إقبال لبناني كبير على الموسيقى الكلاسيكية… ما سرّ هذه الظاهرة؟

الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية في إحدى حفلاتها

تأخذ حفلات الموسيقى الكلاسيكية حيزاً واسعاً من اهتمام اللبنانيين في السنوات الأخيرة، ولا يقتصر هذا الأمر على كبار السن بل يشمل الشباب أيضاً، ويبدو ذلك جلياً من خلال الإقبال الكثيف على حفلات الموسيقى الكلاسيكية، وهذه ظاهرة مهمة تنم عن تأسيس جيل من الشباب يتذوّق الموسيقى الأصيلة ويرفض ما يقدم على الشاشات من ألحان تشوه الذوق وتلوث السمع. كيف نمت هذه الظاهرة ومن وراءها؟

انخرطت الموسيقى الكلاسيكية شيئاً فشيئاً في حياة اللبنانيين في تسعينيات القرن الماضي مع تأسيس الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية التي قربت الجمهور، بفضل حفلاتها الدورية، من مقطوعات كبار الموسيقيين الكلاسيكيين العالميين، وشيئاً فشيئاً اتسعت دائرة هذا الجمهور وباتت الحفلات اليوم تشهد حشوداً من متذوقي الموسيقى من الأعمار كافة.

في موازاة الأوركسترا الفيلهارمونية تأسست الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق- عربية، التي يعود الفضل إليها في الحفاظ على روائع الفنانين اللبنانيين الكبار وحمايتها من النسيان عبر تقديم حفلات باستمرار تحيي خلالها موسيقى هؤلاء.

أيضاً تعمد الجامعات في لبنان إلى إدراج، ضمن برنامج نشاطاتها الثقافية، حفلات موسيقى كلاسيكية تستضيف فيها موسيقيين من لبنان ومن الخارج.

الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية

أسست الأوركسترا الفيلهارمونية في لبنان عام 1998 على يد الدكتور وليد غلمية، رئيس الكونسرفتوار الوطني اللبناني، واكتملت هيكليتها عام 1999، وبدأت حفلاتها في يناير 2000، وواظب على رعايتها وتطويرها حتى وفاته في 7 يونيو 2011، فعين

د.وليد مسلم رئيساً للكونسرفتوار الوطني خلفاً له، وأخذ على عاتقه إكمال ما بدأه غلمية.

كيف احتلت الأوركسترا الفيلهارمونية هذه المكانة لدى اللبنانيين؟ منذ تأسيسها عمد د. وليد غلمية إلى تقديم حفلات دورية للأوركسترا مفتوحة للجمهور من دون مقابل مادي، فبدأت بجمهور محدود اقتصر على المثقفين، ومن ثم راح يتسع شيئاً فشيئاً حتى بات في السنوات الأخيرة يضم شرائح المجتمع كافة، وبات الجميع يترقب مواعيد حفلات الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية ويتابعها، وينقلها بعض الشاشات. هكذا حقق د. وليد غلمية حلمه بأن يكون للبنان أوركسترا فيلهارمونية، وبأن يكون للبنان شعب حضاري متذوق للموسيقى الكلاسيكية.

منذ تأسيسها لم تغب الأوركسترا الفيلهارمونية عن تقديم الحفلات، إلا شهراً واحداً في كل سنة وهو أغسطس. وتطورت لدرجة أنها أصبحت تضاهي الأوركسترات العالمية، وتستضيف كبار قادة الأوركسترا في العالم.

لا تقتصر حفلات الأوركسترا الفيلهارمونية على بيروت، إنما توزعت على المدن وشاركت في المهرجانات الدولية منها مهرجانات بعلبك وبيبلوس وبيت الدين والبستان، وزوق مكايل… وشجعت على تأسيس فرق أوركسترا مصغرة في مناطق كثيرة من لبنان.

يضمّ برنامج حفلات الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية مقطوعات لكبار الموسيقيين العالميين فضلاً عن مقطوعات لمؤلفين لبنانيين شباب من أمثال المؤلف الموسيقي اللبناني بشارة عبدالله الخوري حفيد الشاعر بشارة الخوري (أمير الشعراء العرب)، والدكتورة رولا بعقليني التي عزفت لها الأوركسترا الفيلهارمونية أخيراً مقطوعة Overture from Lebanon بقيادة قائد الأوركسترا الإسباني جوردي مورا، وكبار العازفين اللبنانيين الشباب الذين يتمتعون بسمعة عالمية من أمثال غي مانوكيان، وعبدالرحمن الباشا وغيرهم…

يعتبر المؤلف الموسيقي هاروت فازليان القائد الرئيس للأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية، لبنان بعلبكي قائد دائم، الإسباني جوردي مورا قائد الأوركسترا الضيف باستمرار. كذلك من أبرز الموسيقيين الذين يقودون الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية وليد مسلم، وفؤاد فاخوري، وميشال خير الله، غارو أفيسيان، وتوفيق معتوق، فضلاً عن أسماء عالمية لامعة في هذا المجال.

أما الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، فتأسست بمبادرة من رئيس الكونسرفتوار الوطني اللبناني وليد غلمية عام 2000، وأقامت حفلتها الأولى في 28 يوليو في قصر اليونسكو في بيروت.

لغاية وفاته كان الدكتور وليد غلمية القائد الأول للأوركسترا والمؤلف الموسيقي أنطوان فرح (أستاذ النظريات الشرقية والسولفيج) مساعداً له. بعد وفاته تسلم الأخير قيادتها.

بعد تقديمها سلسلة حفلات في لبنان، قدمت الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق – عربية حفلات خارج لبنان وفي معظم الدول العربية من بينها أبو ظبي. على غرار الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية، تقرب الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق- عربية الموسيقى الأصيلة إلى الجمهور لا سيما الشباب، وتستضيف فنانين شباباً لتقديم روائع الكبار الذين أثروا المكتبة الموسيقية العربية بأعمالهم الخالدة… تضم الأوركسترا 50 عازفاً.

هكذا، مع الوقت والسنوات، تربى جيل جديد على تهذيب سمعه بموسيقى جميلة، وتطوير ثقافته الموسيقية، وانتبهت الأجيال الأكبر سناً إلى أهمية الحفاظ على هذا الإرث الموسيقى الضخم الذي يشكل الواجهة الحضارية للشرق أمام العالم.

مهرجان البستان

لا يمكن الحديث عن الموسيقى الكلاسيكية في لبنان من دون ذكر أضخم مهرجان شتوي يقام في ربوعه بين فبراير ومارس من كل عام وهو «مهرجان البستان» الذي تخصص في تقديم حفلات موسيقى كلاسيكية ابتداء من القرون الوسطى لغاية اليوم.

منذ تأسيسه عام 1994 تتنوّع حفلات مهرجان البستان بين موسيقى الحجرة، والأوركسترا، والجوقات والرقص والدمى. وفي كل سنة يتمحور المهرجان حول موضوع محدد، كأن يلقي الأضواء على ثقافة معينة أو حضارة، أو الاحتفال بذكرى ولادة أو وفاة كبار الموسيقيين الكلاسيكيين، وقد استقبل المهرجان فرق الأوركسترا العالمية من بينها أوركسترا وارسو، موسكو، بولندا، فيينا، مونبلييه.

مواعيد

في برنامج الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية لشهر فبراير حفلات ثلاث: 3 فبراير بقيادة لبنان بعلبكي، 17 فبراير بقيادة خيرالله، 24 فبراير بقيادة هاروت فازليان.

أما الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى شرق- عربية، فقدمت حفلة في 2 فبراير بقيادة عبدالله المصري وغناء جاهدة وهبي، وفي 3 فبراير تستضبف  لأول مرة، المطربة المغربية كريمة صقلي، في أمسية غنائية من الطرب الأصيل بقيادة المايسترو اندريه الحاج على مسرح قصر الأونيسكو.

*****

(*) جريدة الجريدة 

2 comments

  1. يقول Rami:

    اوليس للجوقات اللبنانية ذات الربرتوار الكلاسيكي ايضاً فضل في ابراز وترويج هذه الموسيقى؟ اقصد هنا جوقة جامعة سيّدة اللويزة و جوقة جامعة الأنطونية على سبيل المثال لا الحصر.

    • يقول claudeabouchacra:

      صح رامي معك حق وقد ذكرت في بداية المقال أن الجامعات اللبنانية أدرجت في نشاطاتها الثقافية الموسيقى الكلاسيكية

اترك رد