قسمٌ جديد في المتحف الوطني- بيروت
بتمويل من المديرية العامة للتعاون الإنمائي في وزارة الخارجية الإيطالية، وبالتعاون مع مديرية الآثار في وزارة الثقافة اللبنانية، يفتتح المتحف الوطني في بيروت في السابع من أكتوبر المقبل، الطبقة السفلية فيه المخصصة للفن الجنائزي في لبنان من عصور ما قبل التاريخ إلى السلطنة العثمانية، وهي ثمرة عمل استمر عامين، نفذه فريق عمل مشترك لبناني- إيطالي، في محاولة لاكتشاف مكامن خفية من التاريخ المدفون في أحشاء الأرض.
أكثر من 500 قطعة معروضة تتراوح بين النواويس، التمائم، المجوهرات، الجداريات، والقطع الفنية الرائعة وكل ما له علاقة بالطقوس الجنائزية، اكتشفت في المقابر والنواويس بعضها لم يعرض بعد لحداثة اكتشافه في مناطق مختلفة من لبنان، من بينها: مجموعة نواويس مجسمة اكتشفت في منطقة صيدا على مراحل وفي مواقع عدة منذ عام 1925، وكانت معروضة في المتحف قبل عام 1975، ومع اندلاع الحرب أخفيت ضمن جدران من الحجر في مستودعات المتحف خشية تعرضها للسرقة. وبعد انتهاء الحرب، أخرجت من مخابئها وعرضت عام 1997 في المتحف، قبل مباشرة أعمال إعادة تأهيله، نحو 30 ناووساً، تعود إلى الحقبة الفنيقية الممتدة بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، قطع أثرية عثر عليها في المدافن التي اكتشفت خلال التنقيبات الأثرية في وسط بيروت والمناطق الأخرى في السنوات العشر الأخيرة، أبرزها ما اكتشف في منطقة فرن الحايك في الأشرفية والصيفي والجميزة، من بينها: زجاجيات وقطع ذهبية وفخاريات تعود إلى الحقبات الهلنستية والبيزنطية والكلاسيكية.
من المعروضات أيضاً، مومياءات عاصي حدث الجبة وملابسها، ورُمم قسم منها، والحلي والمخطوطات التي عثر عليها قربها وتعود إلى الحقبة المملوكية.
إلى جانب اختيار القطع التي تعبر عن العادات الجنائزية في الحقبات المختلفة، أنيط بفريق العمل وضع طريقة جديدة لشرح المعروضات ولتكون المعلومات في متناول الجميع: لوحات تفسيرية، فيديو ووسائل تقنية إلكترونية جديدة…
المتحف الوطني
عام 1919، حصل الضابط الفرنسي ريمون ويل على قطع أثرية عُثر عليها في بيروت وجوارها، فقرر وضعها في مبنى المرسلات الألمانيات في شارع جورج بيكو. لاحقاً قررت سلطات الانتداب إنشاء مصلحة الآثار والفنون الجميلة التي بدأت جمع القطع الأثرية التي عثر عليها في صور وصيدا في جنوب لبنان، منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
عام 1923 تأسست لجنة مهمتها بناء متحف للآثار في بيروت، فنظم الأعضاء المؤسسون حملة لجمع الأموال بعد الاتفاق على شراء أرض تطل على طريق الشام بالقرب من ميدان سباق الخيل. وبعد مسابقة لتقديم مشروع هندسة البناء، تم اختيار المشروع المقدم من المهندسين أنطوان نحاس وبيار لوبرينس-رينغي.
عام 1930 بدأت ورشة بناء المتحف التي استغرقت نحو سبع سنوات، وافتتح في 27 مايو 1942 بحضور رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك ألفرد نقاش ونخبة من أهل الثقافة، هكذا أصبح المتحف المكان الذي تعرض فيه المكتشفات الأثرية في لبنان.
يعتبر المتحف الوطني أحد أهم متاحف الشرق الأوسط وأغناها، نظراً إلى الأهمية التاريخية للقطع المعروضة فيه من أوانٍ فخارية ونقوش وتماثيل ونواويس وفسيفساء وكنوز ونقود وأسلحة…
مع اندلاع الحرب في لبنان عام 1975، أغلق المتخف أبوابه، بعدما أصبحت المنطقة التي يقع فيها خط تماس وبوابة عبور بين شطري بيروت الشرقية وبيروت الغربية. خشية تعرض موجوداته للسرقة، عمد حافظ المتحف الأمير موريس شهاب، إلى إخفاء القطع الصغيرة وحماية القطع الكبيرة بصب طبقة من الإسمنت المسلح حول كل قطعة.
تركت الحرب آثارها على المتحف فتعرض لدمار هائل وتسربت المياه إلى مخازنه، وكان وضع الآثار خطيراً لارتفاع درجات الرطوبة فيه بعد إقفاله لمدة 15 سنة. أما الحريق الناتج عن قصف المبنى الملاصق للمتحف فأتى على قسم كبير من أرشيف المتحف ومجموعة من القطع الأثرية.
بين 1995 و1997، أعيد تأهيل المتحف (إنارة، تكييف، ترميم القطع الثرية…) ودشن بحضور رئيس الجمهورية إلياس الهراوي. ثم أغلق أبوابه مجدداً عام 1998 لإنجاز الأعمال الباقية وأعيد افتتاحه نهائياً عام 1999 برعاية رئيس الجمهورية آنذاك العماد إميل لحود.
ناووس أحيرام ملك جبيل مع كتابة فينيقية
يعتبر هذا الناووس (يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد) إحدى أهم القطع المعروضة في المتحف الوطني في بيروت. يتميز بالنقوش والكتابة التي تغطي الجرن والغطاء مع بقايا طلاء أحمر في بعض الأماكن. يظهر الملك أحيرام جالساً على عرشه في عشاء مدفني، يتقبل القرابين من أشخاص أتوا إليه، وقد نحتت النادبات إشارة إلى حالة حداد.
تبدأ الكتابة على الجرن وتنتهي على الغطاء وجاء فيها: {هذا هو التابوت الذي صنعه ايتوبعل، ابن أحيرام ملك جبيل، لأبيه أحيرام عندما وضعه للأبدية. أما إذا هاجم ملك من بين الملوك، أو حاكم من بين الحكام، أو قائد جيش، جبيل وكشف غطاء هذا التابوت، فليكسر صولجانه، وليقع عرش ملكه، وليهرب السلام من جبيل. وأما بالنسبة إليه، فلتمح كتاباته…}. يعتبر هذا النص أقدم شاهد على الأبجدية الفينيقية التي نشرها الفينيقيون في الألف الأول ق.م. في محيط البحر المتوسط، وقد درج القول لدى الإغريق إن الفينيقيين اخترعوا الأبجدية.
*****
(*) جريدة الجريدة الكويتية