بين التواصل والتراحم

mouannes

البروفسور الأب يوسف مونس

هناك علاقة بين التواصل والتراحم فالرحمة علامة تميز كياننا كله وسلوكنا باسره والطريقة التي بها نقول كل كلمة وكل حركة. رأفة الله تتجلى وحنانه وغفرانه يشرقان للجميع لان الحب بطبيعته تواصل فهو يقود الى الانفتاح على الاخر والى استقباله دون انغلاق او انعزال الحب الالهي الذي يحركنا يحمل قوة الله فينا وفي العالم.
نتواصل مع الجميع لاننا جميعاً ابناء الله ونحن عائلة الهية واحدة لذلك تعبر الكنيسة باعمالها وكلامها عن الرحمة الالهية التي تنقلها وتشهد لحرارة الحب الكنسية للكنيسة الام.

 جسور الحب و الاصغاء والمجاورة 

التواصل يبني جسوراً من الحب والحوار والتفاهم والتلاقي والاحتواء فنعبر من اللاتفاهم او المجاورة الى المحبة فيحدث فينا عملية شفاء من البغض والحقد والكراهية والحسد ونبني ذاتاً سلامية ومجتمعاً سلامياً فنخرج من دوائر الاحكام المسبقة والانتقام والنفسيات المريضة الفاسدة والغرق في الحـقد وقـطع العلاقات بدل التراحم والتواصل واكتشاف قدرة الرحمة على شفاء العلاقات المدمرة والممزقة واعادة السلام والتناسق بين الفرح والجماعة وبين الاسر والجماعات وبناء حضارة المحبة والمصالحة وخلق اسلوب جديد للكلام والحوار والسلوك والتصرف.

 بركة الرحمة والحب 

الرحمة هي بركة لمن يمنحها ولمن يتقبلها والابتعاد عن الريبة والخوف والضغينة والانطلاق الى الشجاعة والمصالحة لتحقيق السلام وليس تفجر كبرياء الغلبة على عدو ووضعه في هامش الخاسر والمنبوذ.

الرحمة تساعد على تهدئة مصائب الحياة وتعطي بعض الحرارة للحياة والتواصل فنبتعد عن الخطيئة والعنف والفساد والاستغلال… فنحرر نفسنا والاخرين ونسكن شهوة الموت والقتل ونحمل رسالة الحنان والمحبة بالابتعاد عن الافعال القاسية والمؤذية ونمضي الى فضاء الحرية بعيداً عن مشاعر الرفض والانكماش.

 اسرة الحب والثالوث

علينا رؤية مجتمع متأصل في الرحمة في خياراتنا وفي مجتمعنا واسرتنا… فالمجتمع الانساني ليس فسحة يتنافس فيها غرباء بل هو بيت واسرة مفتوح على الحب واستقبال الاخر، من هنا اهمية الاحقاد والتواصل والتقاسم والمشاركة والقبول وليس السمع فقط. السمع يخص ميدان الاعلام اما الاصغاء فيفترض التواصل والتراحم والمجاورة.

الاحقاد عنصر انساني مميز في حياتنا انه ثالوثي الابعاد في وحدة الله وتبادل الحب بين الاب والابن والروح القدس، الابن هو حضور الرحمة الالهية بيننا والروح هو قوة الرحمة الفاعلة فينا.

Enguerrand_Quarton,_La_vierge_de_miséricorde_de_la_famille_Cadard_(1452)

لوحة عذراء الرحمة (1452) للرسام Enguerrand Quarton

 لا عنصرية ولا دونية

ونبتعد عن اي شكل من اشكال التمييز العنصري والانغلاق والاحتقار في سلوك عنيف يقتل اي وجه من اوجه الرحمة، فنعود الى احترام كرامة الاخر على ارض لقاء مع الاخر باختيار العليقة الملتهبة فاخلع فعلي وآتي الى ارض اللقاء مع الاخر الاخر هو نعمة المعنى التي تعطي لوجودي معناه. فانا كائن «المحبة» وليس كائن الانعزال والانفراد. لان الكينونة هي كينونة تنوجد بوجود آخر «يشيلني» من غربتي وعدميتي فاقبل قربان التنوع والتعدد واحترام الثقافات والحق بالاختلاف والمغايرة.

 الاخر هو موضوع الحب والخلاص

الاخر هو المرآة التي «تشيلني» من نرجسيتي والغرق والاختناق في جورتي وفقدان الحياة بل اسمع نداء الاخر الاتي من جميع حوريات البحر للرحيل والمرافقة مع الاخر والى الاخر وبالاخر، وهي عملية شفائية للذات وللعلاقات الانسانية والخروج بها من لذة القتل والشهوة القايينية او الذئبية لإتباع نبع حياة وفرح ومواكية للحياة والجمال والمحبة واعيش بتواصل وتراحم مع الاخر لاكون في المحبة واكون في الله لان الله محبة، من لا يحب الاخر لانه لا يحب الله، اذ كيف يحب الله الذي لا يراه وهو يبغض الانسان الذي يراه؟

الرحمة على الارض  تستمطر رحمة السماء 

الانسان بحالة مبادرة دائمة للقاء الاخر لتبقى انسانيته حية فيه لانه انقطع التواصل قطع شريان حياته ونزف حتى الموت. فالرحمة على الارض تستمطر رحمة السماء التراحم والتواصل متلازمان فمن رحم سواه رحم نفسه ونزلت عليه رحمة الله وبنى جسور التواصل وخصوبة المعاني والانوجاد سنة الرحمة الالهية تدعونا لندرك ان الله تواصل معنا بابنه الحبيب يسوع الرحوم واحبنا الابن حتى مات لاجلنا. فلا شيء إلاّ المحبة نتواصل بها بالرحمة مع الاخر ونسير الى واحة الفرح والخروج من صحراء البغض والكراهية والموت.

***

بعد رسالة قداسة البابا فرنسيس في اليوم العالمي الخمسين، لوسائل التواصل الاجتماعي: التواصل والرحمة: تلاق مستمر

circle-from-different-hands-Stock-Vector-circle-solidarity-tolerance

اترك رد