كتاب “الدين والعصر”حوار معرفي بين الأب سهيل قاشا والعلامة هاي فضل الله

صدر عن المركز الإسلامي الثقافي في بيروت كتاب جديد بعنوان: “الدين والعصر”، وهو حوار معرفي عميق بين الأب الدكتور سهيل قاشا (باحث وعالم دين مسيحي عراقي من بلدة بخديدا شرق الموصل، مقيم في لبنان)، والعلامة السيد علي فضل الله (رئيس ملتقى الأديان والثقافات وجمعية المبرات الخيرية في لبنان).
وكان الأب قاشا قد بدأ مشروع هذا الحوار المعرفي مع المرجع السيد محمد حسين فضل الله في أواخر حياته، لكن ظروف المرض التي أصابته ورحيله المفاجئ أوقفه. لذا، أراد الأب قاشا إعادة هذا المشروع إلى الحياة مجددا، من خلال لقاءاته المتجددة مع العلامة السيد علي فضل الله، للإطلالة على القضايا والموضوعات العصرية التي يواجهها الإنسان في هذه المرحلة، ونظرا إلى أهمية الحوار في مواجهة موجات التطرف والعنف التي تصيب العالم والمنطقة العربية والاسلامية في هذه المرحلة.

وقد توزع الحوار على سلسلة محاور منها “مشروع النهضة بين التراث والمعاصرة”، “بين الكونية الإنسانية والتعددية الدينية”، “الفهم الديني والعلمنة والعولمة والعلم”، وأخيرا “بين الدين والسياسة”.

وقد قدم السيد علي فضل الله في هذا الكتاب رؤيته الخاصة حول هذه القضايا الإشكالية، التي لا تزال تثير الكثير من الأسئلة والإشكالات منذ حوالى 100 عام.

وحول مشروع النهضة والتراث، يقول العلامة فضل الله: “لقد قدم دعاة النهضة الكثير من الأفكار الغنية، ودفعوا باتجاه إعادة تشكيل مجمل قيمنا على ضوء التاريخ ومشكلاته، وعلى ضوء الواقع وتطلعاته، ونظروا لمجمل الشروط التاريخية للتقدم، وقدموا مشروعات ورؤى، لكن الصعوبات كانت كبيرة والعوائق كثيرة والمشكلات كبيرة، إلا أننا لا زلنا نملك الكثير من أوراق القوة التي تصلح للعمل، أبرزها الإسلام، إذا توفرت شروط تقديمه بمضمونه الحضاري الإنساني الفاعل والمتطلع إلى أن يكون شريكا في بناء نظام عالمي أفضل للبشرية، وفي مواجهة التيارات المتطرفة والإقصائية والاستئصالية”.

وعن الكونية الإنسانية والتعددية الدينية، يطرح السيد فضل الله رؤيته الخاصة: “إن حقيقة تشعب تجارب البشر الدينية وخبراتهم الروحية واسعة، وإن منها ما يتمتع بغنى خاص، وهذا أمر يدعونا إلى النظر إلى هذه التجارب في حدود شروطها الخاصة، لنقرأها كحقيقة تاريخية، وندرس مضامينها ومساراتها، بغض النظر عن الصواب والخطأ فيها، والنجاح والإخفاق، والقيمة التي تتمتع بها، وكفاية قيمها وتعاليمها، وإن كل أديان العالم، وحتى أكثرها بدائية من حيث مبادئها وتشريعاتها ومفاهيمها، تنطوي بشكل أو بآخر على وعي المطلق الإله، وإن اختلف وعي طبيعة هذا المطلق، والدين هو شكل من أشكال تجاوز المحسوس والمحدود إلى اللامتناهي واللامحدود، ويتبدى ذلك في الأديان الكبرى على أتم صورة”.

وحول الفهم الديني في ظل تحديات العولمة والعلمنة والعلم، يقول فضل الله: “إن الانتماء الديني اليوم يشكل للانسان عنصر استقرار، ويمنحه شيئا من الإحساس بذاته، ويؤمن له المقياس الذي، استنادا إليه، يحاول أن يحدد مسار حياته، وأن يعمق وعيه لنفسه وللعالم، والدين يمنح الإنسان نقطة ثابتة يرتكز إليها حين يتعامل مع هذا الكم الهائل من التأثيرات المولدة بفعل قوى متعارضة وقيم متناقضة وتصورات لا حدود لاختلافها وتنوعها، فيأمن أن يكون فريسة للنسبية واللأدرية وفقدان القيمة”.

وعن الدين والسياسة وإقامة الخلافة والأنظمة السياسية على أساس إسلامي، يقدم فضل الله العديد من الأفكار والطروحات من أجل إعادة رسم العلاقة بين الدين والدولة، داعيا إلى البحث عما أسماه: “المناطق الحرة في هذه العلاقة”، كمثل الإدارة والتنظيم والتخطيط للأمن والاقتصاد والتربية وتنظيم المدن، ما يجعل للدولة مهامها الخاصة، ويحفظ للدين موقعه العام.

الكتاب حوار موسع يتناول الكثير من التفاصيل والأسئلة، وخصوصا تلك التي يضج بها العالم اليوم. يحاول الأب قاشا أن يقدم في هذا الحوار الإشكالات التي يطرحها المسيحيون والعلمانيون واللادينيون، كي يقدم سماحته أجوبته الخاصة عليها، ما يجعل الكتاب مساحة حوارية متنقلة.

اترك رد