حبيبتي حبيبةٌ حقيقيّةٌ، استنتجتُ!؟
كيف لا، وهي على ما سبقَ البَوحُ به!؟ وإنّي لَأُهَنِّئُ نفسي بها! فأنا ذو حظٍّ نَعيميٍّ خارق، كونَها زوجتي وحبيبتي وصديقتي ورفيقتي وأُمّي ومُدَبِّرتي وهاديتي وعشيقتي معًا، وفي الوقتِ عينِه! فِعْلًا، كم أنتِ خارقة! كم أنا، بكِ، محظوظٌ!
فنحن معًا، ومن دون أيّة غيمةٍ سوداءَ، منذ أربعين! أربعون عامًا سريعًا كالضّوء، رهيفًا كعطر الزّنبق، مُسالِمًا كنبع القرية.
أربعون، ولا غيمةٌ سوداءُ! ذلك أنّها لم تتّخذ وقتًا لها! وقتُها، كلُّه، لي، لنا، للآخَرين! فقد كرّسَتْ نفسَها للخدمة. أن تخدم؟ هو أن تُعلِنَ حبَّها صارِخًا، عاصِفًا، مُضَحّيًا. ألحُبُّ الصّارخُ هو الحُبُّ الصّريحُ، الواضِحُ، المَلآن. والآخرُ العاصفُ هو الغنيُّ، القويُّ، اللّامحدود. والمُضَحّي هو الباذلُ الرّافِلُ بالخير، المُضَمَّخُ بالسّلام، الكبيرُ بالتَّواضُع. وإنّ ليَ العرفان النّبيل!
أربعون، ولا غيمة سوداء! ذلك أنّها لم تتراجع، ولَو في مرّةٍ إحدى، عن أن تُحِبَّ الحبَّ كلَّهُ، في كلّ ما!.. كأن تقوم بعملٍ، مهما بدا تافهًا، أو عاديًّا، كعملٍ منزليٍّ؛ كأن تُلَبّيَ خدمةً، مهما كانت بسيطةً، كأن تُجيبَ سائلًا عن مكان؛ كأن تقترحَ أمرًا، مهما حسبتْهُ قليلَ الأهمّيّةِ، كإدخال تحسينٍ جماليّ، أو تبديل مكان كرسيّ…! وإنّ ليَ العرفان الأصيل!
أربعون، ولا غيمة سوداء! ذلك أنّها ما كانت تقوم بعملٍ، أيِّ عملٍ، إلّا وكأنّها تقوم بإيفاء نَذر! ألنَّذْرُ يكون لقدّيسٍ، وهي تعاملُ كلًّا منّا، ومن السِّوى، على أنّها تفي نذورَها له! فتكون راضيةً، مطمئنّةً، هانئةً، سعيدة! ونكونُ، جميعًا، ألسِّوى ونحنُ، راضينَ، مطمئنّين، هانئين، سُعَداءَ! ألنَّذْرُ وعدٌ حُرٌّ نُلزِمُ نفسَنا به، لنَفيَه برضى كلّيٍّ، وقناعةٍ مُطلَقةٍ… وأعمالُها، حبيبتي، كلُّها، نذورُها تفي بها، راضيةً، مقتنعةً، وبالحبّ كلِّه!
أربعون، ولا غيمة سوداء! لا يعني أن لم تمرَّ بنا غيومٌ بيضاءُ!..
ألواقع أن مرّت بنا غيومٌ بيضاءُ، ومِرارًا عديدة. فلمَ، ومتى، وكيف تصرّفْنا!؟ وهل من رَواسِب!؟
ألغيومُ البيضاءُ؟ أن تَسري في فضائنا، حتّى وراءَ آفاقِنا، وفي المدار، “هُمومٌ صغيرةٌ”، بسيطةٌ، هَشّةٌ، تزولُ سريعًا، غيرَ تاركةٍ في الأجواء، ما يتلبَّد في الفكر، في الوِجدان، في القلوب، في النَّوايا! وهذه الغيومُ البيضاءُ غيرُ مُتَلازّةٍ، بل هي رقيقةٌ، شفيفةٌ، مُتباعِدةٌ، تفصل ما بين تلافيفها، مساحاتٌ زرقاءُ، وكذلك ما بينها. هذا، إلى هيئاتٍ مختلِفة وشِبه رسومٍ، توحي إلى كائنات نباتيّةٍ، أو جامدةٍ، أو عاقلةٍ، ما يُلوِّن هذي الغيومَ، ويُرَقِّقُها، فتشفُّ أكثر، وتُبَدِّدُ كلَّ شائبةٍ مهما رقّتْ.
لمَ تمرّ بنا الغيوم؟ لأنّنا لسنا آلهة! فنحن بشرٌ لنا أفكارنا وتوجُّهاتُنا المتنوّعةُ، وربّما المتعارضةُ، فنتحاور ونتناقش فنوحّد أفكارنا وتوجُّهاتِنا، فتصفو وتتوحّد!
متى تمرُّ هذي الغُيَيماتُ البيضاءُ الرّقيقة الشّفيفة؟ عند أختلافِ الآراء، وتناقضِ التَّوَجُّهات! لكن، سريعًا ما يتمّ التَّفاهُمُ عَبْرَ الحوار والنّقاشِ وتبادُلِ الآراء.
كيف تصرّفنا ونتصرّف؟ على اعتبار أنّها “وقت مُستقطع”، نرتاح خلاله، ونجدّد النّفَس! هكذا، وبالبساطة المُتناهيةِ والمُطلَقة! لذلك فهي ضرورة تجديديّة!
حبيبتي حبيبةٌ حقيقيّةٌ! غايةٌ في الرّقّة والعذوبة والحنان! والأمرُ مُتَبادَل!
ألخميس 4- 8- 2016