ميشلين حبيب
(كاتبة وأديبة- لبنان)
في هذا الزمن الذي يصرخ بالسطحية والبذخ والهدر والأنَانِيَة والمال والصورة الخادعة، ظهرت جوهرة صغيرة طغى بريق بساطتها وتواضعها وفقرها وحبها للمسيح على كل بهرجة هذا العالمِ ومادّيته. إنها القديسة الأمْ تيريزا دي كالكوتا.
قبل أن تكونَ أمَّ الفقراء هي أمُّ كرامة الإنسان. الأم تيريزا حفَظَت واحترمت كرامةَ الإنسان وكرامةَ يسوعْ المسيح الموجود في كل فقير، عندما مدّت يدها وحَنَت على مشرد مُلقى على الطريق، عندما مدت يدها ومسحت جراح أبرصْ مطروحٍ في الشارع، عندما مدت يدها وحملت طفلًا مرميًا في مكب النُفايات وعندما ضمّت طفلًا مشرّدًا بحب واحترام وحنان معيدة بريق الطفولة والكرامة الإنسانية إلى عينيه.
الأم تيريزا لم ترَ فقيرًا بل رأت إنسانًا مجردًا من الكرامة فثارت محبة المسيح سيدها في قلبها. الأم تيريزا لمّت يسوعْ الجائعْ والمريضْ والمنبوذْ والحزينْ والموجوعْ من شوارعِ كالكتا ومن شوارع العالم. لملمت شظايا التكبر والبرودة والبلادة التي رُمي بها المسيحُ الموجوع وألقتها في سلّة الإنسانية واسترجعت كرامتَه من تحت الدماء والغبار والقروح والأحجار ودواليبِ السيارات وهُزءِ الضَحِكَات وبَطَرِ النفوس. الأم تيريزا منحت أعظم ما يريده الفقير المرميُّ على جانب الحياة، ألا وهو اختبارُ الحب والشعور بأنه إنسان ومقبول ومحبوب، كما والموتُ بكرامة.
سرُّها هو أنها تصلّي. سرّها هو أنها أحبت يسوعْ كثيرًا، ومن أجله فعلت المستحيل مُستمدّةً منه تلك الشجاعةَ الفائقة التي مَحَت كل خوف من لمس فقير مريض مُهمَلْ.
يتذمّرُ الناس أو يلومون الله على أنه لا يرى البؤس في هذا العالم ولا يشفق على فقرائه. والله هو الذي أرسلَ هذه الراهبةَ الصغيرة الصلبة إلى أشقى مكان في القارة الآسيوية حيث كرامةُ الإنسان تُداس وتُحرق بُخورًا من أجل بَطَرِ هذا العالم كل يوم. فأحرقت بتواضعها وانسحاقها كل تجبّر وتكبر، ولمّلمت كرامة الإنسان وقدّمتها بُخورًا على قدمي الصليب. الحب. الحب. الحب. والصلاة.
*****
(*) مقدمة الحلقة الأولى من برنامج “زوايا” الموسم الثاني (15 سبتمبر 2016) على شاشة “تلفزيون مريم”، إعداد وتقديم ميشلين حبيب.