الفكرة اولاً:
تعتمد على قراءة لغة الجسد ولغة الرداء انْ صحّ التعبير وترجمتهما معاً لمعرفة شخصية الشخص المراد محل القراءة .كما أني جسدتُ كيف أنّ الأعمال السيئة تنمّ عن مستقبل أسود، والأعمال الصالحة تنمّ عن مستقبل طيب، ومن خلال ا.د أفكار.. تعرضتُ لقضية اجتماعية خطيرة، من خلالها أخذتها وأخذتُ شادية وسُكينة فتاتيْها مِن مستقبليهما الضائع الغامض وعدتُ بهما إلى مستقبل مشرق بتصحيح مسار حاضريْهما.
القصة
تقول أفكار
كان زوجي تسبح روحه في اكتئاب حاد حتى صرعها تاركاً إيّاى وفتاتينا الصغيرتيْن شادية وسُكينة، وكنتُ أحبه كثيراً جداً وتأثرتُ بموته لدرجة أننى لمْ أجد عِوضاً عنه غير ان أنتقم من هذه الأسقام التي تنال من النفس فترْديها تحت سترة التراب، أصرع الأسقام قبل ان تصرعهم. واخذتُ افك شفرات طلاسم النفس وأكشف ستائر خلجاتها حتى صارتْ تلك النفس بدروبها وجوانحها ومفاصلها مترائية ومطواعة. فتوقد ذهني أيّما توقد وتبحرتُ في هذا العلم النفيس وحصلتُ على أعلى درجة علمية من أكبر جامعات العالم، وتُوّجتُ أخيراً على عرش الأدب بحصولى على جائزة نوبل في الأدب.
درّستُ انا ا.د افكار في اكبر الجامعات العربية والأجنبية ولا أكاد آتي مصر وطنى ومسقط رأسي إلا قليلاً.
كعادتى دائماً احتضن فتاتيّ شادية وسكينة بحنان بالغ وأسألهما عن حالهما ثم آتي الفراش لأنام .
فتحتُ حاسوبى لأرى أحدث المستجدات العلمية فلفتَ نظري اثناء التصفح قضية فتاتيْن خلف القضبان، أهملهما أبَواهما من كثرة الترحال حول العالم اذ كانا سفيرين لبلدهما. فانتبهتُ واخذتْ رأسي تشرأب إلى الأمام دافعة أيضاً جسدي معها، فاغرة فاهي محملقة العين مستحضرة في مخيّلتى هذا التوافق العجيب بين ترحالي وترحال والديْ هاتيْن الفتاتيْن، فتصارعتْ دقات قلبي ووجب واشتدّ وجيبه حتى سارعتُ في الدلوف على أبواب صغيرتيّ فوجدتهما نائمتيْن. فعدتُ حجرتي غريقة النفس وركضتُ حتى أذّن الصبح بلحظات الغيث.
دلفتُ باب شادية وولجتُ الباب فإذا بشادية تتأهب للخروج قاصدة جامعة القاهرة .فحملقتُ فى زيّها مندهشة مائلة الرأس يميناً وشمالاً، تجري عيناى على بساط ذاك الزي الفاضح الذي يظهر مفاتن جسدها الصارخة الداعية لكل شهوة أو نظرة.
وسكتتُ برهة ولم انبس بكلمة، وما كان سكوني إلا إمعان النظر في لوحة بخيالي أرى فيها نفْس ابنتي خلف قضبان الأمس بسجية المستقبل. تلك القضبان التي ارتأيتها من ميوعة ألفاظ ابنتي التي أدمنتْها حتى انها عجزتْ ان تظهر أمامي بصورة أليق من هذا وسرعان ما أصابها الإبلاس فتهتهتْ ثم سكتتْ .
واحسرتاه: انا أ.د أفكار ابنتى شادية ترتدى فستاناً ضيقاً تكاد مفاتن جسدها لا تتنفس من الانضغاط، يبدأ ينادي مشتهوها من فتحة الثدي المتدلي على قاعدة حمالة الثدى الحمراء. يبدأ التدلى كاشفاً بين ثدييها ذاك المفرق الناعم الجذّاب وينتهى بحلمتي الثدى المستقرتين على الحمالة الحمراء،وتَبرزُ الحلمتان كسحابتي ماء تنادى ظامئيها.
ويظهر تحت الفستان من الأمام ذاك التحدّب المتناسق البارز من الخِصر والفخدين وسرّتها تلك التي لا تخفى على راءٍ. ومن خلف الفستان ارى مؤخرتها وكأنها وُضِعتْ في قالب واستُنسختْ بعملية قوْلبة.
أهدابها تومض كألوان الطيف تعلوها حاجبان حادتان يكاد لا يرى منهما إلا تلك الألوان التي خضّبتْ أهدابها، وينسدل شعرها المرسل يشعّ من على سطحه أضواء ذهبية وسيلفرية برّاقة، وتلبس حذاءً كعبه يكاد يكون كالهرم المقلوب .
وفجأة رنّ المحمول فتناولته واذا بشاب يقول: حبيبتى “غانية” كانت ليلة امس ممتعة في حجرتي ما رأيك ان نكررها اليوم؟.
وما ان سمعتْ تلك الكلمات إلا وسكنتْ روحي تختنق بحبال هذه الكلمات واشتد غليان قلبى وانفطر وفرغ. وأمسكتُ نفسي وطفقتُ أبحث عن حقيبتها.
ففتحتُها فوجدت كارنيه الجامعة مكتوب فيه انها من الفرقة الاولى فسألتها
ألستِ في الفرقة الرابعة يا شادية؟
فأجابتْ: انا اسمى “غانية” يا ماما وانا لا أذهب للجامعة، وهذا سوء عملك يا ماما، فتاتان ليس لهما أب ولا أم .
رحلتِ عنا فرحلنا وتهنا وضاع اسمي واسم أختى في فلوات تِرْحالك.
خرجتُ مِن عند شادية فارغة القلب مغمغمة بكلمات الحسرة والخيبة.
خرجتُ قاصدة حجرة سُكينة وكلي وجل وخوف وإشفاق مِن أنْ أجد الأخرى مثل أختها.
فرأيتُ ابنتى الثانية سكينة فتاة عازفة عن كل شئ، رداؤها الأسود من الرأس وحتى أخمص القدم، شعرها ينسدل بغديرتين تتدليان على ظهرها ويواريهما ذاك الحجاب الأسود.
شعر شاربها نابت ظاهر، وشعر حاجبيها مبعثر متشرذم.
أكاد لا أري من جسدها إلا جلبابها الذى ترتديه، ووجهها المخضّب بالشعر المتناثر.
عيناها لا تكادان تتركان بساط الأرض أو سقف الحجرة، تستحي من كل شيء، وتودع كل حي، وتخاف من كل شيء، تأنس بالسكون والفلوات.
مشيتها كالسكيرة تسير مترنحة معوجة ومحدبة الظهر كانها جاءتْ من بين الأموات لتعيش بين الأحياء.
وسألتها: هل أنتِ في الدنيا يا سكينة أمْ لا؟
وفتحتُ حقيبتها فوجدتُ كارنيه الجامعة مكتوب فيه إنها من الفرقة الأولى فسألتها: ألستِ فى الفرقة الثانية يا سكينة؟
فأجابتْ: أنا اسمى “تيْماء” يا ماما وانا لا أذهب إلى الجامعة وهذا سوء عملك يا ماما، فتاتان ليس لهما أب ولا أم، رحلتِ عنا فرحلنا وتهنا وضاع اسمي واسم أختي فى فلوات تِرْحالك.
وانهدّ جسدى حيث أقرب كرسي وما استطاعتْ قدماي حملى واستبان لي مستقبل فتاتىيّ المظلم الذي يهدّهما ويهدّ المجتمع الذي لطالما جاهدتُ في إصلاحه لتحيا البشرية بنفوس آمنة واعدة مطمئنة.
اندثر ما كتّلته من إرادتي من عزم وإصرار وانفسختْ عزيمتي، التقتْ آلام الماضى بطعنتيْ الحاضر وشكلتْ ساتورا صدع رأسى.
تعاظم وجيب قلبي وضربة رأسي وتلجلج لساني واعوج وتلعثم بغمغمات لحروف عيية محصورة، وقد ثقفتنى المصيبة وأمسكتْ بلجام عزيمتى.
وما ترى عينى إلا أوار من جبال تعلوها سحابة من العجّاج والإهماج وطنين الذباب الكبير، تتسارع جميعها حاملة ذاك الأوار الملتهب الذي التفَّ حولي ليحرق ويأكل لحمي كما حرق وأكل لحم شادية وسكينة، وما إنْ وصل ذاك الإهماج والذباب الكبير الملتهب حتى خررتُ هامدة أحيا فى موت الغمم .
والتفت الفتاتان حولى وأخذاني إلى المستشفى وقد أصبتُ بجلطة فجائية، وأُدخلت إلى العناية المركزة، والفتاتان تبكيان ندماً على استسلامهما لتصاريف الأقدار الخانقة، وتقولان فى حسرة: لولا نقاوم ونصبر على ما بدر منا.
لقد حمل جسد الأم المسجّى بين الحياة والموت رسالة ندم وموعظة وتوبة على ما كان منهما من استسلام لتصاريف القدر.
وخرج الدكتور من العناية يحمد الله على نجاتها من مرحلة الخطر.
خرجتْ الأم من العناية المركزة وما إن سمح لها الدكتور بالكلام حتى اجتمعتْ بفتاتيها وهما يقبّلان يديها وقدميها وسط دموع متبادلة.
أدركتْ أفكار “الأم” الآن انّ أفكار “أ.د” الحائزة على جائزة نوبل، انّ الأم اغلى وأصلح لمجتمعها ومجتمع فتاتيها، وما كان يجب عليها الترحال .
وقالتْ لنفسها لا بد ان نجد أ.د أفكار بلا ترحال حتى تمد ظلالها على فتاتيها.
لا بد ان نأخذ أفكار من المستقبل الذي رسمته لنفسها ونعود بها الى حاضر فتاتيها.
لا بد ان نُرجع المستقبل القاتم لفتاتيّ ونلبسهما رداء حاضر صالح ونقي حتى تصلا إلى مستقبل آخر، هو مستقبل النور والأمل والطموح والانتصار.
**********
(*) من قصّى.