أنا الشِّعرُ أرثي أنا.
لي بعضُ المُؤاخَذَة على مَن اقترفَ فيَّ ذَنبَ عدمِ الإنصاف، هذا الذي بيني وبينه عهدٌ لم أدَنِّسْهُ ولو ذهبَت نفسي. لكنه استباحَ معي الرّوحَ الوثنيّة، وأوقفني على ثِنية الوداع، ومسحني حطباً فوق أجيج حياتي، حتى أصبحتُ بارعاً في تصريفِ أفعالِ الوجع.
من أعاجيب وجهي، في منفايَ الموحِش، أنّه صارَ لا يمتلكُ سوى ابتسامةٍ تُعادلُ أَلَمَ الكونِ كلَّه. ألمٌ جعلني أعتنقُ معموديةَ النّار، وأعلنُ ولاءً مُطلَقاً للشقاء بِجُودَة.
لم أكُن مملوكاً إلاّ من الحنان، هذا الذي يُشبهُ الأعجوبةَ التي تُنبِتُ الماءَ من الحجر. فمعه تَطيبُ الإلفةُ بالرّغمِ من إعلانِه أحكاماً عِرفيّة انتصاراً للباطل. والباطلُ هذا دَفَّعني الجِزيَةَ ربّما لأنني أقمتُ وزناً للوجدان، وصدَّقتُ نُبُوَّةً كانت مَنحولة.
صرتُ مشتاقاً الى الموت اشتياقَ مَن فَقَدَ بالكُرهِ وطنَه. لأنني كلّما عشتُ لا يصفو للحياة مَذهبٌ، ولن تضحكَ الحياةُ في سرّها إلاّ حين تُقفِلُ خزائنُ عمري على أيّامها.
لقد نثرَت الحياةُ على رأسي رماداً، وفجَّرَت بَرصاً في جبهتي، وأنكرَتني ثَلاثاً من دونِ جَميلِ صِياحِ الدِّيك. فشارَكتُ ذاتي في مواسمِ اللَّعنةِ والشَّكوى، فاجتمعَ فيَّ شَملُ الشَّرَرِ بجهنَّم.
وبعد، لم يُمهِل الحنانُ وَرَقي ليَصفَرّ، فأرغمَني على تَلوينِه بالليل. وهكذا أضفيتُ موتاً على الموت……