مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(أديب وشاعر وروائي وقاص وناقد- لبنان)
خَطَرَت خَرِيرًا فِي الجَدَاوِل، وَشَذَى أَزَاهِرَ فِي الخَمَائِلْ،
وَتَلَألَأَت بِجَبِينِهَا الحِنطِيِّ هَالاتُ السَّنَابِلْ
وَبِهَمسِهَا السِّحرِيِّ خِلْتُ حَفِيفَ أَجنِحَةِ البَلابِلْ،
وَرَنِيمَهَا الصَّافِي، وَشَدْوَ مَنَاقِرٍ، وَشَجَا مُغَازِلْ،
وَصَفِيرَ أَنسَامٍ بِفَيْحِ البِيْدِ يَحمِلُ بَوْحَ رَاحِلْ…
فَشُغِلتُ، مَصْعُوقًا بِآيَاتِ الهَوَى، عَن كُلِّ شَاغِلْ
مَا هَمَّنِي وَقْرُ السِّنِين، وَلا تَجَافَتنِي الشَّمَائِلْ
حَاوَلتُ عَوْدًا لِلمَنَاعِمِ فِي رَخِيَّاتٍ أَوَائِلْ
حَاوَلتُ، وَالقَلبُ الوَجِيعُ يَتُوقُ، لا يَثنِيهِ حَائِلْ
الله… يَا أُعجُوبَةَ العِشرِينِ، يَا وَجَعَ المُحَاوِلْ!
أَلهَبتِنِي، وَلَوَى القَوَامَ دَلالُهُ، وَالحُسنُ كَامِلْ،
مَا بَينَ هَسْهَسَةِ الشِّفَاهِ، وَغُنْجِ وَسْوَسَةِ الخَلاخِلْ،
زَانَ الرُّوَاءُ إِهَابَكِ النَّارِيَّ، وَارتَقَصَت مَفَاصِلْ
وَزَهَا الَّليَاُن عَلَى النُّضَارِ غَفَا بِنَحْرٍ غَيرِ عَاطِلْ
شُغِلَ الجَنَانُ، وَمَا ارعَوَى… يَا طِيبَهَا تِلكَ المَشَاغِلْ،
كَم فِي الفُؤَادِ مِنَ المُنَى، كَم خَاطِرٍ فِي البَالِ سَائِلْ
كَم قَالَ فِيكِ هَوَايَ مِن غُرَرٍ فَلَجَّ عَلَيَّ عَاذِلْ،
يَرمِي، بِسَهمِ مَلامِهِ، مَا لا يُقِرُّ وَقَارُ عَاقِلْ،
فَتَمَلمَلَت مِنِّي الحُرُوفُ، وَعَادَ لِلكَأْبَاءِ قَائِلْ،
وَخَبَت، بِفَيضِ بَهَائِكِ المُنهَلِّ، أَلحَاظٌ ذَوَابِلْ،
وَتَسَلسَلَت فِي الحَلقِ حَشرَجَةٌ، وَمَالَ عَلَيَّ مَائِلْ،
هُوَ مِن فُؤَادِي خَوفُهُ، وَمِنَ النُّهَى مَا لا يُسَاهِلْ،
لِيَقُولَ: هَل يَقوَى عَلَى الوَهَجِ المُشِعِّ أُفُولُ آفِلْ؟
فَارجِع، فَغَيُّكَ فِي أَصِيلِ شَبَابِكَ المَكدُودِ قَاتِلْ
الله! يَا وَلَهَ الجَوَارحِ،ِ بِتُّ فِي غَمْرِ المَعَاضِلْ،
لِلحُسنِ يَحمِلُنِي قَوَامٌ بَعدَ جُهدٍ طَالَ نَاحِلْ
أَتُرَاهُ، هَذَا الحُسنُ، فِي غَزَوَاتِهِ لِلقَلبِ، عَادِلْ؟
أَبغِي الجِوَاءَ، تَشُدُّنِي لِلتُّربِ أَعرَافٌ سَلاسِل
أَنَا ظَامِئٌ، وَالعَينُ شَاخِصَةٌ لِرَقرَقَةِ المَنَاهِل
فِي قَامَةٍ، فِيهَا الُّلجَينُ، وَتِبْرُ هَذِي الأَرضِ سَائِلْ!
هَزَّيتِنِي بِسَنَا الجَمَالِ، فَهَل أَهُزُّكِ بِالمُقَابِلْ
بِسَنَا قَوَافٍ أَينَ فِي قَوسِ السَّحَابِ لَهَا مُطَاوِلْ؟
زَلزَلتِ مِنِّي مَا استَكَانَ، وَبَاتَ فِيكِ القَلبُ ذَاهِلْ،
هَلَّا وَسِعتُ، مَعَ الأَصِيلِ، بِأَن أَقُضَّكِ بِالزَّلازِلْ؟
نَرجُو وَنَستَجدِي المَرَاحِلَ لِلإِيَابِ، وَلا مَرَاحِلْ،
وَالدَّهرُ يَهزَأُ مِن غَرَارَتِنَا، وَمِن وَهَنِ الكَوَاهِلْ..
***
يَا دَهرُ قُل هَل مِن رِوًى، وَرَبِيعُنَا المِمرَاعُ زَائِلْ؟
أَم هَل نَشِطُّ إِذَا الهَوَى بِسِهَامِهِ، وَالقَلبُ غَافِلْ،
ضَرَبَ الجَوَارِحَ فِي صَمِيمِ كَلالِهَا فَدَهَى المَقَاتِلْ؟
أَتَمُنُّ، وَالوَاهِي المُتَيَّمُ، حِينَ أَن بَعُدَت قَوَافِلْ،
بِمَسِيرَةِ العُمرِ الشَّجِيِّ، يَعُودُ تُوهِنُهُ المَنَازِلْ
حَيثُ الأَحِبَّةُ فِي اللَّيَانِ، وَحَيثُ أَربُعُهُم أَوَاهِلْ؟
أَنَا مَن ثَبَتُّ عَلَى الفَرِيضَةِ… هَل أُكَفَّرُ بِالنَّوَافِلْ؟
أَم هَل حَرَامٌ أَن تَرَى النَّفسُ الشَّقِيَّةُ مِنكَ نَائِلْ،
وَلَأَنتَ فِي صَمَمٍ عَلَى الوَانِي، وَفِي طَبعِ المُخَاتِلْ؟
***
يَا دَهرُ… لا تَحصُد سَنَابِلَنَا وَوَهجُ الوَجدِ قَابِلْ
خَفِّف فَقَد تَفرِي لِدَانَ السُّوقِ مَرهَفَةُ المَنَاجِلْ
فَلَنَا التَّشَوُّقُ، وَالمُنَى، فِي حُلكَةِ الآتِي، مَشَاعِلْ
وَلَنَا مَعَ الحُسنِ الشَّهِيِّ مَوَاعِدٌ، وَالحَيْنُ عَاجِلْ…
***
هُلِّي بِحُسنِكِ، فَالجَوَارِحُ تَنتَشِي، وَالطَّيفُ وَاصِلْ
وَالنَّسرُ لَو لَزِمَ الثَّرَى، فَلِحَاظُهُ العَالِي تُوَاصِلْ
يَا رَبَّةَ الإِلهَامِ دُونَ رُؤَاكِ مَا جَدوَى الهَيَاكِلْ؟!
فَعَلَى مَجَارِيهَا الهَشِيمُ يَقُومُ إِن جَفَّت جَدَاوِلْ
خَطَرَاتُ شِعرِي، وَالخَيَالُ الشَّفُّ، مِن حُسنٍ نَوَاهِلْ
وَمَنَازِلٌ مَا عَادَ فِيهَا الحُسنُ تَنزِلُهَا النَّوَازِلْ…
***
يَا آمِلًا نَوْرَ الصِّبَا، هَل بَعدَ قَحْطِ العُمرِ طَائِلْ؟
حُبِّيْكَ أَن تَبقَاهُ حَتَّى لَو يُقَالُ جُنُونُ آمِلْ،
فَالعَيشُ شَهقَةُ خَافِقٍ، وَذُهُولُ أَهدَابٍ سَوَائِلْ!