قصيدة “رهان”… للشَّاعرة مارلين وديع سعادة

عندما تتفتّقُ وتتدفّقُ وتتألّقُ وتتأنّقُ وتتعانقُ الكلماتُ

 

mohamed kattaby

د. محمّد.م الخطّابي

(كاتب، وباحث، ومترجم، وقاصّ،

عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا)

“رهان “.. قصيدة ولا أروع للصّديقة الرّقيقة، الأديبة الألمعية الأنيقة مارلين وديع سعادة… كلمات متراصّة عالية القامة، سامية الهامة، شفيفة ، عفيفة، مُترعة بالمعاني الجميلة الموفية، ومُفعمة بالرّموز العميقة المُوحية …

قصيدة تهزّك عند قراءتها، وتطربك عند سماعها، وتحلّق بك فى الأعالي السّامقات من الإبداع الرفيع، والبيان البديع، همسٌ، ولمسٌ ، ورقّة، وعذوبة، وطلاوة، وحلاوة تنساب شّهداً مُصفّىَّ، وتزدان بياناً مُقفّىَّ…. كلمات تأخذك فى رمشٍ من العين، و فى لمحٍ من البصر، وتطير بك إلى سِدرة المُنتهى، وتحطّ بك على قمم أبولو ، وتلامس بها آكامَ ، وهضابَ، وسهولَ، وسهوبَ، وهيادبَ وادي عبقر، كلمات سلسلة، بعيدة الغور، بلّوريّة، صافية، نقيّة، نديّة، طيّعة، مطواعة، رقراقة كفوّارة من ظمأ، تنسابُ فى رفق كساقيةٍ من سواقي بساتين الأندلس الغرّاء…وجنانها الفيحاء…كلماتها كأنها لُجَيْن يذوبُ قد سال بين جواهر ..غدا مثلها فى الحُسن أبيضَ صافيَا…تشابه جار للعيونِ بجامدٍ…فلم ندرِ أيّاً منهما كان جاريَا…ألم ترَ أنّ الماءَ يجرى بصفحها..ولكنّها سدّتْ عليها المَجاريَا…كمثلٍ مُحبّ عاشق فاضَ بالدّمع جفنُه…وغيضَ ذاك الدّمع إذ خاف واشيَا ….!

ها هي ذي .. كلّ الكلمات تتسابق، وتتلاحق، وتتعانق فى رفق، ثمّ تنطرحُ عاشقة، ولهانة، ذاعنة، مستسلمةً تحت أنامل الشاعرة.. وَلْهىَ، حَرَّى، مُلتاعَة، مُشْتاقة…مِنْ عُمْقِ الوِحْدَةِ انتَشَلها الفارسُ المِغوار…وإلى دُنيا السِّحرِ حملها…فَرَشَ لها الأرضَ رَبيعًاً..وَثَوْبَ الحُريّةِ أَهْدَاها !…وأمام هذا الوَهَج السّحري الآسر، وهذا الرّونق الرّومانسي البهيج، وهذا الحُلم السّماوي الأريج، كلّ هذه المنافذ والنوافذ المٌشرعة تَفتح أمام الشّاعرة المُتيّمة ،العاشقة، الولهانة خزائنَ العمر..وتتفتّق ، وتتدفّق، وتتألّق، وتتأنّق،فتندلق،وتنطلق منها، وبها، وفيها أحلامُها النّاعسة، وهي تعانقُ أغصانَ الرّبىَ المائسة… وكالفراشات العاهلات المُزركشات الجميلات تفرش بساطَ الثرى بألوانها الزاهيّة، ثمّ سرعان ما تحلّق بآمالها فى رحاب السّماء اللاّمتناهيّة..فى حرية ، وإنعتاق، وإنطلاق فى فضاءات ملكوت الكوْن الفسيح الذي لا تحدّه حدود….

هذا الإحساس الزّاخر، وهذا الإجهاش الغامر يفضيان بالشّاعرة المُبدعة إلى التربّع على عرش الإبهار والإشراق بالظفر المُبين، فإذا العمرُ لم يمرّ جزافاً ، أو إعتباطاً، أو عبثاً …وحيال هذا الفيض الهائل، من الجمال، والدلال، والكمال، والآمال تنقشع، وتمّحي، وتزول، وتذويِ، وتتهاوىَ، وتتلاشىَ كلّ الشّكوك فى تحقيق المُراد المُتوخّى، وبلوغ الهدف المنشود، فى معانقة كلّ ما كانت تصبو، وترنو، وتتوق، وتتطلع إليه الشّاعرة من إرهاصاتٍ واعدة، فتحرز فى آخر المَطاف ( فى ختام قصيدتها .. والختام مسك .. !) .. ليس مَجداً واحداً وحسب – كما تخبرنا تواضعاً منها ، بل لتعانق، وتحتضن، وتتسربل، وتتدثّر ب “مَجديْن مَخملييْن إثنين ” …مجد إنتصار الحبّ الخالص النقيِّ العليل .. يُضاف إليه مجد إبداعها البهيِّ النديِّ الجميل….سبحان الذي ألهمَك، وناصيةَ حلوِ الكلام ،وعذب البيان علّمَك..

poetry-111

****

 

اترك رد