د. جــودت هوشيار
ليس المقصود بهذا العنوان، الوزراء العراقيون، الذين يحملون الجنسيات الأجنبية، بل اختيار أجانب تكنوقراط وتعيينهم وزراء في الحكومة العراقية، على أمل أن يصلحوا حال البلد في مجالات الطاقة والاقتصاد والصحة والخدمات ومجالات أخرى.
وزراؤنا الذين يحملون الجنسيات الأجنبية عاش معظمهم في الدول الغربية لسنوات طويلة، وتلقوا المعونات الاجتماعية من راتب وسكن وضمان صحي،على حساب دافعي الضرائب الغربيين (الكفار)، وعادوا إلى البلاد، كما ذهبوا، دون أن يكتسبوا أي علم أو خبرة أو ثقافة، ولم تؤثر الحضارة الغربية في تغيير عقلياتهم وسلوكهم. عادوا بعدما مهد لهم الاجتياح الأميركي فرصة ذهبية للإثراء على حساب المال العام وشقاء المواطن العادي.
وقد اثبتت تجارب السنوات العشرالأخيرة، عدم صلاحيتهم لتولي مناصبهم، لافتقارهم إلى المؤهلات المطلوبة (الخبرة، والكفاءة، والنزاهة) ، وتغليب مصالحهم الحزبية والشخصية على مصالح البلاد .
أما الخبراء الأجانب – إذا تم تعيينهم كوزراء في الحكومة العراقية – فإنهم لن يدخلوا في معمعة الصراع السياسي على السلطة والمال والنفوذ، لأنهم لا ينتمون إلى أي قوى سياسية في العراق. وليس لهم أقارب أو مقربين لتعيينهم في وزاراتهم ولا يرتبطون بعلاقت عمل مع مقاولين أو رجال أعمال محليين، وهم سيؤدون واجباتهم على أحسن وجه، ويتخذون القرارات الصحيحة دون التفكير في جعل وزاراتهم مصدراً للإثراء الشخصي.
جمهورية أوكرانيا، التي تعاني من أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية حادة، ومن الفساد الإداري والمالي، لجأت إلى تعيين عدد من الخبراء الأجانب في مناصب وزارية ووظائف تنفيذية عليا في البلاد. هاجس الفساد هو الذي دفع الرئيس الأوكراني بيتر يوريشينكو للقيام بخطوة غير مسبوقة، حيث منح عدة شخصيات أجنبية الجنسية الأوكرانية لتمكينهم من تولي مناصب وزارية في الحكومة.
ويعتقد يوروشينكو، أن تعيين مسؤولين بعقلية غربية في المناصب الحكومية سيجنبها موجة الفساد التي تجتاح البلاد.
وفي هذا السياق، أنيطت حقيبة وزارة المالية الى المواطنة الأميركية ناتاليا ياريسكو، التي عملت سابقاً خبيرة مالية في وزارة الخارجية الأميركية، وحقيبة وزارة الاقتصاد إلى رجل الأعمال اللتواني آيفاراس أبراموفيج، ووزارة الصحة إلى المواطن الجورجي الكساندر كفيتا شفيلي، وزير العمل والصحة السابق في جمهورية جورجيا… وجرى الأمر ذاته على مستوى وكلاء الوزارات في القطاعين الاقتصادي والصحي.
كذلك تم تعيين تكنوقراط أجنبي لرئاسة (مكتب مكافحة الفساد). وقد برر الرئيس يوريشينكو هذا التعيين الأخير أمام البرلمان الأوكراني قائلاً: “لا توجد للمرشح أي علاقات مع النخبة السياسية الأوكرانية، فهو ليس صهراً أو نسيباً أو أخاً لأحد في أوكرانيا، ويقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية في البلاد، ويضمن العمل الفعال للمكتب”.
وفي الثلاثين من شهر أيار الماضي، أصدر يوريشينكو مرسوماً بمنح الجنسية الأوكرانية إلى الرئيس الجورجي السابق ميخائيل سكاشفيلي، ومرسوماً آخر بتعيينه محافظاً لمقاطعة أوديسا. وقد صرح سكاشفيبي إثر تعيينه قائلاً : “إن معظم المسوولين الكبار في المقاطعة، سيتم الاستغناء عن خدماتهم وإحلال شباب كفوئين محلهم عن طريق المنافسة الحرة. علينا التخلي عن المشاكل المفتعلة وتوحيد المحافظة والتوصل إلى السلم الأهلي والسير في طريق التنمية وخلق قواعد شفافة للجميع”.
العراق بمسيس الحاجة إلى وزراء تكنوقراط أجانب، لإصلاح ما خربه وزراء المحاصصة، خبراء لهم رؤية اقتصادية مدروسة وواضحة للنهوض بالاقتصاد العراقي، واعادة بناء وتطوير البنى التحتية وتوفير الخدمات العامة. ولكن ثمة عقبات تقف حائلاً للاقتداء بالتجربة الأوكرانية :
أولها أن الجارة العزيزة إيران الإسلامية ستعترض حتماً على الاستعانة بالكفار لتمشية أمور بلد إسلامي كالعراق، كما اعترضت على السفير السعودي المعين في العراق.
وثانيها، أن إعطاء عدة حقائب وزارية للأجانب سيكون على حساب القوى السياسية المشاركة في حكومة حزب الدعوة الحالية. ولا شك في أن صراعاً لا تحمد عقباه، سينشب بين تلك القوى. ليس ثمة في عراق المحاصصة كتلة سياسية يمكن أن تضحي بحقيبة – أكاد أقول بقرة حلوب – وزارية من حصتها خدمة للصالح العام.
ولو افترضنا جدلاً أن الجارة العزيزة ستغض الطرف عن الاستعانة بتكنوقراط كفار لإدارة بعض الوزارات في منطقة نفوذها ومجالها الحيوي، وستقوم الأحزاب السياسية بتغليب المصلحة العامة على مصالحها الحزبية والفئوية والمذهبية ولو مرة واحدة في حياتها، ومع ذلك فإن ثمة عقبة كأداء تقف في وجه تحقيق هذا الحلم وهي: هل يوجد تكنوقراط أجنبي كَفء، ورفيع المستوى يقبل العمل في العراق في ظل الأمن المفقود وتسلط الميليشيات على الملف الأمني؟
أقول هذا الكلام عن تجربة، فقد وجهت الدعوة إلى كاتب روسي صديق لزيارة أقليم كردستان. وجرت الأمور في البداية بسلاسة، وقبيل مغادرته موسكو توجه إلى مكتب لحجز مقعد على إحدى الطائرات المتوجهة إلى أربيل عبر تركيا. ولكن موظف المبيعات في شركة الطيران المعنية، رفع حاجبيه دهشةً واستغراباً، وقال: هل تمزح؟ مجنون من يسافر إلى العراق هذه الأيام.
قال الصديق: ولكنني أسافر إلى اقليم كردستان وهي منطقة آمنة. فما كان من موظف المبيعات إلا أن قاطعه قائلاً: اليس الإقليم جزءاً من العراق؟ أنت حر. ولكن لا أنصحك بالذهاب إلى العراق والمخاطرة بحياتك، إن لم تكن مضطراً إلى ذلك. وعدل صديقي عن السفر واعتذر لي عن قبول الدعوة قائلاً: “فكرت بعائلتي الصغيرة، زوجتي و ابنتي”.
ما يشاهده المواطن الأجنبي يومياً على شاشات الفضائيات من تفجيرات ودمار ومجازر ومآسٍ إنسانية ، لا يترك مجالاً للشك أن السفر الى العراق محفوف بالمخاطر .
إذن حتى لو وافق التكنوقراط الأجانب على إشغال مناصب وزارية في العراق، ولكن من يضمن أمنهم في عاصمة الرشيد التي تحولت إلى عاصمة للميليشات تجول فيها وتصول، وتفعل ما تشاء دون حسيب أو رقيب؟
كلام الصور
1- الرئيس الأوكراني بيتر يوريشينكو
2- الرئيس الجورجي السابق ميخائيل سكاشفيلي
3- لا لنظام المحاصصة