إيلي مارون خليل
(أديب وشاعر- لبنان)
أجملُ الطُّرُق إلى الآخر، وأكثرُها إشراقًا، وأفضلُها أمانًا، وأبْينُها قِصَرًا، هي ذاتُك!
مِثْلُ هذه الطّريقِ هِدايةٌ؛ فيها الرّؤيةُ والرّؤيا، تحملُ إليك الثّقةَ الإيمان الفرح، وتُشير إلى أنّ هذه الثّقة الإيمان الفرح، تنبُع منك. بكَ تؤدّي، وبالآخر، إلى الرّجاء.
وما لا شكّ فيه أنّك، كإنسانٍ عاقِلٍ راقٍ، كائنٌ اجتماعيٌّ بامتياز، إحدى غاياته الأكثر وضوحًا، الوصولُ إلى الآخر، من أجل حياةٍ جَماعيّةٍ هنيئةٍ آمنةٍ مُطْمئنّةٍ سعيدة. معًا تتواصلان، تتفاهمان، تنسجمان، تخطّطان، تتعاضَدانِ، تنجحان، تطمئنّان، تهنآن، ترجوان.
إذًا، هي طريقُ القِيَمِ. لأنها توصل إلى غاية الإنسانيّة الأكثر أهمّيّة: السّعادة! سعادة الفرد والجماعة معًا. وإلّا، فلِمَ الحياةُ الجَماعيّة في عيلة، جماعة، بلدة، وطن…!؟
أهي الذّاتُ أكثرُ الطُّرُقِ كمالًا، إلى الآخر!؟ لا تستطيعُ، هي، أن تكونَ فرديّةً فحسْبُ. ألفرديّة تيبس، تنقصفُ، تزول. يحتاج الفردُ إلى آخر. ومعًا؟ يحتاجان إلى آخر، فإلى آخر… به تكتمل الذّاتُ. ألا يُمكِن للذّات أن تحيا وحيدة!؟ أبدًا. كلٌّ يحتاج إلى ما يُكمِلُه. يُكمِلُه فكرًا، عاطفةً، حاجاتٍ مادّيّةً… وإلّا، فهو ناقصٌ مُفْضٍ إلى نقصان. كلٌّ يُكملُ الكلَّ، كلٌّ يحتاج الكلّ.
وهي أشدُّها إشراقا. أشَفُّها إضاءة. ألذّاتُ المُشرِقةُ شفيفةٌ يجتازها النّورُ فتعكسُه على نفسها والآخر والكائنات. فالنّورانيُّ يُنير. ألمُنيرُ هدايةٌ. ألهدايةُ تقود في الطّريق الصّحيح فيسهلُ عُبورُه. هنا، أيضًا، يحتاج إلى الكلّ. ألا تحتاج إلى الحديث، الحوار، الجدال، المُناظَرَة؛ ألا تطلبُ ذاتُكَ الأكلَ، الشّرابَ، الدّواءَ، الثَّوبَ!؟ ألا تحتاج إلى العِلْمِ، المعرفةِ، الثّقافةِ، الفنّ على أنواعه، الحضارة!؟ كيف لك بها من دون الآخر الشّريك!؟ كلُّ شريكٍ مُكمِلُكَ!
وهي، الذّاتُ، دربٌ إلى الإيمان. تؤمن بنفسِها، الذّاتُ. إيماني بذاتي أمرٌ حَتْميٌّ بامتياز. إلّم أكن مؤمنًا بي، بذاتي، بصفاتي، بأخلاقي، بقدراتي، بغايتي الأثيرة، الّتي هي نقطةُ تركيزي، فما الجَدْوى من وجودي!؟ ولا شَكَّ في أنّ الإيمانَ أمان! الأمانُ يؤتي الطّمأنينةَ، السّكينةَ، سلامةَ النّفْسِ، الاستقرارَ الثّابتَ المَكينَ. ما يؤكّد الثّقةَ، القُوّةَ، الّلتين تفترضان الإرادةَ العَزْمَ الفرح، وبه تُشرِقُ النّفْسُ تصفو ترقى تفهم ذاتَها تقتربُ من الآخر، تتفاعل معه، يبدأ التَّناغُمُ في سبيل الغاية القُصوى: سعادة الجميع.
وعليه، ألا تكونُ ذاتُكَ، ذاتُكَ الفاعلةُ المتوهّجةُ المُثَقَّفةُ الرّاقيةُ المُحِبّةُ المؤمنةُ الواثقةُ المُنفتِحةُ، طريقَك إلى الآخر، معًا تَسْمُوان تُشرِفان على الغدِ برؤيا واضحة، نتيجة رؤية موضوعيّة علميّة واقعيّة!؟
من خصائص الرّؤية، ومن خلال ماهيّتِها الموضوعيّة العِلميّة المنطقيّة الواقعيّة، أن تكونَ هادفة. والهدفُ الأساسُ هو الانطلاقُ منها، لهندسة المستقبل ـ الحُلم.
وهذا المستقبلُ ـ الحُلمُ، يكون لفردٍ ولجماعة. وبما أنّ ذاتك راقيةٌ مُحِبّة، فهي تعتبر أنّ ما هو لها، هو، في الوقت عينِه، للآخر، أيّ آخر. لا يستطيع الإنسان الصّادقُ أن يسعد بمفرده، وبما أنّ السّعادة نتيجةُ عمل جَماعيّ، فهي حالةٌ جَماعيّة. تمامًا كما أنّ النّجاحَ عملٌ جَماعيّ، ويُصبح حالةً جَماعيّة. هذه الحالةُ الجَماعيّةُ وليدةُ الذّاتِ الفرديّةِ الصّافية الذّائبةِ في الجماعة. فلا قيمة لذاتٍ وحيدة؛ قيمةُ الذّاتِ في تَواصُلها، انفتاحِها، سُكناها في الذّات الأخرى. ألتَّواصُلُ تَخَلٍّ عن بعض أنانيّة، بعض تَكَبُّر، إقرارٌ بنقصان، بحاجة، اعترافٌ بأنّ الوحدةَ جَفافُ نفْسٍ. تريد نفسَكَ خصبةً، إخلعْ شرنقتَها، أخرجْ بها إلى النّور، الحرّيّة. ألحرّيّة نور. ألنّورُ انطلاقٌ إلى الفضاء الوسيع، فضاء الحُرّيّة.
والانفتاحُ انصبابٌ نحو الآخر، ففيه، من دون امّحاء! ذاتُك ليست لك وحدك! هي الذّاتُ الكلّيّةُ. الذّاتُ التّائقةُ، أبدًا، إلى الذّات الأخرى.
كلُّ ذاتٍ فرديّة قُصوى، ذاتٌ جَماعيّةٌ قُصوى. فذاتُك طريقُك إلى الآخر. طريقُكَ الأسْمى كمالًا، الأشَدُّ إشراقًا، الأبعد أمانًا، الأكثر قِصَرًا…
ألتّفكيرُ هذا، بهذه الإرادةِ الثّقةِ القناعةِ… أليس هو الرّجاء الأغنى خصبًا، المؤدّي، حتمًا وعفويّا، إلى المِثال!؟
الجمعة 22-1-2016