مشروع ترميم تاريخي يكشف الرخام الشاهد على حدث الموت والقيامة
كلود أبو شقرا
في إطار أعمال الترميم في كنيسة القيامة الواقعة داخل البلدة القديمة في القدس، التي ينفذها خبراء يونانيون في حفظ الآثار في الجامعة التكنولوجية الوطنية في أثينا، بدعم من “ناشيونال جيوغرافيك سوسايتي”، فتح قبر السيد المسيح، للمرة الأولى منذ قرنين تقريباً (1810)، وأزيحت بلاطة الرخام التي تغطيه، وأفاد خبراء لوكالة الصحافة الفرنسية أن أعمال الترميم الجارية ستتيح القيام باختبارات على المعدات الموجودة في المكان. وتتكفل الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الأرمنية ورهبان الفرنسيسكان ب بالمساهمة بتكاليف عملية الترميم إضافة إلى مساهمات من القطاعين العام والخاص، ومن العاهل الأردني الملك حسين، على أن تُنجز قبل عيد الفصح 2017. كان الفريق عمل سابقًا على موقع أكروبوليس في العاصمة اليونانية أثينا وكنيسة آيا صوفيا في اسطنبول.
المستحيل قد يصبح ممكناً
آخر مرة جرت فيها أعمال ترميم القبر كانت عام 1810، على أثر الحريق الذي شبّ في الكنيسة، وأعيد تشييد البناء الصغير الذي يقع فيه القبر بالرخام، وهو الأخير في أعمال البناء التي تعاقبت على كنيسة القيامة منذ القرن الرابع، ويقوم على بنية معدنية تجمع قطع الرخام. إلا أن حجارة الرخام بدأت تتفكك بسبب الأحوال الجوية والتدفق اليومي لآلاف الحجاج والسياح.، لذا سيُفكك البناء الصغير الذي أقيم تحت قبة الكنيسة على أن يعاد بناؤه كما كان. ولن تُستبدل سوى القطع المكسورة أو الضعيفة جداً، وستبقى قطع الرخام بعد تنظيفها، وستُدعّم البنية التي تحمل الرخام.
يتطلب التجديد اتفاقا متبادلا بين مختلف القيمين على كنيسة القيامة، لكن من الصعب تأمينه، فالطوائف الست تحرس بغيرة أجزاء مختلفة في الكنيسة، وغالبا ما تعارض حتى أصغر التغييرات. إلا أن الشرطة الإسرائيلية أغلقت المكان لفترة وجيزة العام الماضي، بعدما اعتبرت هيئة الآثار الاسرائيلية أنه ليس آمناً، ما دفع الطوائف المسيحية الست الى اعطاء الضوء الاخضر لإصلاحات بدأت في حزيران الماضي.
في هذا السياق أوضح عالم الآثار فريدريك هيبرت (من ضمن فريق عمل علماء الآثار) لمجلة “ناشونال جيوغرافيك” التي تشارك في مشروع الترميم: “غطاء القبر الرخامي سُحب إلى الوراء وفوجئنا بكمية المادة التي تملأ الحيز تحته”. اضاف: “التحليل العلمي يستغرق وقتًا طويلا، ولكننا سنتمكن في النهاية من رؤية السطح الحجري الأصلي الذي سُجي عليه المسيح، بحسب التقليد السائد”. وقد استخدم العمال بكرة لنزع لوح الرخام انزلاقاً، على أمل الوصول إلى سطح المدفن، فعثروا على طبقة من الركام، تحتها لوح آخر من الرخام، ويعتقد هيبرت أن اللوح الثاني- وهو رمادي وظهر عليه نقش صغير في شكل صليب- يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر، وهو مشقوق في الوسط، وتحته طبقة بيضاء.
بدورها أشارت انتونيا موروبولو، المشرفة العلمية على الفريق، إلى أن إزاحة البلاطة الرخامية كانت “لحظة حرجة” في ترميم المدفن. وأضافت أن التقنيات المستخدمة لتوثيق هذا
الأثر الفريد ستمكن العالم من دراسة المحصلة التي خرج بها الفريق وكأنها نفسها كانت في قبر المسيح.
من ناحيته، قال ثيوفيلوس الثالث بطريرك كنيسة القدس الأرثوذكسيّة: “نأمل ونصلّي كي تكون هذه رسالة حقيقيّة مفادها أنّ المستحيل قد يصبح ممكناً. نحتاج جميعاً إلى السلام والاحترام المتبادل”.
أغلقت الكنيسة التي يزورها الحجاج والسياح بأعداد ضخمة من سائر أنحاء العالم من أجل عملية إزاحة الغطاء عن القبر مع إنارة المدفن من الداخل بأضواء صناعية قوية بدلًا من الشموع المعهودة.
وثّقت قناة “ناشونال جيوغرافيك” لحظة فتح القبر في كنيسة القبر المقدّس في القدس، كاشفة الصخرة التي من المفترض أن يكون جثمان المسيح قد وُضع عليها بعد موته، والتي تمّت تغطيتها لقرون ببلاطة من الرخام لحمايتها. وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا الحدث التاريخي جذب علماء الآثار والحجّاج والمجموعات الدينيّة.
يذكر أن الصخرة التي وُضع عليها جثمان المسيح غُلّفت بطبقة من الرخام بمقاييس 3 × 5 أقدام، وتُعرف بـ “القبر” منذ 1555. ويشكل الترميم جزءاً من مشروع ترميم تاريخي للحفاظ على الغرفة الداخلية التي تأوي الكهف، حيث دفن السيد المسيح وقام من بين الاموات، وهو محور احد أقدم الكنائس المسيحية، وأحد أهم المزارات لدى المسيحيين.
كنيسة قبر المسيح
يعود بناء كنيسة قبر المسيح (او كنيسة القيامة) في القدس، الى القرن الثاني عشر، وقد شيّد على بقايا آثار ترجع الى القرن الرابع. تعتبر الكنيسة المكان الوحيد الذي تمارس فيه ست طوائف مسيحية شعائرها الدينية. المرة الاخيرة التي رممت فيها الغرفة الداخلية كانت العام 1810 اثر حريق، وهي تحتاج الى تعزيز، بعد التعرض للرطوبة ودخان الشموع سنوات طويلة. أما القفص الحديدي الضخم الذي بنته حولها السلطات البريطانية عام 1947 فهو على وشك ان يتداعى.
على مدار الساعة، ينتظر الحجاج في صفوف للركوع في الغرفة الداخلية الصغيرة، أمام لوح من الرخام الابيض يقال إنه يغطي سطحاً محفوراً من جهة الكهف الجيري، حيث سجي جثمان يسوع المسيح قبل قيامته.
كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس تقع داخل أسوار البلدة القديمة في القدس. بنيت فوق الجلجلة أو الجلجثة وهي مكان الصخرة التي صلب عليها المسيح. وتعتبر أقدس الكنائس المسيحية والأكثر أهمية في العالم المسيحي.
سُمّيت كنيسة القيامة نسبة إلى قيامة يسوع من بين الأموات في اليوم الثالث. تحت الجلجلة إلى الجانب الشرقي مغارة يُعتقد أنّها موضع قبر آدم، وأشير إليها أيضا على أنّها موضع الجحيم الذي نزل إليه يسوع بعد موته ليحرر الأنفس، وقد بنى أدريانوس قبة على ستّة أعمدة فوق الجلجلة وكرسها لڤينوس عشتار (الآلهة التي نزلت إلى الجحيم للبحث عن الإله تموز لتحرره)، في محاولة منه للقضاء على فكرة نزول المسيح إلى الجحيم في هذا الموضع بالذات.
خلال انعقاد المجمع المسكوني الأول (نيقيا 325) دعا أسقف القدس مكاريوس الإمبراطور قسطنطين إلى تدمير الهيكل الوثني في المدينة المقدسة للبحث عن قبر المسيح، واللافت أن الهيكل الذي كان يهدف إلى القضاء على موقع القبر أدّى في حقيقة الأمر إلى الحفاظ عليه، ولم يبنِ قسطنطين فوق الجلجلة. في القرن الثامن تمّ بناء كنيسة سميت كنيسة الجلجلة، أمّا القبر المقدس فنظف من الأتربة وبنى قسطنطين فوقه بازيليك القيامة وقد باشرت الأعمال أمه القديسة هيلانة.
أضر الغزو الفارسي ( سنة 614 ) بالأماكن المقدسة التي أعاد موديستو الناسك (صار في ما بعد بطريركا للقدس) إصلاحها وترميمها. عام 1808 شبّ حريق دمّر القبة تماماً، فأصلحها المشرفون على الكنيسة بإذن من الحاكم التركي وبنيت بشكلها الذي نراه اليوم. رغم أن زلزال عام 1947 هدد قبة الكنيسة، إلا أن الحاكم الإنكليزي لم يستطع الحصول على موافقة الطوائف الثلاث التي ترعى الكنيسة بإجراء أعمال دعم لها.
في كانون الأول 1994 اتفق رؤساء الطوائف الثلاث على ترميم في القبة فوق القبر المقدس. أعدّ الفنان الأميركي آرا نورمارت التصاميم، وتولّت “البعثة البابوية في سبيل فلسطين” الإشراف على الأعمال بعدما حازت على ثقة الطوائف الثلاث. يمثل الرسم الذي يتوسط القبة الشمس التي تسطع في منتصفها من الفتحة التي في القمة ويخرج منها إثنا عشر شعاعا، والدلالة واضحة إلى يسوع القائم كبزوغ فجر يوم جديد وإلى الإثني عشر رسولا: إشعاع الإيمان في الأرض. وقد تم تدشين القبة في احتفال في 2 كانون الثاني 1997.
الملك عبدالله الثاني يتكفل بالترميم
اصدر الديوان الملكي الأردني بياناً أعلن فيه أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يتكفّل بترميم قبر السيد المسيح في كنيسة القيامة في القدس، على نفقته الخاصة.
وتابع البيان أن “الديوان الملكي الهاشمي أبلغ البطريركية الأورشليمية في القدس بمكرمة جلالته من خلال رسالة أرسلت إلى غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين”.
ونقل البيان عن البطريرك ثيوفيلوس الثالث قوله إن الملك “كان وما زال وسيبقى الحارس الأمين وصاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس”. مضيفا أنه “يجسد بالفعل لا بالقول أسس العيش المشترك بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية في العالم والأراضي المقدسة على وجه الخصوص”.
وأكد أن “للعائلة الهاشمية وعبر التاريخ دوراً فريداً وبصمة واضحة في الحفاظ على المقدسات المسيحية شأنها شأن المقدسات الإسلامية في القدس والأراضي المحتلة”.
يذكر أن الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس وقعا في آذار 2013 اتفاقا يكرس وصاية المملكة على مقدسات القدس المتفق عليها شفويا في 1924 في عهد الشريف حسين بن علي الهاشمي المدفون في القدس والذي اغتيل نجله ملك الأردن عبد الله الأول في 1951 على اعتاب المسجد الاقصى.