البروفسور الأب يوسف مونس
(تيولوجيا)- (انتربولوجيا) – (لاهوت)
عطبني ابي ادم
عطبني ابي ادم عندما عطب نفسه بكبريائه وشهوته ليكون الهاً مثلك انت خالقه وصانعه يا امله. ونسي ان يديك جبلتاه من تراب وهو تراب والى التراب يعود في فنائه ومحدوديته الزمنية. لقد ظن نفسه لكبريائه وادعائه وعنجهيته ازلياً وغير فان وزائل كعشب الحقول ولم يعرف انه قصبة تكسر، وهي سريعة العطب كما يقول بسكال Pascal فاننا انتربولوجياً ولاهوتياً كائن عاقل معطوب.
نعمة الخلق الاول
خلقنا الاول كان من يد الله وعلى صورته ومثاله وجماله فأعطبنا ابونا ادم بخطيئته التي رفض فيها النعمة الاولى التي وهبنا اياها الله في حبه. هذا هو لاهوت الحب وعاد الله بجنة وبنعمة خلق ثانية رمم طبيعتنا بان جعل ابنه الوحيد الحبيب يأخذ صورتنا وطبيعتنا البشرية وجسدنا المدمر ليخلصنا يوم صلب ومات وقبر وقام لاجلنا واعطانا الروح القدس بقوة سر العماد المقدس الذي جعل منا اخوة ليسوع ورثة للملكوت وابناءً لله الاب بابنه يسوع وبنعمة الروح القدس.
نعمة الخلق الثانية
فاذا نحن انسان جديد وخليقة جديدة وارضنا ارض جديدة وسماؤنا سماء جديدة كما يقول كتاب سفر الرؤيا لان السيد الرب يسوع ضابط الكل والذي الكل بين يديه قال سأجعل كل شيء جديداً واعاد الجمال الى الخليقة المدمرة ورممها. فرأى الله الاب كما في بداية الخلق في سفر التكوين «ان كل شيء حسن هو» الانسان كائن انتربولوجي في الحسن والبهاء. لم يعد الانسان بتجسد يسوع المسيح وصلبه وفدائه وموته وقيامته ومصالحته مع الاب السماوي كائنا معطوباً.
الميلاد الثاني بيسوع
لم يعد الانسان كائنا معطوباً بقوة الروح القدس والولادة الجديدة من احشاء ماء العماد المقدس لقد ولد كائنا انتربولوجيا جديداً ولم يعد الوجود الانساني كأساً مكسورة او اناءً مشعوراً ملوثاً يجب ان يرمى للنفاية والموت والعدم والفناء. لم يعد الانسان بالميلاد الثاني بيسوع المسيح بكر الخلائق، وتراً مقطوعاً لا يعطي نغماً سويا مهما قضى من ايامه يشد اوتاره ويرخيها لينشد نغماً سوياً، فلا يلد الا النشاز والغلط.
غسلت ثيابي بدم الحمل
لذلك انا اصلي واقول، كائنا انتربولوجياً جديداً اخلق فيّ يا الله.
ارحمني يا الله
كعظيم رحمتك ولاهوتك لاهوت الرحمة وانقذني واشفني من معطوبيتي التي اورثتني اياها خطيئة ادم ابي الاول القديم واتى ابنك ادم الجديد فجدد عماد خلقي بالماء والدم من جنبه وقلبه وجراحاته الطاهرة فخرجت من هذا العماد الجديد وقد غسلت ثيابي وكياني بدم الحمل، خرجت لابساً حلة بيضاء كما يقول سفر الرؤيا.
ارحميني ايتها الرحمة الالهية
يا سيدي ايتها الرحمة الالهية، اورثتني في خلقي الاول صورة بهائك وجمالك وافضت علي بكرم نعمك فاورثني ابي ادم معطوبيته وموته وشقاءه بخطيئته وعصيانه وتمرده على حبك والوهيتك وشاء في كبريائه ان يكون الهاً مثلك عندما قال في عمى نظره عن محدودية وجوده، لم انا ايضاً لا اكون الهاً كما قال بعد سارتر sartre : لن اتعزى ابداً على كوني لست الهاً je ne me consolerai s jamais de ne pas etre Dieu
من خلع اوراكي
وقرر ادم ان يكون الهاً مثلك، فتخلع وجوده وتدمر الفردوس وانهمر الموت والشقاء ولنا تخلعت اوراكي كما تخلعت اوراك يعقوب بعدا ن تصارع طوال الليل مع ملاك الله الذي خلع له اوراكه مع الفجر وراح يعرج وأوديب الملك oedipe او «يفكح» وانا ايضاً منتقص الكمال الوجودي اشعر بالعطب في كواحلي وقلبي وعقلي واحساسي وكليتي.
انا يا سيدي ربطني ابي ادم لتمردي عليه وثورتي على خطيئته التي اورثني اياها فعطب انتربولوجيتي وكبدي وقلبي.
نهش الغربان كبدي
ربطني على الجبال ونادى الغربان لتأتي وتنهش كبدي والى اليوم انا اثور واتمرد وكبر حريتي يولد في جسدي وجسد كل الناس وفي صدور الاحرار والثوار في العالم وغربان الدنيان تأتي لتنهش اكبادهم. هذا مصيري في كآبتي وعدم عزائي وجمالي كطائر الالبتروس Albatros في قصيدة baudelaire الرائعة الذي يضربه البحارة بالمجذاف بعد ان تبعهم طائراً فوقهم لمسافة طويلة. فتعبت جناحاه من طول السفر وهبط قليلاً فضربه البحارة بمجاذيفهم وربطوه وجروه خلفهم بمركبهم وهم يهيّصون ويصرخون وهذا مصيري وعيشي في غابة الادغال البشرية الحاملة وجوه الذئاب واللاسعة بالسنة حسدها وكرهها وحقدها كالعقارب والحياة وانا اجرجر جناحي المكسورين وقد علا عليهم الدم والغبار. تألهي في لاهوت عودتي اليك هو الشفاء. كما تكلم القديس يوحنا فم الذهب عن لاهوت تأله الانسان.
سأم وضجر
يوم خلقت ابي ادم يا سيدي جبلته وصنعته على شبهك وعلى صورتك ومثالك ونفحت فيه من روحك الازلي فكان ايقونة لك وسلّطته على جميع مخلوقاتك واعطيته سلطانا ليسميها ويتسلط عليها.
وخلقت له حواء امنا، انيساً ووليفاً له من ضلعه ليخرج من سأمه وضجره ويكتمل في كيانه الوجودي الانتربولوجي الكامل فيتأله بالنقاء والشفاء والعودة الى صورة الله الاولى في لاهوت المحبة والنعمة.
كما يقول الشاعر صلاح لبكي في كتابه الجميل «سأم» هو يشتاق الى اكثر من امنا حواء هو يشتاق ليتأله مثلك.
ويوم اتيت يا سيدي مع نسيم المساء تبحث بحبك عن ادم الذي هرب وخاف واختبأ من امام وجهك بعدما اكتشف نفسه عارياً يختبىء باوراق الشجر وضج صوتك في ارجاء الفردوس صارخاً: آدم اين انت؟ وما زلت الى اليوم تسأل عن آدم! وهو هارب من امام وجهك عارفاً انه خاطىء مذنب ناكر للجميل والحب والكرم والفضل. وانه انكر النعمة وخان المحبة لكن رحمتك وعدته بالمخلص الابن الحبيب يأتي في تمام الزمن ليتألم ويتعذب ويصلب ويموت حباً لاجله ويدفن ويقوم بالنور والمجد والبهاء ليفتح له باب العودة الى الفردوس، فردوس حبك وحنانك ورحمتك ايتها الرحمة الالهية. لاهوتك لاهوت رحمة ومحبة وحنان يوجعني هذا الفناء الساكن فيّ ولا عزاء عندي الا برجاء القيامة ولقيا وجهك ايها النور البهي يا نوراً من نور والهاً حق من اله حق.
اجراس القيامة
اسمع في جسدي بالرغم من معطوبيتي اجراس القيامة تقرع لانك انت قمت يا سيدي وقهرت الموت بالموت وخلعت ابواب الجحيم واقمت الذين في القبور ولاحت بيارق النصر البيضاء على اخشاب صليبك المقدس. كل رجائي بالقيامة والحياة لا ينكسر امام الموت والفناء لانك انت قلت انا القيامة والحياة وانا اؤمن بك وبكلامك وانت قلت من آمن بي وان مات فسوف يحيا. وانا هنا يرقص عمري على حد سيف معطوبيتي وسرعة زوالي. اعرف انني افنى كعشب الارض وانمحي كأثر مركب في المياه.
انا عبور دائم
وانني لن استحم في ذات مياه نهر الوجود الجاري مرتين كما قال الفيلسوف هيراقليط وانني عبور دائم من التعدد الى الوحدة ومن الوحدة الى الكثرة كما قال الفيلسوف اليوناني الاخر ديمقريطس، فانا اتناثر واتجمع وارحل واتحول واعود الى الحياة كائناً جميلاً في ربيع يتجدد عائداً مع حلقة الايام الادونيسية كما في قصة الاله الجميل ادونيس في جبيل.
***
(*) لوحة مار بولس للرسام التشكيلي المصري أيمن فايز عطية