تعتمد الفنانة “الهام الفرجاني” في اعمالها التشكيلية على تحويل المشهد الواقعي الى انطباعات تعبيرية تتسلح من خلالها بالمعنى القادر على جذب البصر نحو الايحاءات التي تبثها اللوحة، لتحاكي بها البؤس الانساني القابع في الظل الذي يشتد ويتراخى دون ان يزول ضوء الامل من الحياة.
اذ تترك لثغرات الضوء ان تعانق الوانها التي تميل الى الوان الحياة دون التوقف بين السماكة والشقافية، وكأن الريشة تنساب كالواقع بين التفاصيل الدقيقة في المشهد الذي تحاول تغييره، ان بتبسيط في التفاصيل اللونية ذات التعبيرات التشكيلية المشحونة بالتعاطف مع الانسان او بخلق اجتماعي تتدفق الحكايا فيه بين مساحات الالوان الفاصلة، بتعابير مشتتة خاصة ما يتعلق بمعتقل الخيام، وكأنها تضع الاوجاع على المسرح البصري باسلوب تختلط فيه الانتفاضات اللونية التي تتصارع بصمت مع الاشكال الممزوجة بالرؤية الفنية العميقة المرتبطة بالتداخلات الحياتية المتشابهة بالهموم والاوجاع، وكانها تستنبش الاحداث وتضعها امام المتلقي ليدرك المشهد اليومي في الحياة الانسانية او بالاحرى العربية الخاصة.
لوحات ذات طابع حكائي لتصوير الحدث الاساسي المبني على قوة الحدس التي تثير نوعا من التعاطف مع الالوان الباهتة التي تمنحها من الضوء نوعا سينوغرافيا بتبسيط تشكيلي تفصل به المعنى عن المبنى، وتجمعه في تعابير تمتلك في بواطنها تصويرات تستفز المشاعر وتتركها في حالة دهشة. لانها تحمل من الواقع المحمل بالقضايا الراهنة الكثير من الترجمات الملغزة بلغة اللون، وبحيوية تستعيد من خلالها “الهام الفرجاني” اللحظة التي مضت لتجعلها في حاضر بصري ضمن لوحة لا يزول منها المعنى الحقيقي لمعاناة الانسان وحقوقة التي تشبه تصويرات مسلوبة الواقع في لوحاتها الموحية بالجمال الضوئي، للون المحصور بمقاربات تتميز بالموضوعية المتحررة من الذات، والقادرة على خلق عدة احاسيس ليتعاطف المتلقي مع المواضيع التي تطرحها في لوحاتها باسلوب تحفيزي للبحث عن التحرر والخروج من اللوحة بصريا. لتحقيق استقلالية الانسان المثقل بهموم الحياة وانتهاك حقوقه فيها ، وبما يتلاءم مع حساسية اللون خاصة الاصفر وروحيته ومرئية الواقع المرن من خلال ذلك.
رغم كل معاني المأساة في لوحات الفنانة” الهام الفرجاني” الا انها تجعلك تشعر انك خرجت مع المعنى الضوئي الذي تستبطنه بالنصر متحررا من كل ما سبق، فتشعر بنشوة جمالية حسية لتستطلع بقايا التفاصيل التي تشدها بالظل. لاستبقاء الحياة في زاوية ما مع الحفاظ على معنى اللون الاصفر المتصل حسيا بالروح القادرة على تخطي المتاعب الانسانية ، ومن وحي الطبيعة التي ترافق الانسان في المحن والقلق ، فما بين الترابي والازرق مساحة من الضوء تظلل التفاصيل بمعناها الفني. ليبقى الظل ممدودا كالانسان الغائب الحاضر المنتصر انتصارا جزئيا. اذ تخفيه كظل ما زال بحاجة للحركة، ليظهر من حالة عدمية تجعله مخفيا كالظل ومتواجدا بالشكل الانساني الذي يمتلكه ، فما بين السلاسل اسقاطات لرؤية ربطت في وسطها منديلا او ربطة ما، كوثيقة صفراء عالقة بين طرفين من صراع قصير المدى .اذ لم تمنحه الاتساع الذي يحقق المعنى الطويل لهذه القيود ، لتمنح الامل الى ان يتم فكها وفتح السلاسل التي تمسك بها الاطراف الغير المتينه التي استخرجتها من الطبيعة ذاتها، وتركتها معتقة بين اللالوان الداكنة والفاتحة لتكوين صورة حياتية وفق انطباعات تتعلق بالحق الطبيعي للوجود الانساني . فهل يتحرر الظل من العتمة دون الضوء الذي يلامس اطرافه، ليتكون وفق الحركة التي منحتها طولا ممتدا على الارض؟
درست الهام الفرجاني الفنون التشكيلية في جامعة طرابلس بليبيا وحصلت على البكالوريوس لتكمل دراستها بصربيا حيث حصلت هناك على الماجيستير من اكاديمية بلغراد للفنون الجميلة حين اشتغلت على موضوع “تجريد الحرف العربي”، وحصلت على الدكتوراه من كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، كان موضوعها “استلهام السمات الفطرية في إبداعات فن التصوير المعاصر”، وفي كل الفترات كانت تقدم أعمالها بداخل ليبيا وخارجها بالإمارات لبنان فرنسا صربيا، من خلال عدة معارض مثلت فيها مشاريع مختلفة فردية وجماعية جمعتها بطلبتها فقد قدمت مؤخرا معرضا مع طلبتها احتوى أعمال نحتية عنوانه “الفراشية الليبية”. كما أنها ترأست عدة مؤسسات واشتغلت مع عدة دوائر ومثلت ليبيا في عدة مؤتمرات دولية وتحدثت بجرأة عن واقع الفنون في ليبيا وترديها وخاصة الفن التشكيلي، وهي عضو في مكتب التعاون الدولي بجامعة طرابلس بليبيا.