د. عبد الرؤوف سنّو: رجال الدين السعوديون امتلكوا أسلحة فتاكة تفوقت في بعض الأحيان على قدرات العواهل السعوديين
بعد كتابه الأخير “السعودية ولبنان 1943 – 2011: السياسة والاقتصاد”، مجلدان، بيروت، دار الفرات 2016، صدر للتو للدكتور عبد الرؤوف سنّو عن الدار نفسها، كتاب جديد بعنوان: “السعودية في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز” (664 صفحة)، وفيه يؤرخ لمرحلة امتدت بين الأعوام 1996 و2015، حين حكم، تارة بالنيابة عن شقيقه الملك فهد خلال مرحلة مرضه حتى رحيله العام 2005، وتارة أخرى كحاكم أصيل حتى الأسابيع الثلاثة الأولى من العام 2015.
ويتناول الكتاب الإنجازات التي حققها الملك عبد الله لبلده، لصالح المجتمع والاقتصاد والثقافة والتعليم، وفي دعواته إلى الحوار الوطني السعودي، وإلى الحوار بين أتباع الأديان والثقافات الذي ضمّ إليه شخصيات من الجنسين، ومن شرائح مذهبية وثقافية وعلمية مختلفة، حتى من الإصلاحيين المنادين بالملكية الدستورية. ويكشف سنّو أن الملك عبد الله وقف ضد اعتماد النظام الملكي الدستوري، لإدراكه مدى خطورته على حكم عائلته وبقائها في سدة الحكم. وبيّن المؤلف خطوات الملك الإصلاحية المتأنية، مراعاة منه للأفكار والتقاليد التي لم تعد تنسجم مع العصر، وكيف أنه استطاع أن يحقق نجاحات هنا وتعثّر هناك، بسبب المعارضة الداخلية، من قبل رجال الدين وبعض أفراد الأسرة الحاكمة.
واعتبر سنّو، أن رجال الدين كانوا أكبر عائق أمام الملك عبد الله لتنفيذ إصلاحاته. فقد امتلكوا “أسلحة فتاكة” تفوقت في بعض الأحيان على قدرات العواهل السعوديين، من خلال: الإرث الفقهي الاجتماعي الذي يمنع الاجتهاد والتفسير العقلاني، والفتاوى التي تُحرّم وتكفّر، و”هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التي تضرب طوقًا حول عنق المجتمع، والتدخل في مناهج التعليم بعامّة، والتعليم الديني بخاصّة، إضافة إلى “تسميم” عقول الشباب من خلال الخطب النارية التي كانت تُلقى من على المنابر، ما أسهم إلى حدٍّ بعيد في بروز ظاهرة التطرّف ورفض “الآخر”، وبالتالي الإرهاب في المجتمع السعودي.
ويشير المؤلِّف إلى جهود الملك عبد الله لتمكين المرأة السعودية، وتحقيق المساواة بينها وبين والرجل، وما حققه من إنجازات في هذا المجال، رغم معارضة رجال الدين الذين رأوا أن دورها ينحصر في الثلاثية المعروفة: السرير، الأولاد، المطبخ. فمكّنها من تحسين وضعها، وحصولها على إدوار اجتماعية وإدارية، وسياسية تمثلت بمشاركتها في “مجلس الشورىِ”، وتبوّئها مناصب رفيعة، وإفادتها من سياسة الابتعاث، حيث بلغ نصيب المبتعَثات إلى الخارج نسبة 30%، من أصل 200 ألف مجموع المبتعَثين.
وعلى خطٍ موازٍ، أولى الملك عبد الله الثقافة أهمية لا تقل عن العلم، من خلال “مهرجان الجنادرية” السنوي، و”مكتبة الملك عبد العزيز العامة” بالرياض، فضلًا عن مراكز خدمة اللغة العربية والترجمة والجوائز العلمية. فحققت المملكة في عهده قفزات واسعة في مجال الانفتاح على الثقافات والمعارف الأخرى. ويعتقد سنّو، أنَّ برنامج الابتعاث، وإنشاء الجامعات الحديثة، ورعاية الثقافة، كانت من أهم المعالم في المملكة خلال عهد الملك عبد الله.
“مهرجان الجنادرية”
وفي الوقت نفسه، أولى العاهل السعودي تحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين عناية قصوى، فتحققت إنجازات ضخمة في مجالات الصحة والإسكان ومكافحة الفقر، من دون أن ينجح مع ذلك في “سعودة” الوظائف. وقد عمل على دمج الشيعة السعوديين في المجتمع، وإفادتهم من برامج الابتعاث والاسكان، وتمثلهم في “مجلس الشورى”، من دون أن يتحقّق له ذلك بالكامل، بسبب السياسة المجتمعية، ومواقف رجال الدين المتشددة منهم، ناهيك عن مساعي إيران لتوريطهم في مشاريعها.
واستكمالًا لمسيرة الإصلاح، عمل الملك على إنشاء المدن الاقتصادية، والنهوض بالتجارة والصناعة والزراعة، وقطاعات المواصلات والاتصالات والكهرباء والمياه، كما جذب الاستثمارات الخارجية، أو تصدير الاستثمارات السعودية إلى الخارج. ويدلل المؤلف على قوة المملكة الاقتصادية بدخولها إلى “منظمة التجارة العالمية”، وإلى “مجموعة العشرين”، وإلى التقويمات الإيجابية لمؤسسات مالية لدورها الاقتصادي – المالي. ويرى أن عائدات النفط الضخمة وتوظيفها في القطاعات الإنتاجية والخدمات ساعدت على إبعاد “الربيع العربي” عن المملكة. لكن سنّو، ينتقد الاقتصادي السعودي وعدم تنويعه، وبأنه يعتمد بنسبة تفوق 90% على النفط، وليس على القطاعات الإنتاجية.
وعلى الصعيد السياسي، ركّز الكتاب على أدوار المملكة المختلفة في الدوائر العربية والإقليمية والإسلامية والدولية، وأولى عناية خاصة لعلاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية، التي رأى أنها كانت بمثابة “تحالف تحت مظلة التنافر”، كما مواقفها من القضية الفلسطينية ضمن قدراتها المعروفبن، ومن لبنان في مرحلة إعادة إعماره، مروراً باغتيال الرئيس الحريري العام 2005، حتى العام 2015. ورأى سنّو، أن المملكة لم تستطع أن تحلَّ محلَ سورية في لبنان عقب اغتيال الرئيس الحريري، ولا أن تقارع نفوذ إيران عبر حزب الله، بسبب غياب استراتيجية لها تجاه لبنان، فضلًا عن مشروع جيوسياسي. لكن الملك عبد الله اتخذ موقفًا متشددًا من مساعي إيران للتدخل في الوطن العربي، والتحوّل إلى دولة نووية تشكل تهديدًا لجيرانها العرب. فأرسل جيشه إلى البحرين العام 2011، وتدخل في الأزمة السورية، كما خليفته الملك سلمان في اليمن، لمنع إيران من تحقيق مشروعها: “من المتوسط إلى باب المندب”.
واعتبر د. سنّو أن الحوار بين أتباع الأديان الثقافات الذي كرس الملك عبد الله سنوات حياته من أجل تحقيقه، أزال صورة “الإسلام – الإرهاب” نتيجة أحداث العام 2001 وما تلاها، بدليل أن العالم أصبح يفصل منذ العام 2014 بين الإسلام كدين يدعو إلى التسامح، وبين من يشوه صورته بأفعاله الإرهابية. ففي ذلك التاريخ، شاركت السعودية ودول عربية في “التحالف الدولي” للقضاء على الإرهاب. ويتناول سنّو، في هذا الفصل، الحوار الثقافي الفاشل بين المثقفين السعوديين والمثقفين الأميركيين عقب أحداث العام 2001.
ويختم سنّو كتابه بفصل عن الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية التي حصل عليها الملك عبد الله من دوائر ثقافية وأكاديمية واقتصادية وإنمائية وإعلامية وإنسانية، كما استطلاعات الرأي تثمينًا لدوره في خدمة الإنسانية والانفتاح على “الآخر” ومساعدته.
أخيراً، يستند الكتاب إلى البوابات الإلكترونية للوزارات والمؤسسات والمواقع الرسمية والإحصائية السعودية، كما إلى المصادر والمراجع بالعربية والأجنبية والدوريات والصحف، فضلًا عن المقابلات التلفزيونية.