم… هي طريق العودة… طريق الخروج… تأشيرة السفر بالإنسان… هي الباب إلى عالمه الخاص… هي بهجة ربيعه حين يشاء… هي دِفءُ صيفه، وسَكينةُ خريفه، وحنانُ شتاءه…

هي البحر في صحراءه… هي في العاصفة سترة نجاته… هي نورهُ حيث يستكين في الظلام… هي تلك النافذة الحاضرة على الدوام… هي قوّته وحيث يُعطى له أن يكون قويّ… هي حقّه… هي نعمته… هي ستائر عينيه… هي جَفنيهِ… هي عيناه مغلقتَين… هي حين يغلقهما عن رؤية عالمٍ حوله… ويطير بهما إلى عالمٍ يرغبه…

هي بساطه السحري… هي المجهولُ الذي بين يديه… والحلم في عينيه… هي الفراشاتُ من حوله حيث يستحيل الحضور… هي النسيم العليلُ… هي العطر الزكي… هي جسره إلى الممنوع… هي رأسه المرفوع… هي غذاءه بعد الجوع… هي عزاءه… هي راحته… هي راحةُ كفّيهِ… هناكَ يغتني، وهناكَ يُعطي ويُعطى…

عينا الإنسان… هل فكرتَ يومًا لو أنّ عينيك ترتفع فوق خدّيكَ، دون جفنيكَ؟ هل حسبتَ يومًا لو لم يُعطَ للإنسان أن يُغلقَ عينيه؟

ما الإنسان وما باله… أين حلمه وأين خياله، دون ستار عينيه؟

كان لَيُكتَب له أن يبقَ هنا… في سجن العالم هنا… بين أربعةِ جدرانه…

عالمان قد أغدق بهما ربُ الخليقة على الخليقة… عالمه حيث هو وعالمه حيث يريد هو. وهل من جمالٍ يفوق الخيال… وهل من وصفٍ دونه…

أين قصائدُ الحب دون ارتحال البال… أيُّ شِعرٍ سيملأ أسطر صفحاتنا؟! أيةُ لوحاتٍ ستضع ريشة الفنان دون أعين قلبه؟! أيُّ مديحٍ أيُّ غزلٍ أي رثاءٍ… أية كلماتٍ سنكتب دون أقلام عقولنا؟! كيف كنّا لنصلَ إلى القمر من دون مخيلتنا… ها هوذا القمر، هو ليس بعيدًا بعد…

الإنسان جزءٌ من محيطه، إنما هو أكبر منه بكثير… هو هنا، ومن ثمّ يستطيع أن يكون هناك… هو طائرٌ حرٌّ قد أعطي أن يُحلّق بجناحيه فوق سماءه، وسماؤه تلك لا حدود لها… هو، على الأرجح، من يضع لها حدود…

الحياةُ هي أوسع من الحياة حواليك… هي أبعد من مجال ناظريك… الحياة دائمًا أجمل مما ترى، وأغنى بكثير ممّا تظنّ… هي رحلة في الخيال… هي ليست زمان ولا مكان… هي أرفع وأرقى وأسمى.

الحياة حلمٌ… نحن ننسجُه وهو يحملنا، نحن نستسيغه وهو يسافر بنا… الحياة ليست واقعًا… الواقع هو نتاجها، إنما هي أوسع منه.. الواقع يحاربها إن تغلب عليها في سلّم أولوياتنا. الحياة هي أرواح تلتقي فوق المسافات، وفوق الأوقات… هي أصواتٌ صارخةٌ بصمت، تتبادلها القلوب… هي جسورٌ قدّ مُدّت بين الأعيُن… هي نغماتُ تترنّح بين الألسنِ… هي أفكارٌ تتطايرُ تتلاقطها العقول…

إلى تلك الحياة أنت تنتمي… إلى ما تؤمن بوجوده أنت… هي فيما ترسمه بخيالكَ، وما تخطّه بيدكَ، هي لوحتكَ أنت… هل تملك حيّزًا في الوجود… لا يهم، هي موجودةٌ في نفسكَ… وهذا جدُّ كافٍ!

اترك رد