ميشلين حبيب
(أديبة- لبنان)
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. حَمَلَ المَرِيضُ عِندَ وِلادَتِهِ إسمًا وليسَ رَقمًا، لم يُصبِحْ حالَةً تَحمِلُ رَقمًا إلَّا عندما جاءَكَ مَرِيضًا.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. المَرِيضُ لَدَيهِ مَشاعِرُ وعَواطِفُ وحَياةٌ يَعِيشُها، لم تَتَوَقَّفْ إِلَّا عندما أَتاكَ مَرِيضًا. هو يَخشَى على حَياتِهِ وصِحَّتِهِ، والَّذينَ يُحِبُّونَهُ يَخشَوْنَ عليهِ وعلى صِحَّتِه.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. هو مِثلُكَ لَدَيهِ أُمٌّ، وأَبٌ، وأَخٌ، وأُختٌ، وزَوجَةٌ، وأَبناءُ، وأَقارِبُ، وأَحِبَّاءُ، وأَصدِقاءُ؛ هُم يُحِبُّونَهُ وهو بِالنِّسبَةِ إِلَيهِم لَيسَ رَقمًا وإِنَّما شَخصًا، كما أَنتَ بِالنِّسبَةِ لِعائِلَتِكَ شَخصٌ وليس رَقمًا.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. مِن حَقِّ المَرِيضِ الَّذي هو إِنسانٌ، وليسَ آلَةً، أَو نَبتَةً، أَو أَيَّ مَخلُوقٍ آخَرَ حَيٍّ لا يَتَمَتَّعُ بِعقْلٍ وقَلبٍ ومَشاعِرَ، أَن يَسأَلَكَ عَن حالَتِهِ، ومِن حَقِّهِ أَن تَستَمِعَ إليهِ وتُجِيبَهُ بِشَرْحٍ وافٍ.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. عندما يَمرَضُ الشَّخصُ، لا يَخسَرُ وَظائِفَهُ الذِّهنِيَّةَ ويُصبِحُ شَخصًا غَبِيًّا، أَو كما في قَوامِيسِ الأَطِبَّاءِ والمُستَشفَياتِ رَقمًا جامِدًا وحالَةً عابِرَة.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. المَرِيضُ يُفَكِّرُ ويُحَلِّلُ، ويُرِيدُ أَن يَفهَمَ حالَتَهُ الطِّبِّيَّةَ وكَيفِيَّةَ الاعتِناءِ بِنَفسِهِ، ويُرِيد أَحِبَّاؤُهُ الَّذين يَخافُونَ فِقدانَهُ أَن يَعرِفُوا ذلك أَيضًا لِيَتَمَكَّنُوا مِنَ الاعتِناءِ بِه.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. أَصبَحَ المَرِيضُ يَرتَعِبُ لِمُجَرَّدِ سَماعِهِ كَلِمَةَ عَمَلِيَّةٍ جِراحِيَّةٍ وتَخَيَّلَ وُجُودَهُ داخِلَ غُرفَةِ العَمَلِيَّات.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. لِماذا يَجرِي ما يَجرِي في غُرفَةِ العَمَلِيَّاتِ مِن أَخبارٍ مُرعِبَةٍ؟ هل لأَنَّ لا رَقِيبَ هُناك؟ واللهُ وضَمِيرُكَ؟ هل استَأصَلتَهُما؟
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. إِنْ أَتاكَ المَرِيضُ هادِئًا وصامِتًا، فَذلِكَ لأَنَّهُ قَلِقٌ وخائِفٌ ولأَنَّهُ يَعلَمُ جَيِّدًا وُجُوبَ إِرضائِكَ حَتَّى تَهتَمَّ بِه.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. هُنا نَتَساءَلُ كُلُّنا عَنِ السَّبَبِ الَّذي جَعَلَكَ تُصبِحُ طَبِيبًا؛ هَل هو مِن أَجلِ المالِ، أَو المَركَزِ الاجتِماعِيِّ، أَو بِسَبَبِ مَرَضِ الغُرُورِ وعَمَى القَلبِ والمَشاعِرِ الَّذي أُصِبتَ بِهِ عندما اكتَشَفتَ أَهَمِّيَّةَ مَكانَةِ الطَّبِيبِ في المُجتَمَع.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. أَنتَ لَستَ طِفلَ أُنبُوبٍ: لا والِدَةَ ولا والِدَ لهُ. أَنتَ لَدَيكَ أُمٌّ وَأَبٌ، إِن مَرِضا هل يُصبِحانِ حالَةً، أَو يَتَحَوَّلانِ إِلى رَقمٍ لَدَيك؟ وإِن مَرِضَ ابنُكَ أَو ابنَتُكَ، هل يَتَحَوَّلا إِلى رَقمِ غُرفَةٍ يَقبَعُ خَلفَها مَرَضٌ ذُو إِسمٍ مُعَقَّد؟
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. إِن كُنتَ تَظُنُّ أَنَّكَ أَعلَى مَرتَبَةً بِالفِكرِ والفَهمِ مِن أَيِّ مَرِيضٍ يَأتِيكَ، فَلِماذا أَصبَحتَ طَبِيبًا تُرهِقُ نَفسَكَ بِالتَّعامُلِ مع أَغبِياءَ طَوالَ الوَقت؟
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. يَعلَمُ المَرِيضُ أَنَّ عَمَلَكَ مُرهِقٌ وأَنَّكَ لا تَنامُ أَحيانًا لِساعاتٍ طَوِيلَةٍ، يَعلَمُ ذلك لأَنَّهُ هو أَيضًا يَشقَى في عَمَلِهِ الَّذي إِن خَسِرَهُ، فَسَيَخسَرْ حَياتَهُ وَتَقَعْ عائِلَتُهُ في العَوَز.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. المَرِيضُ يَحتَرِمُكَ لأَنَّكَ حَكِيمٌ ولأَنَّكَ أَقسَمتَ على الاعتِناءِ بِالنَّاسِ، ولأَنَّكَ عندما أَصبَحتَ طَبِيبًا، كُنتَ تَعلَمُ تَمامًا ما يُصاحِبُ ذلك الاختِصاصَ مِن تَعَبٍ ومَسؤُولِيَّة.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. يَعلَمُ المَرِيضُ أَنَّكَ لَستَ سُوبرمان، لذلك، رُبَّما يَجِبُ أَن تُعِيدَ التَّفكِيرَ بِاستِقبالِ أَعدادٍ هائِلَةٍ مِن المَرضَى وجَعلِهِم يَنتَظِرُونَ لِساعاتٍ طَوِيلَةٍ لِتُقابِلَهُم بَعدَها وتَفحَصَهُم بِسُرعَةٍ مِن دُونِ أَيِّ اهتِمامٍ أَو تَركِيزٍ مُتَذَرِّعًا بِمِئاتِ المَرضَى المُنتَظِرِينَ أَدوارَهُم، وكَأَنَّ الَّذي بَينَ يَدَيكَ ليس مَرِيضًا.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. إِنَّ إِهمالَكَ يُؤَدِّي إِلى خَسَارَةِ الكَثِيرِينَ حَياتَهُم وزَرْعِ الحُزنِ والمَأساةِ في عائِلاتِهِم.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. إِنْ أَهمَلَ آخَرُونَ في المُجتَمَعِ عَمَلَهُم وأَدَّى ذلك إلى خَسارَتِكَ لِحَبِيبٍ أَو ابْنٍ أو … أَلا تَغْتَّمُ، وتُقاضِي، وتَصُولُ، وتَجُول؟ لكن إِن جُوبِهْتَ أَنتَ بِإِهمالِكَ، فَإِنَّكَ تَصُولُ وتَجُولُ وتَتَهَرَّبُ وتَتَحَجَّج.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ.. تَذَكَّرْ، أَنتَ لَستَ نَجمًا سِينَمائِيًّا يَعِيشُ حَياةً وَهمِيَّةً على شاشَةٍ كَبِيرَةٍ وإِنَّما أَنتَ طَبِيبٌ يَتَعامَلُ مع مَرضَى حَقِيقِيِّينَ يَعِيشُونَ حَياةً واقِعِيَّة.
سَيِّدِي الطَّبِيبَ… هَل دَرَستَ الطِّبَّ في الجامِعَةِ وتَخَرَّجتَ مِن كُلِّيَّةِ الطِّبِّ أَم مِن كُلِّيَّةِ التِّجارَة؟
سَيِّدِي الطَّبِيبَ… لك زملاء يفهمون معنى الإنسانيّة ومعنى أن يكونوا أطبّاء، فتعلَّم منهم.