د. أنطوان البيطار… وملكة الذاكرة الأعجوبة العجيبة

                   

كنت أتمنى أن يُعطى مجالٌ أرحب لإقامة هذا الحفل التكريمي للفقيد الراحل ، العصامي الكبير وزميل الطفولة الدكتور بيطار . لأن تَرِكَتَه التي أضاء بها على التاريخ لم تقتصر على بلدتنا فحسب بل توسعت لتشمل الصحافة وأعلامها في العالم مع تاريخها في لبنان وفي بيت شباب بالذات وهو عمل شاق أشاد به الدكتور نضال ابو حبيب في مقدمته للجزء الثاني واعتبره اكبرانجاز حققه المؤلف في الصحافة اللبنانية .

الكتاب بجزئه الثاني لا يمكن أن نمر على مادته مرور الكرام لأن مراجعته تتطلب وقتاً يوازي الوقت الذي بذله كاتبه في  ايام صعبة قضاها بالكد والسهر وعلى أضواء الشموع أحيانا في الليالي المظلمة اثناء الحرب التي أخذتنا الى الضياع والمصير المجهول .

لكن حلقة الحوار الثقافي شاءت أن تجعل من هذا التكريم بعد فترة وجيزة على غياب فقيدها الكبير وفقيدنا وفقيد بلدته التي أحبها وعبد سيدتها العذراء وخصها بمؤلفات عديدة ،  شاءت أن يكون التكريم هذا سابقًا لأوانه في مركز ما زال قيد الترميم فجاءت منها مبادرة جليلة  لتوقظنا جميعا من سباتنا العميق وتدفعنا للاهتمام بتكريم رجالاتنا، أمواتا وأحياء، كي نقتدي بخطواتهم  على الصراط المستقيم قبل أن يلفَّهم ويلفَّنا الضياع بمكنسة النسيان .

وفي هذه المناسبة الجميلة التي تجمع الطيبين من الرفاق أحب أن القي ضوءًا على مَلـَكَةٍ تميز بها الراحل،وهي غير معروفة لدى الكثيرين من أصدقائه، عنيت بها ملكة الذاكرة الأعجوبة العجيبة التي وهبها له الله  وكانت سندًا كبيرًا في مرحلة تحصيله العلم وفي الكتابة فيما بعد .

الدكتور بيطار، وفي حكاية يعرفها الأهل والمقربون لا غير، كان يكره الحساب والعمليات الحسابية ككل شاعر مثيله ينظم ويحفظ عشرات بل مئات الأبيات من ظَهْر قلب، وبما ان امتحان البكالوريا في ذاك الزمان كان جامعًا كامتحان الإجازة الجامعية في هذا الزمن، فقد اضطر الى استظهار كتاب الرياضيات الجيومتري من ألفه إلى يائه ليحصل على العلامة المطلوبة لمروره في الامتحان، ما جعل أستاذه يفاجأ بنجاحه ويبقي فترة لا يصدق ما حدث.

الدكتور بيطار في الوسط الى يساره العميد مارون خريش والكوميسير الشاعر أديب العقيقي والى يمينه لويس الحايك والدكتورة جميلة حسين

ومن ذكرياتي معه التي لا انساها، وكان يعيدها دائمًا، ما كان يحدث عندما كنا معا نرتجل الشعر في فتوتنا ، وكان أثناءها يحفظ ما يقول ويحفظ ما نقول بمجرد قراءة القصيدة أو سماعها مرة واحدة لا غير.

يومذاك وقبل غيابي عن الساحة الأدبية في لبنان وسفري إلى الخارج،  وفي إحدى الأمسيات ارتجلت قصيدة نسيتها ولم اعد اتذكر كلمة واحدة من كلماتها. وبعد عودتي واجتماعي بالأحياء من الرفاق،  فتشت عن مجلة “الخواطر” التي نشرتها عام 1955،  فلم اجدها ولم أجد نسخة مكتوبة عنها، فكانت المفاجأة أنه استظهرها  وحفظها مع قصيدة  لزميلي في الدراسة وصديقه الشاعر أديب العقيقي، الذي سيكتب تفاصيلها في مجلة “السائح”، وقد تغيّب عن حضور هذا الحفل لسبب صحي .

ألقي عليكم ثلاثة من ابياتها التسعة وفاء لذكراه واستذكارًا لأيام جميلة قضيناها معًا، وشهدت أول انطلاقاتنا وبداياتنا مع الكتابة، ونظم الشعر في أواسط الخمسين من القرن الماضي .

لا لا تجفي فيا دربي لنا الذكر

لنا العهود لنا الأخبار والسير

 سلي الفراشات عن أشواقنا وسلي

هل تاه عن لهونا في زهوها نظر

سلي ترابك عن رقص هززنا به

حباته السمر حتى رنّم الحجر

شكرا لسماعكم واتمنى أن يكون هذا التكريم فاتحة خير لنشاطات أخرى تقوم بها البلدية بعد حفل تدشينها وبتشجيع من رئيسها الذي رسم ونفذ وأهَّـل صرحين تعليميين: المدرسة المهنية الوحيدة من نوعها في المتن والمدرسة الرسمية، وكانت البلدة بأمس الحاجة اليهما، محققا حلمه الكبير كعصامي عامل في بناء الحجر والبشر. وشكرًا لحلقة الحوار وجميع من ساهم وشارك بهذا التكريم من أصدقاء الفقيد.

****

(*) ألقيت في الجفل التكريمي الذي  نظمته رعية سيدة البزاز في بيت شباب، وحلقة الحوار الثقافي تخليدا لذكرى الاديب والمؤرخ الراحل الدكتور انطوان البيطار برعاية بلدية بيت شباب في دار البلدية.

******

 شهادات في  الأديب انطوان البيطار 

عائلة د. بيطار تتسلم درعاً تكريمية من حلقة الحوار الثقافي

تضمن الحفل الذي  نظمته رعية سيدة البزاز في بيت شباب، وحلقة الحوار الثقافي شهادات في الدكتور أنطوان البيطار ، استهلتها رئيسة حلقة الحوار الثقافي الدكتورة الهام كلاب البساط فتحدثت عن انطوان البيطار الاديب والصحافي والانسان الذي “جمع في شخصيته الفريدة حساسية الشعراء وسعة خيالهم، الى حزم البحاثة ومثابرة المؤرخين ودقتهم في توق فكري متنوع شامل والتزام انساني غامر كما انه اختبر الصحافة تحريرا وتوصيفا وتأريخا فأرخ لمسار اعلامها وكتابها وانعطافاتها وكان يحمل في شخصه تطابقا وتفاعلا مع القيم الفكرية والانسانية والوطنية”.

وقال الاعلامي والباحث كمال نخله: ” انطوان البيطار وجد ان الكتاب هو خير صاحب وافضل رفيق، لا يخون ولا يماكر ولا يكذب ويتكاذب وقد يكون الوفي الاوحد بين الاصدقاء، وكان يعتبر ان الكلمة هي خير وسيلة لتلاقي الناس ولجمع شملهم والكلمة التي تنير وترشد لا التي تهدم وتفرق وتحطم، الكلمة التي هي جوهر الحضارة وماهية الانسان واداة التواصل وصلة المعرفة والتفاهم بين الناس”.

أضاف:” كان كبيرا بتواضعه وشامخا ببساطته وطيبته وايمانه وقناعته ان البصر يستمد نوره من الاثير المحيط به، وان النفس تستمد نورها من ضياء العلم والمعرفة”.

واعتبرت مسؤولة الشؤون الاعلامية في حلقة الحوار الثقافي الدكتورة صونيا الاشقر العلم “ان انطوان البيطار ضوء من اضواء بيت شباب الذي اخترق مساحات تراثية لذا كان ضوؤه كاشفا على تاريخها الصناعي، التراثي، الثقافي والصحافي . نشأ في جغرافية هي توأم الشعر والفكر في بيت شباب حيث اجراسها وانوالها وفخارها تراهن على اماتة الموت، فالذي ينشأ في الضوء لا يمكن ان يصاب بالعمى”.

أضافت: “في خلقيته تواضع مستند دائما وابدا على قيم الارض والسماء وانه رحل تاركا، ليس عدة كتب فحسب تشهد بطول باعه في مجال الابداع، بل رياشا غمسها في المحابر قبل ان يزور المقابر التي تضم الاجساد لتبقى الروح توشم بروحانيتها ما تواسع من مسافات ترسخ الانسان في وطنه وفي ابجدية الحروف قبل الوصول الى الحتوف”
وشدد صديق العائلة الدكتور نضال بو حبيب على “ان قلم المحتفى به المتواضع ما انحنى يوما الا للمحبة والاخلاص والتضحية والوفاء”. كذلك  كما تحدثت رئيسة اخوية سيدة البزاز عن حب البيطار لكنيسته والتزامه بتعاليمها.   وفي الختام كانت كلمة شكر لنجل المحتفى به شربل البيطار. 

وتخلل الحفل عرض فيلم وثائقي لأبرز المحطات في حياة الراحل وعرض لمؤلفاته وتوزيع دروع تكريمية باسم حلقة الحوار الثقافي. 

اترك رد