مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(أديب وروائي وشاعر وقاص وناقد- لبنان)
سَأَلتُكَ، رَبِّي، وَالفُؤَادُ يُنَادِي، أَنَا العَاثِرُ المُضنَى، وَشَطَّ مُرَادِي،
أَبَعدَ سُرَانَا هَل سَتُروَى غُلَّةٌ، وَتُكشَحُ أَوهَامٌ نَمَت بِفُؤَادِ؟
وَتَبرَأُ رُوحٌ مِن شُجُونٍ تَقُضُّهَا، وَقَد وَهَنَت مِن سُؤْلِهَا المُتَمَادِي؟
إِلَهِي! بَلَانِي الدَّهرُ بِالعَقلِ بَاحِثًا عَنِ العِلَّةِ الأُولَى، وَعَن مِيعَادِ
عَنِ الغَيبِ غَابَت فِيهِ كُلُّ أَمَارَةٍ، وَخَيَّمَ شَكٌّ مُفعَمٌ بِسَوَادِ
وَبَاتَ الَّذِي خَلفَ السُّدُولِ مُؤَرِّقًا، فَلَم يَشْفِ هَمَّ الرُّوحِ مَا هُوَ بَادِي
فَخِلتُ، مِنَ الخَيبَاتِ، أَنِّي كَمَن أَتَى يُفَتِّشُ عَن نَارٍ بِكَوم رَمَادِ،
وَمِثلِ شَقِيٍّ رَاحَ يَنشِدُ، لاهِثًا، أَزَاهِيرَ رَوضٍ فِي رِمَالِ بَوَادِي
أُفَكِّرُ، مِلحَاحًا، بِدُنيَا عَصِيَّةٍ، وَأَسأَلُ عَن حَيٍّ، بِهَا، وَجَمَادِ
إِلَى أَينَ نَمضِي فِي المَسِيرِ كَأَنَّنَا دُمًى أَسلَسَت لِلدَّهرِ كُلَّ قِيَادِ؟
أَنَدفَعُ عَن وِزْرٍ أَتَينَا وَرُبَّمَا، يَكُونُ، وَمَا شِئْنَا، سَدَى الأَجسَادِ؟
أَكَانَ مِنَ الآزَالِ، كَونٌ يَلُفُّنَا، وَنَمضِي، وَيَبقَى شَاهِدَ الآبَادِ؟
أَم انَّ الدُّنَى كَانَت مِنَ البَدءِ “كِلمَةً”، نَطَقتَ بِهَا، يَا رَبُّ، فِعلَ رَشَادِ،
فَغَصَّت بِمَا أَبدَعتَ مِن كُلِّ فِتنَةٍ، وَزَانَ حِمَاهَا فِطنَةٌ بِعِبَادِ؟
هَوَايَ، الَّذِي فِي القَلبِ يَنبِضُ، أَنَّنِي صَنِيعُكَ، يَا رَبِّي، وَأَنتَ الحَادِي
وَلَكِنَّ عَقلِي قَد أَغَذَّ مَسِيرَهُ إِلَى مَعمِيَاتٍ، فِي السُّؤَالِ، تُنَادِي
وَكَم مَرَّةٍ أَحسَستُ أَنَّكَ دَاخِلِي فَصِرتُ إِلَى المِحرَابِ كَالزُّهَّادِ
وَبَاتَ شُعَاعٌ مِن ضِيَائِكَ مُلهِمِي، وَبِتَّ هَوَى رُوحِي، وَخِيرَةَ زَادِي
إِلَى أَن أَتَى ذَاكَ المُوَسوِسُ نَاثِرًا شُكُوكًا دَهَت صَفوِي، وَطِيبَ رُقَادِي
فَبِتُّ كَشِلوٍ بَينَ قَلبٍ مُغَرِّدٍ، بِبَدعِكَ، وَالعَقلِ الجَمُوحِ العَادِي*!
أَنَا شَادَ زَهوِي، فِي خَيَالِي، مَمَالِكًا وَبَاهَيتُ، فِي شِعرِي، ذُرَى الإِنشَادِ
حَسِبتُ الوَرَى يَرنُو لِعِزِّي وَرِفعَتي، وَأَنَّ لِوَائِي رَافِلٌ بِنَوَادِي
وَأَسكَرَنِي ضَلِّي فَخِلتُ بِأَنَّنِي لِصَرحِ القَوَافِي بِتُّ خَيرَ عِمَادِ،
وَأَنِّي سَأَبقَى شَادِيًا فَوقَ دَوحَتِي، فَيَرقُصُ، مِن شَدوِي، رِوَى الأَعوَادِ
فَصِرتُ كَمَن كَلَّت مَدَارِكُهُ فَمَا تَبَصَّرَ، بَعدَ العُمرِ، وَقعَ مَعَادِ
إِلَى أَن دَنَا ما لا يَرِقُّ لِبَائِسٍ، وَيَقضُمُ أَيَّامَ المَلا بِعِنَادِ
وَهَا إِنَّنِي، بَعدَ المَسِيرِ، وَجَدتُنِي، وَقَد حَالَ دَهرِي، وَاضمَحَلَّ جِهَادِي،
أَعُودُ إِلَى الوِجدَانِ، حَيثُ سَرِيرَتِي، وَحَيثُ نِدَاءُ الرُّوحِ فِي الأَكبَادِ،
فَزَغرَدَ مَا بَينَ الجَوَانِحِ خَاطِرٌ، يُضِيءُ ظَلامِي، يَستَبِيحُ سُهَادِي،
وَأَيقَنتُ أَن لا بَدْعَ يَأتِي بِصِدفَةٍ، فَكَيفَ بِكَونٍ بَالِغِ الأَبعَادِ!
فَهَل مِن حَصَادٍ كَانَ لَو غَابَ مِنجَلٌ سَنِينٌ يُلَبِّي مُنيَةَ الحَصَّادِ؟
وَهَل يَستَوِي فِي العُودِ لَحنٌ وَلَم تَكُنْ بِأَوتَارِهِ الكَسْلَى مُنَى العَوَّادِ؟
إِلَهِي خَبَرتُ الحُلوَ وَالمُرَّ لَم أَجِدْ مِنَ الوِرْدِ مَا يُروِي غَلِيلَ الصَّادِي
فَعُدتُ وَبِي شَوقٌ لِعَطفِكَ فَاحتَضِنْ بِدِفئِكَ بَردِي، وَانتَزِعْ أَبرَادِي
إِلَهِي! أَنَا الوَاهِي، حَنَانَكَ إِن عَلَى دُرُوبِي طَغَا غَيِّي، وَعَيَّ سَدَادِي!
****
(*) العَادِي: المُعتَدِي