بي بي سي

د. عماد عبدالطيف

(أديب كاتب وباحث ونافد- مصر )

تكاد تقتصر صلتي بالأخبار اليومية على نوافذ محدودة، منها قناة بي بي سي ورلد، وموقعها على الإنترنت. وهي من أكثر المؤسسات الإعلامية حِرفية.

وهذا يعني أن مستوى التلاعب والتضليل متقن إلى حد كبير، وتكاد تكون مشاهدتي لها شكلا من أشكال التدريب اليومي على كشف حيل تلاعب ذكية. لكن التلاعب لم يكن على هذا القدر من الإتقان أثناء تغطية وقائع محاكمة الجندي الإسرائيلي المتهم بقتل مواطن فلسطيني أعزل جريح يوم الأربعاء الماضي؛ فلم تعرض القناة وقائع المحاكمة، بل ركزت على تصوير القاتل أثناء دخوله إلى المحكمة، وهو يمشي حرًا بثقة واعتزاز،

ثم توقفت الكاميرا طويلا أمام الأحضان والعناق الذي تبادله مع أفراد عائلته وأصدقائه داخل المحكمة. أما حادث القتل نفسه (المسجل بالفيديو)، فلم تقدمه القناة، مكتفية بصورة سريعة من بعيد، للشهيد الفلسطيني وهو ملقى على وجهه على الأرض. ولم تُعرض أية صورة للشهيد، أو لأسرته، ولم تُعرض أية مشاهد للحداد عليه. ولم يُقدم رأي أهله، أو أي شخص فلسطيني آخر في التقرير.

وبالطبع فإن صياغة الخبر والصور المصاحبة له كانت ستختلف تمامًا، لو أن القاتل فلسطيني والمقتول إسرائيلي؛ فحينها كنا سنرى أسرة القتيل وهي تقاسي ويلات الفراق، ونسمع كل جميل عن سيرة القتيل من أهله وجيرانه، وزملائه، …إلخ. أما القاتل الفلسطيني، فكنا سنراه – غالبًا – مقيدًا وراء القضبان. ويبدو أنه من الشيق جدًا إنجاز دراسة مقارنة للصور المصاحبة لتقارير الأخبار في بي بي سي وسي إن إن، من منظور التحليل النقدي للخطاب.

 

اترك رد