“الطريق إلى الثورة العربيّة الكبرى” لأوجين يونغ…تأريخ حقبة مهمة عشية الثورة العربية الكبرى

د. مارلين مسعد كانزيجير

(كاتبة- لبنان)

يشرّفني أن أقدّم  كتاب “الطريق الى الثورة العربيّة الكبرى” للسيّد أوجين يونغ/ وهو كتابٌ مَعلَمٌ ذات أهميّة بالغة لحقبة زمنيّة مهمّة في تاريخ الأمّة العربيّة الممتدّة بين عام 1906-1916/ عشيّة  الثورة العربية الكبرى.

أوجين يونغ هو ابن نائب ودبلوماسي فرنسي، ولد في مدينة بوردو عام 1885، التحق بالجيش الفرنسي في الهند الصينية، ثمّ شغل منصب مستشار لدى البعثة الفرنسية لعدّة أعوام ما لبث أن استقال ليعود إلى باريس.

متفرّغ  مستقل مادياً بفضل مدخول أراضٍ زراعية له في الهند الصينية ما جعله غير مقيّد باقتصاد فرنسي معيّن، وحرّ من الضغوط السياسية والفكرية .

لفتت نظره المنطقة العربيّة المجهولة، فراح ينشر مقالاته في صحف فرنسية حول إشكالية الوضع العربي تحت السيطرة العثمانية، بهدف حثّ السلطات على أهميّة القوميّة العربية المنادية بحق الشعب العربي أن يكون حراً مستقلا.

في  باريس التقى السيّدأوجين يونغ  بنجيب بك عازوري رئيس الحزب العربي، ونزولا عند طلب الأخير تعاونا بالعمل في ميدان اليقظة  العربية.

فكانا عينا شرقيّة ويدا غربية في خدمة القضية العربيّة.

تميّز أوجن يونغ في هذا الكتاب بنقد السياسة الفرنسية دون أي مساومة وبعنف الناشط القومي العربي،  فهو يعرض الوقائع، يفصّلُ الأحداث المختلفة، يتوقّف عند المواقف والقرارات الصادرة عن الحلفاء الأوروبيين وخاصة عن فرنسا، يحللّ الصراع  بدقّة وحِرَفية كبيرة، يطرح الحلول، يضع الفرضيّة وإمكانيات نتائجها لو حصلت، يعرض الاسباب التي أدّت الى قرارات أطاحت بآمال الشعب العربي  الكبيرة، ليخلصَ الى الاستنتاج الذي غالبا ما أتى خائبا للظنّ، موجها إصبع اللوم الى بلده أولا، فرنسا.

اليكم بعض العبارات الجريئة التي  تشهد على طرحه للأمور بمصداقية ثاقبة وحريّة تعبير مطلق تميّز بهما هذا المناضل الفرنسي :

–        “في ما يتعلّق بالمسألة الشرقية، سرنا بحسب رغبات القوى المخيفة والسيّئة المسمّاة ”التمويل الدولي، والأعمال التجارية والطموحات الشخصية”.

–        ” لا يمكن إلا أن نفاجَأ بعض الشيء عندما نعلم مثلًا، أنّه لو لم تُطلَق بعض المواقف في العام 1912، لما كان اندلع الصراع العالمي، وأنّه لو أصغينا إلى بعض الوطنيين العرب سنة 1914، لكان جزءا كبيرا من الفرق العربية في الجيش التركي إلى جانبنا.”

أما الخطأ المرتكب كما جاء في هذا الكتاب فيما يتعلّق بفرنسا فكان تغاضي وتقصير هذه الأخيرة عن القيام بواجبها كحامية أولا لشعوب هذه البقعة من الأرض، سوريا لبنان فلسطين، المحسوبة عليها والمخلصة لها، خاصة المسيحين منهم.

لم تكترث فرنسا بالصرخة القومية العربيّة التي أطلقها نجيب عازوري الفرنسي النزعة حتى الصميم، ولا بكافة المراسلات والمقالات التي قام بها المناضل الفرنسي في أجل قضيّة العرب أوجن يونغ، الذي يكتب:

–       الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت، كانت تميل إلى عدم أخذ الحركة العربية على محمل الجّد،لا بل إلى إطلاق مواقف ساخرة في شأنها. فيما ألمانيا وإنكلترا، المطّلعتان، أولًا بأول وبدقّة على ما يجري، عن طريق بعثاتهما الدبلوماسية والقنصلية ومراقبين نبهاء ونجباء، تتابعان باهتمامٍ يقظة الشعب العربي.”

أمّا هو فقد سار بنزاهة ومصداقية فيما رآه أساسيا لقناعاته الشخصية، هذه القضية العربية التي أتت الصدفة لتوثّقها برابط كما يسميه أخوياً، بنجيب عازوري،

نجيب بك عازوري لبناني ماروني  مولود عام 1873من قرية عازور جنوب لبنان،

تلقى علومه الإبتدائية والثانويّة في مدرسة الفرير في بيروت ثمّ تابع تحصيله العلمي العالي في باريس حيث استنار خلال هذه المرحلة وتشبّع بروح التحرّر القومي والعدالة والتشبثّ بالحريّة،

كان المساعد السابق لحاكم القدس 1898-1904، وهي مرحلة المعاناة التي عايش ولمس فيها الاستبداد والظلم العثماني على العربن كما رأى خطورة المشروع الصهيوني  واعتُبِرَ من الأوائل الذين نبّهوا  بقوّة الى المخاطر المتوقعة من صعود الحركة الصهيونيّة، لا سيما وأن القدس كانت وما زالت محطّ الأنظار، وساحة الصراع، وملتقى الأضداد، في هذا الموضوع كتب عازوري ( الخطر اليهودي العالمي) إلاّ أن هذا الكتاب ضاع واندثر، ولم يُعثَر عليه.

كان الأوّل من روّاد القومية العربية،  من دعا الى تأسيس حزب قومي عربي سنة 1904اطلق عليه اسم ” جامعة الوطن العربي” ويكون بذلك أوّل من وحّد بين المعرفة والتحزّب،  دعا الأمّة العربيّة الى النهوض/ وكلمة (نهوض) هي احدى الكلمات الى جانب  كلمتي (اليقظة) و(النهضة)، العزيزة على قلبه،  كَونها تعني الثقافة،  تماما كما أراد العازوري أبناء الأمّة العربية، فالبمثقّفين تنهضُ الأمّة على ضَوء الوعي القومي، أما اليقظة، كتب عنها انطلاقا من حق الإنسان في وجود إنساني، كما هو حق العرب بالكرامة كحقّ سائر الشعوب،

وفي سنة 1904 حكم عليه السلطان عبد الحميد بالإعدام، اعتزل منصبه وغادر فلسطين إلى فرنسا حيث أصدر في باريس كتابه المشهور يقظة الأمّة العربية” سنة 1905 المتزامن مع كتاب أوجن يونغ ” القوى العظمى إزاء الثورة العربيّة الكبرى”.

كما أصدر مجلّة ” الاستقلال العربي” في باريس ما بين 1907- 1908.

له مقالات عدّة سعت الى نشر الوعي القومي، كما اشترك العازوري بتنظيم مؤتمرات عربية منها ” المؤتمر العربي الأوّل ” سنة 1905 والمؤتمر السوري العربي سنة 1913.

نظرته العروبية وتوقه الى خلق مذهب قومي عربي بتعريب المذهب الكاثوليكي وتأسيس بطريركية خاصة لهذه الكنيسة تنطلق من إيمانه باللغة العربيّة، بِقِيَمِ حضارتها الإنسانية وبأصالتها.

طرح عازوري فكرة فصل العرب عن الدولة العثمانيّة ليكونوا دولة مستقلة بذاتها تمتد حدودها من وادي دجلة والفرات إلى السويس، ومن البحر المتوسط إلى بحر عُمان على أن تكون دولة حرة دستورية على رأسها سلطان عربي .

حين استدرك صعوبة الانفصال عن الدولة التركية عمد الى اللامركزية واعتمد فكرة إقامة وحدات صغيرة، كوحدة الهلال الخصيب.

سنة 1907 أصدر باللغة الفرنسية مجلة ” الاستقلال العربي ” الشهرية وقد توقّفت هذه المجلّة مع سقوط السلطان عبدالحميد الثاني وإعلان تركيا الفتاة، الدستور العثماني في تموز 1908 .

وما نشاطه وتضحيته في السعي واغتنام الفرص والتقرّب من الأقطاب الأوروبيّة كما قدّمه يونغ في هذا الكتاب، إلاّ إيمانا بالقومية العربية  المُنْطلِق من فكرةِ القوميّات التي كانت سائدة في ذلك العصر، فقد اعتبر أنّ العروبة هي الإطار الذي يجمع  بين المسيحيين والمسلمين.

فقد اعتبُرَ نجيب عازوري من الروّاد القوميين الأوائل الذين حاولوا فصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية، حيث يكون كل مذهبٍ وفردٍ حرّاً بممارسة حقه الديني بمعزلٍ عن قضايا الوطن،مما أثار الجدل والنقد حول فكرته إذْ فسّرها البعض وكأنّه يدعو الى كيان عربي مزدوج الهويّة: دولة دينيّة في الحجاز ودولة مدنيّة في الشام والعراق/

تماما كما أُخِذَ عليه تحيّزه لمسيحيّته أو لكاثوليكيّته العربية تجاه المذاهب الأخرى أمام روسيا المُمْعِنَة في نَشْرِ الأرثوذكسيّة في بقاع الأرض/

وإنّ سلَّمنا لهذا الانتقاد الأخير، أين يكمنُ الخطأ والمسيحيين هم جزءا من هذه الأمّة العربية ؟ وأول من نادوا  بالقومية العربية هم مسيحيين أعني بطرس البستاني وناصيف اليازجي عندما أسّسا ” جمعية الآداب والعلوم ” في بيروت عام 1842.

تعدّد نشاط نجيب بك عازوري النضالي بمؤازرة يونغ وما قبل، وقام الحزب العربي بنشاط كبير في الخارج لكن الحكومات الاوروبية ذات المصالح مع الاتراك لم تشأ مساعدة العرب، ممّا جعل العازوري يلعب دورا كبيرا  كداعية وحلقة اتصال بينهم وبينالأوساط الأوروبية،

فقد تمّ تكليفه يومها من القبائل العربيّة بتسليح المتطوّعين/ الأمر الذي لم يكن بالسّهل، نظرا للتحضيرات الدقيقة واختيار نوع الأسلحة ومواكبتها  ونقلها الى مصر ..

يذكر يونغ في كتابه ” …”  أنه في 18 شباط/فبراير، زار نجيب عازوري في القاهرة،  القائم بأعمال إيطاليا الكونت غريمالديمطالبا بمئة ألف بندقية “فيتيرلي” مع مئتي طلقة لكلّ منها، بالإضافة إلى تأمين وسائل نقلها.

يقول نجيب عازوري بملاحظته بعد الزيارة :””لم أفهم من المحادثة وأسئلته، سوى أن إيطاليا والثلاثي يخشيان أن يؤدّي تحرّكنا إلى تدخّلٍ إنكليزي أو فرنسي، أو فرنسي-إنكليزي، في سوريا.”

“باعتقادي أن إيطاليا لن تسير معنا إلاّ بعد فشل مساعي القوى الكبرى لصالح السلام”.

اختصرتُ ههنا العرض المفصّل لمبادرة العازوري بطلب الأسلحة من السفير الإيطالي التي بائت بالفشل والرفض، وقد نقلها يونغ بدقّة تجعل القارئ يعيش حدثا فعليا لكثافة التفاصيل ومصداقية التوثيق.

طال نضال العاوزري وأوجن يونغ منابر الصحافة، كتبا قضيّتهما  في كلّ صحيفة فتحت لهما المجال عن التعبير وعن إيصال الرسائل الضرورية الى السلطات المعنيّة من أجل الحثّ على التحرّك ودعم الحركة التحررية، فمن “الفيغارو” و”الليبرتيه” و”الإيكو دو باري” الصحف الفرنسية   الى ” مصر ” الجريدة اليوميّة في القاهرة التي تولّى إدارتها العازوري  وكان يونغ مندوبها في فرنسا. علا صوتهما  بشكل مستمرّ مُفحما من عُقدة المسألة العربية والسياسة الخارجية شرقا.

لم يقتصر النداء وطلب المساعدة من قِبَلِهِما على الصحافة فحسب، بل تعدّاها الى الرسائل والمذكّرات الموجّهة الى رؤساء المجالس الفرنسية ووزارة الخارجية والقناصل والقائمين بالأعمال،  بهدف تكثيف الاتصال طلبا للدعم من فرنسا/ لكن غالبا ما كان الجواب ” أصبروا… لا تحدثوا ضجيجا،  أو أن يأتي الرد على طلب بسيط بالرفض الكلي، وذلك أن الحكومة الفرنسية لم تتجرّأ على الحراك بسبب  تهميشها من قبل انكلترا والمانيا.

يذكر يونغ حين وقعت الواقعة ورفضت فرنسا تقديم العون ما يلي :  ” بعدها أبلغتُ أصدقائي أن لا يعتمدوا على الفرنسيين، وقد يشعرون بالحزن الشديد هم أيضا، وللفرار من الأتراك قد يذهبوا إلى مكان آخر، ولا يمكننا إلقاء اللوم عليهم. ”

طبعاً إنّ المكان  الآخر لم يكن سوى إنجلترا !!

في الرابع عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر يقول يونغ أرسل لنا نجيب عازوري معلومات خطيرة جدًا أودعناها الـ “كيه دورسيه”: الجميع تقريبًا في سوريا، حتى الموارنة، يناصرون اليوم إنكلترا. لقد تراجع تأييد فرنسا إلى الدرجة الثانية. ولم يعد يناصرها سوى الإكليروس الكاثوليكي الشرقي الذين لم يعد له تأثير كبير في البلاد.”

ثمّ يضيف محللاّ الوضع كما عهدناه في كتابه :

إذا أخذت إنكلترا بالمشروع الذي نعرضه عليها، المتعلّق بضم سوريا إلى مصر أو احتلال سوريا وإعلانها دولة مستقلة، فمن المرجّح أن يهلّل كلّ الشعب السوري لها بلا تمييز.

وإذا أرادت فرنسا أن يكون لها تأثير ما هناك، عليها الإسراع، وإلا ستتأخر جدًا. هذا ما يجب أن يفهمه أصدقاؤك.”

إنجلترا لعبت دورها بدهاء وصمت كما يذكر يونغ كانت بفعل سياستها وذكاء عملائها وإمكانياتها العديدة تستفيد من ضعف فرنسا وتغاضيها عن عدم إرادتها إعطاء الدول العربية حكما ذاتياً،  راحت تمتدّ بسيطرتها لتضمّ سوريا وفلسطين الى مصر،

فقد إختارت حصّتها نحو الجنوب ثمّ، انزعاجها من الامتداد الألماني عبر القارات دفعها الى التفكير بتوحيد مصر مع الخليج العربي، عبر خط شبه مستقيم، وفَرْض سيادتها على كامل شبه الجزيرة أكثر من أن تدعم الحركة التحررية العربيّة .

إذا ما كانت الاّ لتحمي مصالحها الاقتصادية  في بادئ الأمر في  طريق الهند، ومن ثمّ بالتمدد والاستيلاء على الموارد الطبيعية في تلك المنطقة، في وقت كانت فرنسا تتبع السياسة المخيبة في الشرق.

في سياق الأحداث المتراكمة عبر الصفحات لم يكن حال ألمانيا تجاه العرب بأفضل من موقف إيطاليا وفرنسا،

يعرض يونغ ما جاء في صحيفة ألمانية على لسان مارتن هارتمن، حول الحركة العربية، في سياق حديثه عن سكة بغداد الحجاز،  ما يلي:

” أنّ تركيا لن تستفيد من هذا الإنجاز كما أنه  ليس لدى ألمانيا  ما يحملها على انتظار الكثير من الحركة العربية التي لم تعطِ بعد نتائج ملموسة، إذ أن الأجهزة المتعددة المتعلّقة بها، وبخاصة “الاستقلال العربي” التي تصدر في باريس، لا يمكن اعتبارها جديّة بما فيه الكفاية. غير أن البذور قد رميت، وفكرة استقلال العرب حكمَ أنفسهم بأنفسِهم آخذة بالانتشار على نحو متزايد. ”

المانيا بدورها،  كان يهمّها المحافظة على مجال تحرّكها المميّز في آسيا الصغرى فهي في ظلّ تركيا الفتاة كانت السيّدة الحقيقية، المُسْتَعْمِرَة الغير معلنة، اكتفت بإلْتِهام الأمبراطورية العثمانية من الداخل غيرُ آبهة بالشعوب المظلومة.

عبر الصفحات وتعاليق يونغ الشخصيّة على سير الأحداث تكثرُ الملاحظة  وعبارات الأسى والحسرة في استنتاجاته  حول تقصير الدول المتحالفة في تركيا الشرقية،وخاصة المواقف الفرنسية إزاء هذه الحركة الاستقلالية  وتخاذلها وترددها وتغاضيها عن أية مساعدة فعليّة،

ففرنسا كانت في موقف جدا حرج، وقد يصح القول انها كانت مهمّشة امام تقدّم انجلترا  المتسارع في السيطرة على هذه المنطقة من تركيا الأسيوية،

نعم  ترددت وخشيت وحذرت تسليح أو تمويل هذا النداء القومي العربي الذي بدا وكأنّه  تفصيلا صغيرا أمام الكمّ الهائل من الأحداث المتسارعة في المنطقة،

كما بدا نجيب  عازوري وكأنه معزولا بعض الشيء عن باقي المستجدّات والمواقف والمعاهدات والاتفاقيات التي كانت تسير على قدم وساق بين  أطراف العرب الأخرى وبريطانيا في الوقت نفسه، صوته لم يكن سوى صرخة منفردة، تجهد سَعْياً للوصول إلى مبتغى تحرري محض، انطلاقا من شعور قومي كان سائدا آنذاك، وكان  يتخّذ ألوانا شتى تختلف باختلاف المفهوم  القومي، تحت راية عربية، وما كلمة عربيّة الا لتعبّر بما فيه الكفاية عن معنى القومية العربية.

فهذه الاخيرة تجاذبتها الايدولوجيات، منها من رآها وارادها علمانية، منها من رآها لغوية ودينية  وجغرافية،  لتصبح فيما بعد خياليّة مشتّتة،  امام ضعف أهلها ويد المستعمر الحديدية، العثمانية فيما مضى ومن ثمّ الاوروبية وغيرها…..فيما  بعد.

اخيرا، لا يسعني إلاّ أن أسطّر أهميّة هذا الكتاب المَعلَم، الذي صعِب عليّ أن أضعه في خانة معيّنة لتصنيفه، ليس فقط تاريخيا ولا جغرافيا/ ولا سياسيا/ ولا دبلوماسيا/ ليس فقط مدوّنة يوميّة لمناضل فرنسي يكتب بأسلوب مألوف في الصحف العاديّة، أو مؤرّخ يسرد ويعرض تسلسلا زمنياً رتيبا تنام على كتفه الأحداث، إنّه كلّ هذه الصفات والتسميات في آنٍ وأكثر، هو تحفة ثَريّة ثمينة، عثر عليها مُنَقِّبٌ استثنائي السيّد أنطوان سعد، المشغوف بالكتب النادرة والصعبة من حقبات تاريخيّة  طواها النسيان، والتي قرّرت مصائر شعوب بحالها، همّه الأوحد إثراء المكتبة العربيّة الحديثة بدُرَرٍ تفتقدُها، علّ هذه الأخيرة تنهض وتثور ثقافةً معرفة ووعيا، فتنبعث الأمّة .

هذا الكتاب يحتوي على احداث مهمّة جدا،  وزخمة جدا، في حقبة تاريخية صغيرة جدا، لكن السؤال:

ترى هل ما نقرأه فيه يكون وحده، ولا شيء سواه،  ادّى إلى الثورة العربية الكبرى وما شاب تلك المراحل من تشويه للوجدان العربي؟ أيننا اليوم بعد مرور مئة عام ونيّف مِن رؤية رجلٍ قومي عربي مناضلٍ كبير، نجيب بك عازوري،  من يقظة الأمّة العربيّة؟

*****

(*) ألقيت في  ندوة حول كتاب “الطريق الى الثورة العربيّة الكبرى” لأوجين يونغ، مترجم وصادر عن دار سائر المشرق، ضمن المهرجان اللبناني للكتاب في 18 مارس 2017.

اترك رد