الباحث خالد غزال
مرور عام على إعلان الخلافة باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وبالتوازي معها إعلان تحالف دولي على الإرهاب، يطرح سؤالاً عن الدولة والحرب والمآل الذي وصلت اليه.
بتركز التحليل على «داعش» من خلال ما تقوم به من إرهاب في البلاد العربية وخارجها. لكن «داعش» احتلت مناطق واسعة وتعمل على إدارتها، فكيف تحكم هذه البلاد الشاسعة؟ السؤال مشروع جواباً عن ان معلني الدولة قدموا حكمهم في وصفه نموذج العدالة والحكم الرشيد. ما يمارسه «داعش» أسوأ أشكال الاستبداد والعنف وإعادة المجتمعات العربية الى العصور الحجرية. يكفي أن أكثر من ثلاثة آلاف عملية إعدام نفذتها هذه الدولة في مناطق عراقية وسورية.
بالتوازي مع توسع «داعش» واحتلالها مناطق جديدة في العراق وسورية، بعد عام من إعلان الحرب عليها، يطرح سؤال عن طبيعة هذه الحرب ومدى جديتها ووظائفها وكيفية إدارتها من الأطراف القائمة بها. لماذا تعجز هذه الدول عن إنهاء الظاهرة الداعشية، وتمنع انتقال حربها الى أكثر من مكان في العالم؟ بعد عام من هذه الحرب، تثار شبهات وشكوك حول هذه الإدارة. فالولايات المتحدة الأميركية تقود هذا التحالف وتتحكم بمسار العمليات العسكرية، ما يجب ان يضرب وما يمتنع التعرض له. يجري التساؤل المشروع حول ما اذا كانت الولايات المتحدة ومعها عدد من الدول الإقليمية من تركيا الى إيران الى سورية الى العراق، تريد حقاً إنهاء ظاهرة «داعش».
مما لا شك فيه ان «داعش» بات «مشروعاً استثمارياً» مهماً لدول التحالف وبعض الدول العربية، كل طرف يوظفه في خدمة مصالحه. باتت الخطة واضحة وتتحدث عنها الصحف الأجنبية نفسها. فصحيفة «ذي تلغراف» أوردت معلومات عن دور الولايات المتحدة في منع تسليح قوى المعارضة العسكرية السورية حتى لا يختل ميزان القوى فيسقط النظام. كما تدورالشبهات حول احتلال «داعش» لمنطقة تدمر بعد قطع قواتها مسافات طويلة في الصحراء، فلماذا لم تقم قوات التحالف بضربها، وهي العارفة بكل التفاصيل الجارية على الأرض؟ وكيف عجزت قوات التحالف عن منع احتلال الرمادي في العراق؟ ولماذا الامتناع عن تسليح العشائر في الأنبار؟ اسئلة كثيرة مطروحة في وجه التحالف ومناصريه.
مشروع الاستثمار في الحرب على «داعش» تجد فيه كل دولة مصلحة معينة. فالولايات المتحدة تريد استمرار الحرب وعدم حسمها وفق تصورات بعضها أوهام، منها ان تجميع الإرهابيين في العراق وسورية يبعدهم عن الولايات المتحدة، وان هذا التجميع سيؤدي الى إبادة الإرهابيين لبعضهم البعض، وان هذ الحرب تساعد في استنزاف روسيا وايران، وتبعد خطر «حزب الله» عن الحــدود مع اسرائيل عبر إغراقه في وحول الحرب الأهلية السورية، وأخيراً، ستفيد الشركات الأميركية لاحقاً من تدمير البنى التحتية الجارية بقوة، لإعادة التوظيف في عملية البناء في العراق وسورية.
بالنسبة الى النظام الإيراني، يريد تواصل الحرب بما يعطيه مشروعية في التدخل العسكري والهيمنة على العراق وسورية، وتقديم أوراق اعتماد اضافية الى الولايات المتحدة والغرب، في سياق البحث عن اتفاق حول البرنامج النووي. كما تقدم الحرب لإيران مادة سياسية تقول من خلالها للعرب انها الدولة القادرة على إنقاذهم من براثن الإرهاب، في وقت تشكل إيران عنصراً أساسياً في توليد هذا الإرهاب ورعايته وتقويته. أما النظام السوري، وبعد ان فقد ثلاثة أرباع سورية وباتت خرج سيطرته، فلم يبق له من شرعية لاستمراره سوى الادعاء بمحاربة الإرهاب، ووضع العالم أمام خيارين، إما وقوع سورية كلها في يد الإرهابيين، او الحفاظ على سلطته في حكم سورية، وهو الطرف المولّد لهذا الإرهاب بشكل رئيسي. اما الحكم العراقي، فالشبهات حول جعل «داعش» تتوسع عليها أكثر من دليل، تبدأ من كيفية تسليم الموصل وصولاً الى تسليم الرمادي الى قوات «داعش». وأخيراً تبدو تركيا مرتاحة الى هيمنة «داعش» في غير منطقة، والمعلومات متكاثرة عن دخول الإرهابيين عبر أراضيها الى سورية.
مثلما فشلت دولة الخلافة في ان تشكل نموذجاً سياسياً مختلفاً عن أنظمة الاستبداد السائدة، فقدمت نماذج أسوأ بكثير، فشل التحالف الغربي والعربي في حربه على الإرهاب. لا يمكن لهذه الحرب ان تنجح طالما ان بشار الأسد وزمرته يتحكمون بمصير سورية، كما ستعجز هذه الحرب عن النجاح طالما ان العراق تحكمه سلطة ممعنة في التمييز الطائفي والمذهبي، كما ان هذه الحرب ستستمر طالما ان قانون التلاعب بمصير الدول العربية هو القانون السائد لدى الولايات المتحدة والدول الغربية. ولن تنجح الحرب على الإرهاب فيما النظام الإيراني يتوسع نفوذه الاقليمي من خلال التسعير الطائفي والمذهبي واستعادة صراعات تعود لخمسة عشر قرناً. كل ذلك يؤشر الى ان الحرب على الإرهاب باقية وستطول وستقدم مزيداً من تدمير البشر والحجر في البلاد العربية.