الأم تريزا… “أسطورة الفقراء”  قديسة على المذابح في 4 سبتمبر 2016

حافظت على كرامة المنبوذين وزارت لبنان إبان الاجتياح الإسرائيلي

File written by Adobe Photoshop? 4.0

الأم تريزا

كلود أبو شقرا

بعد أشهر من انتشار أخبار حول إمكانية إعلان تقديس الأم تريزا هذا العام، وقع  البابا فرنسيس في 15 أذار مرسوم اعلان قداسة الأم تيريزا، الحائزة جائزة نوبل للسلام، على ان تقام المراسم في 4 أيلول المقبل، وفق ما اعلن الفاتيكان. لكن الجهاز الإعلامي في الفاتيكان لم يؤكد مكان اقامة المراسم، إذ اصرت الكنيسة الهندية على أن يأتي الحبر الأعظم الى كالكوتا، إلا أن مصادر في الفاتيكان أكدت ان هذه الرحلة ليست مطروحة على جدول أعمال البابا، وأن إعلان القداسة سيتم في روما.

 أسطورة الفقراء

في مماتها كما كانت في حياتها تبقى الأم تريزا محور الأحاديث سواء بين الناس أو في وسائل الإعلام، لم تغب “راهبة الفقراء” ولم تدخل خانة النسيان بل تستمر حية في الذاكرة والوجدان ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي… فبعد الأعجوبة الأولى التي رفعتها على المذابح طوباوية في 2003، أعلن رئيس أساقفة كالكوتا توماس D’Souza أن رجلا برازيلياً في الخامسة والثلاثين من عمره، مصاب بأورام عدة في الدماغ منذ 2008، شفي بشفاعة الأم تريزا.

حسب الصحيفة الإيطالية  Avvenire، طلبت زوجة المريض شفاعة  “راهبة الفقراء” ليفيق  زوجها  من الغيبوبة  التي أصيب بها أثناء إجراء جراحة له، وفي أحد الأيام، استيقظ  فجأة من غيبوبته  وسأل الجراح الذي كان يعالجه: “ماذا أفعل هنا؟” اعترف البابا فرنسيس بالأعجوبة، وأكد الفاتيكان انطلاق إجراءات تقديس الأم تريزا، ووفق الصحيفة أقرّت لجنة من الخبراء المكلفة قضايا القديسين هذا الشفاء.

أما الأعجوبة الأولى فحصلت بعد سنة من وفاة الأم تريزا، إذ  توجهت منى بسرا،  فتاة من بنغلادش مصابة بمرض السرطان ، إلى مركز  راهبات المحبة التي أسستها الأم تريزا وأخبرتهن أن شهباً من نور انبعث من صورة الأم تريزا في غرفتها،   فخلدت إلى النوم وهي تحضن أيقونة الأم تريزا، وعندما  استيقظت فوجئت بأنها شفيت من مرض السل، وقالت: “عادت الأم تريزا لتشفيني”. لكن  اطباء يعالجون الفتاة البنغلاديشية أكدوا أنها  دخلت في أيار 1998 مستشفى Balurghat وشخصوا إصابتها  بالسل، فخضعت لعلاج على مدى 9 أشهر ما أدى إلى شفائها.  هذه  الأقوال  لم تثنِ الفاتيكان والبابا يوحنا بولس الثاني  من الاعتراف بالأعجوبة، بعدما تبيّن للجنة الخبراء الذين نظروا في الشفاء أنه تم بقوة إلهية وان ادعاءات الأطباء غير صحيحة.

“راهبة الفقراء”  ومؤسسة “جمعية راهبات المحبة” لم تسلم من بعض الأقلام السوداء التي اتهمتها بالتعصب والأصولية والرجعية، بسبب موقفها الرافض للإجهاض الذي اعتبرته “أكبر مدمّر للسلام”، وكررت موقفها هذا  في مؤتمر دولي حول السكان في القاهرة (1994)، وأكدت رفضه حتى في الحالات القصوى مثل الاغتصاب. كذلك  وُجهت انتقادات إليها عندما أعربت عن سعادتها لطلاق صديقتها الأميرة ديانا من زوجها الأمير تشارلز لأن زواجهما كان فاشلا، وهوجمت بقسوة عندما قالت في إحدى المناسبات:  “جميل رؤية الفقراء يقبلون مصيرهم ويعانون آلام المسيح، العالم يربح من آلامهم”، وقد فسّر كلامها  بطريقة مخالفة لما تعنيه.  وفي 1981 تعرضت لحرب شعواء عندما  قبلت منحة مالية  من النظام الديكتاتوري في هاييتي…  لكن رغم كل ما قيل ويقال تبقى الأم تريزا “أسطورة  قداسة” غير قابلة للخرق.  

threresa 2

الأم تريزل راهبة الفقراء

الأم نريزا

ولدت آغنيس غونكزا بوجاكسيو  في 26  آب  1910 في قرية سوكجية  وسط عائلة متدينة مهاجرة إلى يوغسلافيا أصلها من ألبانيا. تعلمت في بداية حياتها في مدرسة  تابعة للرهبانية اليسوعية اليوغسلافية.

في العاشرة من عمرها   توفي والدها فلجأت إلى الصلاة لتتجاوز حزنها وتعلقت  بها، وفي الثانية عشرة  اتخذت قرارها بأن تصبح راهبة تخدم الفقراء والمحتاجين،  فدخلت دير راهبات “أخوية لوريتو”  في ايرلندا حيث رسمت راهبة مبتدئة. وبعد عام أُرسلت إلى دير تابع  الرهبنة في مدينة داريلينغ بالقرب من كالكوتا في الهند.

عام 1931  قدمت نذورها واتخذت اسم الأخت تريزا ، وفي عام 1937 أصبحت الأم تريزا. في أحد الأيام من عام 1946، خلال  سفرها بالقطار إلى داريلينغ ، شاهدت رؤيا يدعوها  الرب فيها إلى “خدمته بين أفقر الفقراء”، في تلك اللحظة بالذات تغيّرت حياتها إلى الأبد، وراحت تعمل لتحقيق هذه الغاية، ولم يكد عام 1948 يطلّ حتى  تلقت إذناً بمغادرة الدير والتوجه  إلى أحياء كلكوتا الفقيرة لإنشاء أول مدرسة لها. وما لبثت الأخت أنياس، وهي تلميذة سابقة لها في دير داريلينغ، أن التحقت بها،  ثم تبعتها راهبات أخريات رغبن في خدمة الرب عن طريق رعاية الفقراء.

اهتمت الأم تريزا بالأطفال المهملين، فخلعت زي الرهبنة ولبست الساري الهندي القطني بلونه الأبيض والخط الأزرق على الأكمام الذي عرفت به في ما بعد، وتوجهت إلى دير للرهبنة الأميركية يعنى بالتمريض، طالبة العون،  لكن توجهاتها  لم ترضِ مسؤولي الدير، فاعتمدت على نفسها في البداية، ثم  ما لبثت أن تلقت معونات، فأسست “جمعية راهبات المحبة” عام  1950 هدفها الاهتمام بالأطفال المشردين والعجزة.

تعاونت الأم تريزا مع السلطات الرسمية في كلكوتا فحولت جزءاً من معبد كالي (إلهة الموت والدمار عند الهندوس) إلى منزل لرعاية المصابين بأمراض غير قابلة للشفاء والعناية بهم في أيامهم الأخيرة ليموتوا بكرامة، ويشعروا  بالعطف والقبول بدل البغض والرفض من مجتمعهم. وتوالت بعد ذلك المؤسسات التي أنشأتها الأم تريزا، من بينها:  “القلب النقي” (منزل للمرضى الذين يعانون مرضاً مزمناً)، “مدينة السلام” (منازل صغيرة لإيواء المصابين بأمراض معدية ومنبوذين). ثم أنشأت أول مأوى للأيتام، ومئات البيوت المماثلة في انحاء الهند لرعاية الفقراء ومسح جراحهم والتخفيف من آلامهم، والأهم من كل ذلك جعلهم يشعرون بأنهم محبوبون ومحترمون كبشر.

President_Reagan_presents_Mother_Teresa_with_the_Medal_of_Freedom_1985 3

تتسلم ميدالية الحرية من الرئيس ريغان 1985

إشعاع عالمي

منح البابا بولس السادس  الأم تريزا الإذن بالتوسع والعمل في أنحاء العالم، فازدادت المنتسبات إليها  وشملت فروعها معظم الدول الفقيرة أو التي تشهد حروباً ونزاعات، وكان للبنان نصيب من عنايتها،  ففي خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، نجحت في الحصول على وقف إطلاق النار لمدة معينة لينقذ رجال الدفاع المدني  37 طفلا مريضاً كانوا محاصرين في إحدى المستشفيات.

عام  1957 اهتمت بالمجذومين،  ومع اتساع عملها أسست” جمعية أخوة المحبة” عام  1963،  وهي خاصة بالرهبان، في الخامسة والسبعين من عمرها  توجهت إلى الحبشة لمساعدة المنكوبين وإغاثتهم من الجوع والتشرد، وإفريقيا، وألبانيا مسقط رأسها بعد سقوط الشيوعية…

رغم إنجازاتها الضخمة، واجهت الأم تريزا انتقادات منها أن فريقها لم تكن له دراية واسعة بالطب، وأن الأساليب المتبعة في العناية الطبية لم تراع المعايير الطبية، مثل استخدام الحقن مرات ومن دون تعقيم، فضلا عن التشكيك بعدد الذين اعتنت بهم…  فردت الأم تيريزا  أن النجاح ليس المقياس بل الصدق والأمانة والإخلاص في العمل.

لدى تلقيها جائزة نوبل للسلام عام 1979،  حددت الأم تريزا مهمة  رهبنتها، بما يلي: العناية بالجائعين والعراة والمشردين والعاجزين والعميان والمنبوذين، وكل الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم أو محرومون من العناية والمحبة، أولئك الذين يعتبرهم أفراد المجتمع عبئا عليهم فيتجنبونهم.

التقدم في السن، الأوضاع الصحية للمرضى الذين عملت معهم والسفر حول العالم لجمع  أموال ومساعدات للفقراء… هذه العوامل وغيرها أدت إلى تدهور صحة الأم تريزا، لا سيما انها لم تكن تصرف وقتا كافيا للعناية بها، فأصيبت بذبحة قلبية عام 1985 فيما كانت في روما، وأخرى عام 1989 وكادت تودي بحياتها، ما اضطرها إلى  الخضوع لجراحة.

عام 1991  وخلال زيارتها المكسيك أصيبت بمرض ذات الرئة فأثر ذلك على عمل القلب،  ايضاً اصيبت بالملاريا والتهاب الصدر وخضعت لجراحة في القلب عام 1996، فاستمرت صحتها في التدهور إلى أن  فارقت الحياة كالكوتا في 5 سبتمبر 1997، منهية بذلك كفاحها من أجل حياة إنسانية أفضل. 

من مآثر الأم تريزا  أنها لدى تسلمها جائزة نوبل للسلام طلبت إلغاء العشاء التقليدي الذي تقيمه لجنة جائزة نوبل للفائزين، وإعطاءها  المبلغ لتنفقه على إطعام 400 طفل هندي فقير طوال عام كامل.

اتسع نطاق “جمعية راهبات المحبة” التي أنشأتها الأم تريزا، وباتت تضم 570 مركزا لخدمة المرضى والفقراء حول العالم، ومئة ألف متطوع يعملون في مراكز تتولى العناية بمرضى الإيدز والبرص وسواهما من الأمراض المعدية وغير قابلة للشفاء، إضافة إلى إطعام مئات الآلاف من الجائعين والعجزة…

_jean-paul-ii-mere-teresa-calcutta-1986 4

الأم تريزا والبابا يوحنا بولس الثاني

تكريم عالمي

عرفت  الأم تريزا كيف تستغل سمعتها العالمية بذكاء من أجل جمع المال والمساعدات لخدمة القضية الإنسانية النبيلة التي جعلتها هدفا لها، ونالت جوائز وتكريمات، ففي عام 1962 منحتها الحكومة الهندية جائزة “باندما شري” لخدماتها الإنسانية المميزة، ونالت “جائزة تامبليتون ونهرو” من أجل تحقيق العيش المشترَك بين الدِيانات المختلفة والتفاهم بين الدول، وجائزة من الفاتيكان  عام1971…

مُنحت جنسيّات فخريَّة  من دول عدة، وكَتبت عنها وسائل الإعلام العالَميَّة والعربيَّة على نحو لم تحظَ به شخصيَّة من قبل. عُرضت  سيرتها عبر أفلام في السينما والتلفزيون في أنحاء العالَم. وأُنشأت لها مواقع عالَميَّة وعربيَّة على شبكة الإنترنت بلغات مختلفة.

كذلك شكلت سيرة الأم تريزا محور مؤلَّفات ومقالات بلغات أجنبيَّة وعربيَّة، أظهرت مكانة هذه المرأة المِعطاء في القرن العشرين  ووُصفت بانها هِبة للإنسانية جمعاء. أشادت شخصيّات سياسية وروحية عالَميَّة مرموقة  بعطاءاتها واستقبلها رؤساء الدول وشعوبها  استقبال الشخصيّات العظيمة  وقدموا لها تحيَّة إكبار وإجلال.

-Mother-Theresa-at-age-18 6

الأم تريزا في الثانتة عشرة من عمرها

من أقوال الأم تريزا

– أنا قلم رصاص في يد الرب الذي يكتب رسالة محبة للعالم .

–  عندما تكون مرفوضا ًومكروها ًومهملا ومنسياً،  فهذا جوع أعظم وفقر أكبر من جوع أي إنسان ليس لديه ما يأكله.

– لا تعتقد أن المحبة يجب أن تكون خارج المألوف، لتكون اصيلة، ما نريد محبة بلا ملل.

اترك رد