قولبة ذهن المشاهد وتسطيحه…

micheline habib

ميشلين حبيب

(كاتبة- لبنان)

يُحاوِلُ بَعضُ الإِعلامُ قَولَبَةَ ذِهنِ المُشاهِدِ مِن خِلالِ تَقدِيمِ السَّخِيفِ والسَّطحِيِّ والابتِعادِ عن العَمِيقِ والجِدَّيِّ.

هو يُضِيءُ على المآسِي والفَضائِحِ، ويَتَجاهَلُ كُلِّ ما يَخدُمُ الثَّقافَةَ والفِكرَ.

كذلك يَعمَلُ الإِعلامُ جاهِدًا على تَقدِيمِ بَرامِجَ تُرَوِّجُ لِلتَّنجِيمِ والتَّبصِيرِ على أَنواعِهِ مُحاوِلًا بذلك جَعلَ المُجتَمَعِ يَبتَعِدُ عن الله ويَتَّكِلُ على الأَكاذِيبِ والأَباطِيلِ خالِقًا بِالتَّالِي إِنسانًا فارِغًا وسَطحِيًّا وواهِمًا.

كما يُحاوِلُ الإِعلامُ المُضَلِّلُ نَشرَ مَفاهِيمَ خاطِئَةٍ تَخدُمُ المَصالِحَ الشَّخصِيَّةَ وتُشَجِّعُ على حُبِّ المادَّةِ وحُبِّ الظُّهُورِ والاعتِمادِ على الشَّكلِ الخارِجِيِّ وليسَ المَضمُونَ.

كما إِنَّهُ يَعرِضُ ويُشَجِّعُ بَرامِجَ تَعتَمِدُ على الكَلامِ البَذِيءِ ويُوهِمُ النَّاسَ أَنَّ ذلك ما يَطلُبُهُ الجُمهُورُ ويُضحِكُه.

وفي الإِعلامِ المَرئِيِّ تَتَنافَسُ البَرامِجُ فِيما بَينَها على تَقدِيمِ بَرامِجَ سِياسِيَّةٍ وكأَنَّهُ لم يَعُدْ في البَلَدِ إِلَّا السِّياسَةُ.

إلى ذلك فَسِياسَةُ الإِعلامِ تَهدِفُ إلى خلْقِ اليَأسِ والتَّغاضِي عن الأُمُورِ الإِيجابِيَّةِ والثَّقافِيَّةِ والإِنسانِيَّةِ والعِلمِيَّةِ وغَيرِها مِن تِلكَ الَّتي تَجرِي على أَرضِ الوَطَنِ أَو خارِجِه. كما يُحاوِلُ، جاهِدًا، نَبْشَ المَآسِي والمَصائِبِ ويَبتَعِدُ عن نَشرِ الواضِحِ والجَيِّدِ، زارِعًا اليَأسَ في النُّفُوسِ والأَذهانِ.

وإلى جانِبِ مُحاوَلَةِ هذا الإِعلامِ المَشبُوهِ خَلقَ شَعبٍ يائِسٍ، فَإِنَّهُ نَجَحَ، ومَعَهُ وَسائِلُ التَّواصُلِ الاجتماعي، في خَلْقِ شَعبٍ كَسُولٍ لا يَقرَأُ وإِنَّما يَتَفَرَّجُ على الصُّوَرِ مِن دُونِ تَفكِير؛ شَعبٍ يَنتَظِرُ أَن تَفعَلَ الصُّورَةُ فِعلَها في ذِهنِهِ المَبنِيِّ على مَفهُومٍ واحِدٍ يُقَيِّمُ مِن خِلالِهِ كُلَّ ما يَراهُ، ولَن أَقُولَ يَسمَعُهُ، لأَنَّهُ شَعبٌ لَم يَعُدْ يَسمَعُ أَو يُصغِي إِلَّا لِصَوتِهِ أَحيانًا، فَرِحًا بِما يَتَفَوَّهُ بِهِ مِن سَخافَةٍ لا غَير. حَتَّى العَواطِفُ والمَشاعِرُ قُوْلِبَت في قَوالِبَ مُعَيَّنَةٍ وفُرِضَت على النَّاسِ، والنَّاسُ نَهِمُونَ يَأكُلُونَ بِلا شِبَعٍ أَو وَرَع.

vector micheline

 

اترك رد