لماذا جماعة عمان لحوارات المستقبل (9) المسؤولية الفردية… والروحية الجماعية

الكاتب بلال حسن التل

 اكدنا في المقال السابق على أهمية الانسان الفرد في التغيير، وان من اولويات جماعة عمان لحوارات bilal talالمستقبل السعي للمساهمة في بناء الانسان الفاعل القادر على إحداث التغيير في مجتمعنا، لان الجزء الاكبر من الظواهر السلبية في مجتمعنا مرتبطة بسلوك الافراد، ومن ثم فان تغيير هذا السلوك يسهم في حل الكثير من مشاكلنا.. والامثلة على ذلك كثيرة منها، على سبيل المثال لا الحصر:

 أن الكثير من مشاكلنا الاقتصادية لها علاقة كبيرة بسلوكنا الفردي، ومن ثم فإن حل جزءٍ كبيرٍ من أزمتنا الاقتصادية يمكن ان يتم من خلال تعديل هذا السلوك، بتخلصنا من الكثير من الإنفاق على المظاهر في حياتنا اليومية، فما هو مبرر أن يمتلك معظمنا أكثر من خط وأكثر من جهاز هاتف نقال، نمضي جلّ وقتنا بالثرثرة من خلالها حول قضايا غير ضرورية، ثم نشكو من ارتفاع فاتورة الهاتف النقال، غير ملتفتين إلى ما هو أهم من فاتورتنا الشخصية للهاتف النقال..

 أعني الفاتورة الوطنية، التي يمكننا التخفيف منهما ان نحن قننّنا استخدام هذه التكنولوجيا بما هو ضروري، لنخفف من حجم التحويلات المالية بالعملة الصعبة الى خارج وطننا، وهو بالضبط ما يمكن ان يتم ايضا لو اننا نجحنا كافراد في تعاملنا مع العمالة الوافدة، خاصة في البيوت، حيث ان جزءًا كبيرًا من هذه العمالة مرتبط بنزوعنا كأفراد الى المظاهر الزائفة من جهة، والى عزوف شبابنا عن العمل اليدوي، وتفضيلهم البطالة والتسوّل المقنع عليه، بكل ما يسببه هذا العزوف من مشاكل اجتماعية، ونزف اقتصادي نستطيع كأفراد ان نُسهم في وقف جزء كبير منه، وحل الكثير من المشاكل الناجمة عن العمالة الوافدة.

 وفي إطار دورنا كافراد في حل مشكلاتنا الاقتصادية، يمكننا أن نتحدث عن آفة التدخين، وهذا الانتشار السرطاني «للأرجيلة»، خاصة بين شبابنا. التي صارت تُشكل عبئًا على فاتورة مصاريف الأسرة، علمًا بأن فاتورة استيرادنا السنوي من التدخين تزيد عن المليار دولار، لذلك نستطيع القول: إن حل جزءٍ كبيرٍ من مشاكلنا الاقتصادية، يمكن ان يتم إن نحن أحسسنا كأفراد بالمسؤولية؛ وان جزءًا كبيرًا من أسباب أزمتنا الاقتصادية له علاقة بسلوكنا الفردي الذي صار بحاجة إلى تقويم.

 ومن الأمثلة الصارخة على دور الافراد في حل مشاكلنا المستعصية من خلال تقويم سلوكنا كأفراد. مشاكل السير وأزماته واختناقاته التي نعاني منها على مدار الساعة، دون ان نعترف بأن جزءًا كبيرًا من هذه المشاكل ناجم عن سلوكنا الخاطئ كأفراد، وعن عدم تقيدنا بقواعد وآداب السير. كسير أحدنا بسيارته بعكس السير، او تغيير مسربه في الشارع، وكتوقف سيارتين في عرض الشارع ليتبادل سائقاها الحديث، وهو ما ينطبق أيضًا على وقوف سائق التاكسي في عرض الشارع لمفاوضة زبون. وكإيقاف المصلين سياراتهم في عرض الشوارع وإغلاقها، خاصة أيام الجمع.. فبالتأكيد إن جزءًا كبيرًا من مشكلات السير واختناقاته وعذاباته سببها سلوكنا كأفراد.

 وارتباطًا بسلوكنا كأفراد أيضًا، فإن جزءًا كبيرًا من معاناتنا مع الروتين، عند مراجعتنا لدوائر الحكومة ومؤسساتها، يرتبط بسلوك الأفراد من الموظفين الذين لا يقومون بواجباتهم، ويهربون من مكاتبهم، ومن ثم فان جزءًا من حل مشاكلنا الإدارية ناتج عن تهربنا من مسؤوليتنا كأفراد، وحلها ان يحس كل موظف بانه مسؤول، وان يتذكر بانه مواطن سيراجع دائرة أخرى، فليعامل الناس بما يحب ان يعاملوه به.

 وارتباطًا بالسلوك الفردي أيضًا، فإن حل جزء كبير من مشاكلنا البيئية يرتبط بسلوكنا كافراد، لأنها مشاكل ناجمة عن سوء تصرفنا مع البيئة، وقبل ذلك مع النظافة بشكل عام.. من ذلك هذه البقايا والمخلفات التي نقذف بها من نوافذ البيوت، ونوافذ السيارات، فنحيل طرقاتنا إلى مكبات للنفايات. بالإضافة إلى هذه الأكوام من القمامة التي نضعها أمام بيوتنا، وهذا كله من عوامل تدمير البيئة، وتدمير مستوى النظافة في مدننا، ومن أسباب انتشار الأمراض، وهذه كلها نستطيع ان نُعالجها ان أحسسنا بمسؤوليتنا كأفراد نحو بيئتنا.

 وعلى صعيد مشاكلنا الاجتماعية، فجلّنا يشكو من ارتفاع تكاليف الزواج، وما ينجم عن ذلك من مشكلات اجتماعية أقلها العنوسة، وأخطرها فتح أبواب الانحراف على مصاريعها، دون ان نسأل ما الداعي لهذه المظاهر الزائفة التي تقصم ظهر من يريد الزواج من شبابنا، ابتداءً من الجاهات الزائفة التي صارت علامة من علامات النفاق الاجتماعي في بلدنا، مرورًا بالحفلات الفارهة بالفنادق، وصولاً إلى الأثاث الذي يبقي الشاب أسير الدين وذله مدى الحياة، ومن ثم يقوده ذلك إلى قاعات المحاكم للطلاق، الذي صار علينا ان نقف برعب أمام الارتفاع المضطرد سنويًا في نسبته في بلدنا. خاصة بين الأزواج الشباب، وعلاقة الجانب الاقتصادي بذلك، مع ان الحل يكمن في أيدينا كأفراد ان نحن صححنا سلوكنا، فتخلصنا من مظاهر النفاق الاجتماعي، الذي حول الزواج إلى مشروع انتحار اقتصادي.

كثيرة هي مشاكلنا التي يمكن ان نحلها من خلال تنمية احساسنا كأفراد بالمسؤولية تجاه انفسنا وتجاه مجتمعنا، ثم قوّمنا سلوكنا على ضوء هذا الاحساس، وهذه قضية على جماعة عمان لحوارات المستقبل ان تجعلها من اولوياتها من خلال على تنمية الاحساس بالمسؤولية الفردية في مجتمعنا ثم بناء روح الجماعة والمسؤولية الجماعية فيه.

*****

 (*)  رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمات لحوارات المستقبل” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.

اترك رد