الغروب والبحر …

ابراهيم أمين مؤمن

(كاتب- مصر)

حادثة من حضارة الرقّ في عصر الرومان القرن الـ 14

في نزهة أرادها سيد من سادة الرومان على شاطئ بحر وقت الغروب ، إصطحب معه بعضاً من جنوده وعبداً حكيماً، وسيده يعلم حكمته، ولذلك أراد سيده أنْ يسمع منه حكمته،، ولكنّ العبد المرقوق فاجأه بعكس ذلك بعدما أخذ العبد منه الأمان .

وقد كان العبد وقتئذ يعلم أن سيده لا ينقض عهداً، ولولا أقوال أفلاطون وأرسطو اليونانيْن رغم أنّه من الرومان، والعادات والتقاليد الرومانية المستحكمة التي تحولتْ إلى طقوس مقدسة في معاملة العبيد الوحشية، لكان لسيده شأن آخر في مسألة الرقيق……..

أُّيها القرّاء لا تنسوا أن المشهد وقت الغروب عند شاطئ البحر …

قال السيد …

ألا ترى يا هذا حمرة الشمس عقيقاً أحمر أو مرجاناً كخاتمي الملكىْ هذا.

أو كلون الدم يسري ويتدفق في عروقي وقلبي هذا (والسيد يومئ نحو إصبعه وعروقه وقلبه وهو يتكلم)، أو زينة من أزهار المرجان استنشق عبيرها فتطيب جسدىي؟.

تهبني كل نعمة يا (هذا) ثم تغرب لتتركني في ليل أنعم فيه بالنساء والسمر والخمر والرقص والغناء.

قال العبد..

أرى في غروب الشمس أنّها نذير نومي فى زنزانة مصفّد الأغلال بين الفئران والحشرات، بعد كدّ يوم طويل في نقل الحجارة، وانا اُضرب بالسياط على ظهرىي يا سيدي.

يأتي الليل لأبكي على ضحكاتك أُّيها السيد العزيز، وأرقص رقصة المذبوح على لحن موسيقاك وأنت ترقص ملتذّا يا سيدي،وتلهو بي كدميتك.

في حمرتها، قطر الدم يسفك من شراييني وعروقي، فتشقق جلدي، ويزيد تشققًا، حال غروبها، فتأخذ دمى معها، فأُصبح دميماً قبيحاً لا يشمّنى أحدٌ إلا تأذّى وتأفّف من نتن الرائحة.

تهبك لون خاتمك ولكنّها تنزع مني انسانيتى .

تتمتع بالنساء مرتعشاً من اللذّة وأنا أتراقص معذباً محرومًا على لحن لذاتك

…..

قال السيد ..

ألا ترى البحر؟

يتمطّى بصلبه فيقترب مني حبًّا وودًّا، يرميني بغب مائه وتتطاير دفقات من مائه فتسقط قطراتها على وجهى أنسًا وطيبًا .

ألمْ ترَ تراقص أمواجه؟ كم ذكّرني برقصتي سامرا في الليل.

ألم ترَ تلاطم أمواجه احتضانا وحبًا ؟ كم ذكّرني بامائى يالليل.

الم ترَ يا هذا لونه الأزرق؟

كم ذكّرنى بياقوتتي الزرقاء التى تضيء فى نفسي وروحي .

ألم ترَ يا حقير كم في أعماقه من الكنوز واللآلئ .

كم أعطى الخير لى لأنى شريف؟ وكم سرتُ بسفينتى في بطنه فسيّرنى ودفعني وأخرجنى على شطآنه عزيزًا قديرًا .

قال العبد…

يتمطى بصلبه ليدفع منه قروش البحر لتأكلنىي يا سيدى، وـنت تأكل حتى بعد الشبع يا سيدى.

تتطاير دفقاته شظايا من لهيب تشوه وجهي كتلك اللطمات المتتالية منك يا سيدي ..

تتطاير شظايا من لهيب كالشعلة التي حمّلْتنى إيّاها يوما لأتقاتل بها مع زميلى المسكين من العبيد مثلي …

فكنا نحترق وانتم في رنين متواصل من الضحكات

نحترق وتضحكون سيدى العزيز الأكبر …

وما فى أعماقه إلا ظلام حالك كظلام نفوسكم الذي يجري في كل كيانكم ..

طقوس سيدي .. طقوس …

ظلمات نفوسكم طقوس تؤدونها تقربًا لآلهتكم المزعومة سيدي ..

وما تلاطم أمواجه سيدي؟

كنا في يوم أوقفتمونا أنتم الأسياد فى صفّين من العبيد، ومعنا الحراب والسيوف، ثم اطلقتم صفارتكم العمياء إيذانا بالإلتحام والتقاتل، فكنا ندفع بعضنا بعضا أملاً في الحياة.

هذا هو طلاطم الأمواج سيدي ..

ودماؤنا كانتْ زبد بحرِك أُّيها السيد الوفي في كلمتك ..

كنوز ولآلى … كنوز ولآلى ..

ألم نحضرها لكم بعد معارك شرسة مع القروش والحيتان ..

من وهبك سيدي؟

كنا نموت غرقى ونطفو حتى نتعفن وانتم تلبسونها وتكنزونها وتتطيبون بالطيب مع الزينة ..

قال السيد ..

كم في الثرى من حياة ؟

وكم في الرياح من نسائم ؟

وكم هي الحياة جميلة التذ بأنهارها ورياضها ونسائها، وما ذلك، إلا من صنائع يدي وبعلم أوتيته من عندى؟

قال العبد ..كم في الثرى من قبور.

وكم في الرياح من عواصف كانت تلفحنى وأنا حامل الثلوج التي تبرّد حلوقكم وعروقكم

يا سيدي ..

يا مالكي ..

قال السيد ..

لولا أني أمنتكَ لقتلتُك من أول وهلة فحاذر ..

قال العبد لولا أنك أمّنتنى لما قلتُ لك هذا يا سيدي

وسوف يأتي يوم نرى فيه نحن العبيد ذاك العقيق الأحمر في الشمس، وننعم بدفقاته التي تروينا وتثلج صدورنا..

سوف يأتي يا سيدي وننعم بآدميتنا … سوف يأتي

 

اترك رد