مازن ح عبود
(كاتب وقاص – لبنان)
من المفترض ان ينعقد المجمع الكبير للكنائس الارثوذكسية في جزيرة كريت اليونانية الواقعة في نطاق البطريركية المسكونية الجغرافي في التاسع عشر من شهر حزيران الجاري بعد خمس وخمسين عاما من التحضيرات، وذلك على اغلب الظن بغياب غالبية الكنائس التي لا تنطق باليونانية، ووفق تحفظات الجبل المقدس (آثوس) واحبار ولاهوتيين اغريقيين كبار على المجمع العتيد الى حد وصف أحدهم له بالمجمع المزيف.
الكلي القداسة رئيس أساقفة القسطنطينية -البطريرك المسكوني برثلماوس دفع بكل ما اؤتي له لعقد هذا المجمع، رابطا ما بين المحافظة على دوره كمتقدم على رؤساء آباء الكنيسة الارثوذكسية وعقد المجمع في زمانه ومكانه. فعلى ما يبدو فانّ الكلي القداسة قلق من تداعيات تصاعد نجم روسيا البوتينية وانعكاسات ذلك على الكنيسة الارثوذكسية، قلق البطريرك يتزايد من تعاظم نفوذ بطريرك موسكو وكل روسيا الذي اضحى واقعيا حبر المدينة الأولى في العالم الأرثوذكسي(عنيت بذلك موسكو التي يميل البعض الى تسميتها بروما الثالثة)، وذلك في ظل ارتفاع الأصوات التي بدأت تعتبر بأنّ الأسقفية لا يمكن ان تكون شرفية في الكنيسة ولا يمكن لها ان لا ترتبط بأرض وشعب حتى لو اخذنا بعين النظر مسألة نفي أسقف من ارضه مع شعبه. المشكلة ان بيزنطيا الأرضية انقضت وحلت محل غالبية اراضيها دولة اتاتورك. قلق انعكس بما اعتبره البعض تصلبا في ادارة البطريكية المسكونية الملفات التحضيرية للمجمع المزمع عقده في كريت.
وقبيل المجمع العتيد نسأل عدة أسئلة اهمها: هل انّ الإصرار على عقد اللقاء بمن حضر ووفق ما اعد يثبت مرجعية البطريرك المسكوني ام يضعها تحت عدسة المساءلة وإعادة النظر؟ اما يضفي عقد “المجمع” بمن حضر، أي من بغياب غالبية الكنائس غير الناطقة باليونانية، على الحدث صبغة عرقية مما يشكل خطيئة بحسب الأعراف الكنسية، فيسهم في تعميم نظرية انّ من ليس اغريقيا ليس أرثوذكسيا؟ أخشى ان يتحول المجمع الذي يجب ان يمثل ضمير الكنيسة بالنسخة التي تتظهر حاليا، الى مجمع على الكنيسة ولا يكون من اجلها ولتحديثها. فالمجمع ان لم يجدد الترابيين بالروح كي يصيروا صوت الحقيقة في العالم يسقط سقوطا مدويا. وقد بدأت الكنائس تنقسم والناس تتفرق حتى في العالم الاغريقي حول المجمع وصحة مقرراته من الناحية العقائدية.
اعتقد بانّ المجمع المزمع عقده قيصريا سيؤدي الى تداعيات كبرى قد يكون أولها وليس آخرها مسألة طرح ترتيب الأولية في الكنيسة الارثوذكسية، وذلك في ظل الكلام من قبل الكثير من الكنائس عن تخطي رئيس الاحبار المتقدم ما بين اخوته حدود السلطة المرسومة له بموجب الأعراف الارثوذكسية المرتكزة على الانجيل وفي ظل الازمات الوجودية والاقتصادية التي تمر بها اليونان والمشرق والعالم الارثوذكسي. ومن الجدير ذكره ان لا سلطة في الكنيسة الارثوذكسية أصلا الا تلك التي تتفرع عن الخدمة والمحبة. فلماذا اثارة كل هذا اللغط في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العالم الارثوذكسي؟
أيكون قلق كبير احبار القسطنطينية قداسة البطريرك برثلماوس على موقعه قد أدى به الى استباق تداعيات التغيرات في العالم الأرثوذكسي فأصر على الدعوة الى المجمع اليوم للضمان على الحفاظ على موقع بطريركيته ليوم ما بعد غد مثلا؟ ولماذا هذا الإصرار على عقد مجمع في كريت في هذا التوقيت وترحيل كل المشكلات والأزمات الى ما بعد الحدث؟ وهل انعقاد اللقاء اهم من وحدة الكنيسة؟ ام انّ ثمة قطب مخفية في الدعوة والاصرار؟ ولماذا الربط ما بين انعقاد المجمع في هذا التوقيت من تاريخ اليونان والعالم الارثوذكسي ومرجعية البطريرك المسكوني؟ ولماذا تكون المرجعية مرتبطة بلقاء وزمان؟ اما يتوجب ان ترتبط المرجعية بضمير الكنيسة وبالمسيح؟
في ظل هذه الأجواء الملبدة بدا الموقف الانطاكي، بعدم المشاركة، واقعيا ومتماسكا وصارما، ونتيجة طبيعية لمواقف سبقته، فالكنيسة الانطاكية المكبلة بالأزمات ابتداء من ازمة اقطر مع بطريركية المدينة المقدسة وصولا الى تحدياتها الوجودية جراء الحروب الكونية الدائرة على وفي سوريا، تريثت في اعلان موقفها بعدم المشاركة الى حين اعتذار الكنيسة البلغارية وطلب كنيسة روسيا عقد لقاء تمهيدي يسبق المجمع. اني اعتقد بأنّ الموقف الانطاكي بعدم المشاركة ولد من رحم وجع انطاكية، ولم يأت بإيعاز من أحد، فالموضوع ليس مؤامرة روسية لسحب المرجعية من القسطنطينية كما بدأ البعض يشيّع، انما المشكلة هي مشكلة حسابات خاطئة وسوء تقدير وقلق ادى الى تصلب فهم بأنه تجاوز لحدود الأعراف، المشكلة مشكلة خوف وتعثر في حل الازمات ما بين الاخوة.
اعتقد بانّ المجمع الانطاكي المقدس لا يرغب ان يكون جزءا من اي صراع بل من مكونات الحلول، وعلى حد علمي فانّ كنيستنا تبحث عن السلام للمنطقة والحلول لمشكلاتها ونهاية لازماتها الوجودية، في ازمنة تقلص هوامش تحركاتها. فانطاكية القديمة ام ولا يمكن للام الا ان تحب كل من خرج من احشائها اسواء كان كنيسة في القسطنطينية ام في موسكو. أملى ان يستجيب البطريرك المسكوني برثولماوس للنداءات ويدعو أصحاب القداسة والغبطة الى الاجتماع لبحث المستجدات والقيام بما يلزم، فينقذ الكنيسة ومرجعيته من فخاخ الانقسامات، وما البطريرك المسكوني او اي بطريرك اصلا الا رمزا لوحدة الكنيسة في كل الأمكنة، وهو اذ لم يعمل على صيانة هذه الوحدة تكون الرمزية قد سقطت وبطريركته قد هوت.