مناقشة رواية “1968” في أتيليه القاهرة : “1968” الرواية التي لم تُكتب

  

نا عايش بالمحبة من غير مبالغة .. وربنا يحبب فيك خلقه كانت دعوة أمي الله يرحمها ، والنهاردة عيد بمحبتكم ورسايلكم ووجودكم معايا، ألف شكر لفيض المحبة العظيم ، وسنة حلوة وفيها أمل وتفاؤل علينا وعليكوا جميعا .. ألف شكر والحمد لله من قبل ومن بعد.

كلمة الروائي أسامة حبشي خلال مناقشة روايته الأخيرة “1968”

*****

 شهد أتيليه القاهرة ندوة لمناقشة الرواية الأحدث للروائي أسامة حبشي، والتي تحمل عنوان «1968»، غاب عن مناقشة الرواية الدكتور صلاح السروي، الذي كان من المقرر أن يقدم قراءة نقدية فيها، وشاركت في المناقشة الروائية الدكتورة هويدا صالح،و أدار اللقاء وشارك في المناقشة الدكتور والروائى الشاعر والمترجم مدحت طه.

هويدا صالح: البعد السير ذاتي  ورواية 1968

وبدأت هويدا صالح بالحديث عن الكتابة الميتاسردية قائلة: “صارت الكتابة الميتاسردية  مقصدًا يلجأ إليها الروائيون حين يسعون إلى كشف أسرار موضوعة “الكتابة” للقارئ. كذلك يقف وراء الميتاسرد الروائي تعمد وقصدية الكاتب حتى يسرب رؤيته للعالم ووجهة نظره في الكتابة إلى لا وعي المتلقي من خلال توظيف بعض الأدوات السردية التي تكشف خدع النص الكامنة بين بنياته الدقيقة، وذلك يكون بالحديث عن الكتابة وهمومها وتحدياتها داخل فضاء الرواية، ويمتاز النص الميتاسردي بمعجمه الذي يتخذ من مشاريع الكتابة موضوعا له، فيناقش الكاتب مع القارئ إما رواية ينوي كتابتها على صفحات الرواية الآنية (رواية داخل رواية) أو الحديث عن مشاريع كتابية أخرى تمّ إنجازها.

والميتاسرد تقنية ما بعد حداثية جاءت لكسر تقليدية الكتابة الإبداعية ونسقيتها الشائعة، وإن الخطاب الميتاسردي (كتابة نرجسية كما يطلق عليها أحياناً، قائمة على المركزية الذاتية وسبر أغوارها، حيث نلحظ فيها أن الكاتب يعمد لفضح لعبته السردية من خلال التعليق عليها واللعب بأحداثها وتحريك شخوصها)، إضافة إلى أن تقنية الميتاسرد أكثر مصداقية؛ فمن خلالها يُبرم عقد الثقة بين المؤلف والقارئ علماً أن كليهما على يقين بأن هذا النص ما هو إلا مجرد لعبة يبتكرها المؤلف في حيز لاوعي القارئ؛ لتمرير رؤيته الخاصة لنفسه وللعالم أيضاً”.

ثم تطرقت لرواية “1968” موضحة  أن تلك هي اللعبة التي قرر أسامة حبشي  أن يلعبها مع قارئه في روايته “1968” الصادرة حديثا عن دار العين للنشر والتوزيع بالقاهرة.
وتبرز تقنية الميتاسرد منذ العتبات النصية الأولى بداية من الإهداء إلى شخصيات أدبية (دوستويفسكي، مالك حداد، الطيب صالح) أو من التصدير بمقولات تتضمن خطابًا  ميتاسرديًا، يتحدث عن الكتابة كموضوع، مثل اقتباسه مقولة إليف شافاق من روايتها (شرف) وحديثها عن رغبتها في الكتابة كنوع من تخليد أمها التي تريد أن “أحكي الحكاية وإن لشخص واحد، وعليّ أن أرسلها إلى ركن من أركان الكون حيث يمكنها أن تطفو بعيدا في حرية”، أو حتى اقتباسه لمقولة كازنتاكس عن الكلمات التي هي مرادف للكتابة التي تتعثر على لسانه، وتستعصي عليه.

وأكدت  مستطردة: “لقد حاول الكاتب أن يستخدم من ميتاسرد وسيرذاتية، ونصوص غائبة يتناص معها، فالقارئ الذي يناقش مع أسامة حبشي مشروع روايته 1968، سيتعرف طبعا على شخصية السارد، الذي يقوم بالسرد بضمير الأنا الذي يقوي البعد السيرذاتي، إضافة إلى أن السارد كاتب، مما يرشح البعد السيرذاتي في النص:”أنا هنا أود البدء بروايتي لتعرفها معي، ولكن الحرف يستعصي علىيّ ويكتب عن خطوط هي لشخص آخر، شخص أكرهه، ودائما ما أفسد حياتى وهو الآن يفسد سردي”..

إن رهان الرواية الأساسي هو توظيف هذه التقنية المابعد حداثية وحسب؛ التي تكسر  الإيهام والتخييل أمام القارئ، فيصير القارئ مشاركًا للكاتب في إنتاج الدلالة، ويصبح ثمة تواطؤ بين الكاتب والقارئ أننا نلعب، نخطط لكتابة رواية، نتحدث، وأن هذا السارد المهموم بالكتابة ليس سوى إحدى صور المؤلف، واختتمت هويدا صالح قائلة:

“ثمة نصوص غائبة كثيرة في الرواية قام الكاتب بالتناص معها، سواء كانت نصوصا أدبية لكتاب آخرين عبر العالم مثل التناص مع روايات دستويفسكي أو أحداث من التاريخ الحديث مثل التناص مع بيان مارس 1968 الذي أذاعه الرئيس جمال عبد الناصر، أو ثورة الطلاب في فرنسا وما أحدثته عبر العالم. إنه يتمثل لحظة تاريخية  كان لها دور كبير في تاريخ العالم الحديث، إنها العام 1968، حيث ثورة الطلاب في فرنسا والتي ألهمت العالم فكرة الاحتجاج والتمرد ضد الاستبداد، وكان لها صدى كبير في عالمنا العربي وخاصة مصر.

يتجادل النص الغائب (بيان 30 مارس للأمة الذي حاول فيه جمال عبد الناصر أن يستنهض روح المقاومة لدى الشعب المصري عقب هزيمة 1967)، يتجادل النص الغائب مع النص الماثل (الرواية) لنشارك السارد محاولات استنهاض روحه التي فقدها عبر سنوات من الفشل المتكرر، يستنهض روحه ويستلهم بيان الزعيم للأمة:”الرواية بدأتها بمقطع للرئيس جمال عبد الناصر، مقطع من البيان الموجه للأمة بتاريخ 30 مارس 1968: “أيها الإخوة المواطنون الآن يصبح فى إمكاننا أن نتطلع إلى المستقبل،

وقبل الآن فإن مثل ذلك لم يكن ممكنا إلا بالاستغراق فى الأحلام والأوهام، وكلاهما لا تستسلم له الشعوب المناضلة، فضلا عن أنها تقع فيه بينما هي عند مفترق الطرق الحاسمة أمام تحديات المصير.

مدحت طه

أما الروائى مدحت طه فقال: “في «1968» يكتب أسامة عن ذاته وإن لم يتخلَّ عن ألعاب الخيال، وهي كتابة تقترب بشدة من «أدب الاعتراف» وتغوص في إدانة النفس للنفس، وربما تصل لدرجة جلد الذات وحسابها على قدر عجزها عن الكتابة ومدى قسوتها في ممارسة لعبة القتل (المعنوي) في حلقات القتل الذي يمارسه المثقفون بحق المثقفين، طوال الوقت ودون هوادة، الكاتب الراوي في «1968» يحاسب جيله ويدين من أتوا به إلى هذا العالم في زمن «النكسة- الهزيمة».. الراوي عن قصد اختار الأبوية في رسمه لشخصية الأب الذي تحركه أسطورة الجنية وقسوته على ابنته «عبدة الدار» وتجاهله لمصائر من حوله ورعيته غارقًا في قصص «كليلة ودمنة» من جانب وملذاته المتخيلة مع جنية البحر أو مع سيدات القرية فوق الأسطح.

وتابع: “في «1968» لم يعد الكاتب يخشى أن يحاسبه أحد على ضعفه أو ضعف الراوي ولا عن إحباطه ويأسه من إتمام العمل الثاني له بعد النجاح- الذي بدا عرضيًا وربما مفاجئًا- لروايته الأولى، ولم يعد يخشى أن يعترف باحتراف القتل ما جعله في بداية الرواية يعاني كابوسًا يرى نفسه فيه يتقيأ القطط التي ابتلعها من قبل!!».

اضاف: “بعد أن تتم القراءة لن يبارحك الشعور بفداحة البوح فيها عن الناسك الخادم لمقام ابن الفارض، وهو العاشق لشهد ابنة الليل النافرة والمستنفرة برقبة الزجاجة لكل من يبخسها ثمن نزوته معها. وعن الكاتب الذي يراوح مكانه محتجزا رهينا لذكرياته عن العائلة والأصدقاء والمثقفين والابن الغائب الذي لا يمكنه التواصل معه والكتابة التي استعصت عليه حد الخرس.. وعن الأخت المشوهة بعيوب خِلقية وعيوب خلفتها قسوة الأب وعنفه الجنوني تجاه الابنة التي يأبى أبدا أن يناديها باسمها «نرجس» ويناديها عبدة الدار إمعانا في إذلالها. وعن نرجس التي فقدت هويتها بفقدها لاسمها وحرصها على أخيها واحتمالها لكآبته وعزلته بل وإهماله لها وإشفاقه العاجز عن انتشالها من هاوية الفقد. إنها رواية البوح الموجع لبشر لم ولن يجدوا خلاصهم إلا بالموت أو التيه في مداات”.

أمل سالم

وفي مداخلته تطرق الأستاذ أمل سالم إلى صغر حجم الرواية وإلى الأساطير اليونانية وكيف كانت بداخل العمل، ثم تطرق إلى الإهداء في الرواية، وأكد أنه ليس مصادفة أن يكون لله وللموت ولكثير من الكتاب الكبار أمثال خوان رولفو وديستويفسكى والطيب صالح.

فاروق الجبالي

بدوره أشاد الروائى والقاص فاروق الجبالى بطريقة أسامة حبشي في الكتابة واصفا روايته «1968» بأنها تشبه الحياة بتفاصيلها المتشابكة كما وصف اللغة بقوله إنها لغة ناعمة تنساب كانسياب المياه وتمتاز بالقوة والرصانة رغم ذلك.

وأشار «الجبالي» إلى الخلط ما بين الأسطورة والواقع أنه برغم أسطرة الشخصيات إلا أنها حقيقية كخادم مقام ابن الفارض في الرواية، أما القاصة فاطمة العبيدى فقد تطرقت لشخصية نرجس بالرواية وكيف تناول الكاتب من خلال التقاطع مع شخصية الكاتب بالرواية بمصائر شخوص روايته التي يكتبها.

يذكر أن «1968» هي الرواية السادسة لأسامة حبشي وقد صدر له من قبل موسم الفراشات الحزين، ومسيح بلا توراة، وخفة العمى، وسرير الرمان، وحجر الخلفة.

 

اترك رد