د. عبدالله بوحبيب
الاتفاق على الملف النووي لإيران سيحصل. ستتواصل الاجتماعات بين جنيف وفيينا إلى أن يتم وينتهي خلاف الدول الغربية معها. هذا هو الباب لدخولها النظام الدولي وانخراطها فيه سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً وتقنياً.
بالرغم من أن الولايات المتحدة ليست المستفيدة الأساسية من هذا الاتفاق، لكن لها مكاسب كثيرة، أولها انضمام طهران إلى المجتمع الدولي بحيث أن المشاكل معها – وما أكثرها – تعالج في اجتماعات ولقاءات واتصالات بين مسؤولي البلدين، وليس بالواسطة وفي الإعلام. ايضاً يتوقف الضغط على واشنطن من حلفائها الإقليميين لإبقاء إيران معزولة دولياً، أو ممنوعة من التخصيب النووي للأغراض السلمية.
اقتصادياً، لن تستفيد الولايات المتحدة مقدار استفادة الدول الغربية من إزالة العقوبات على إيران. العقوبات المتعددة التي وضعها الكونغرس على الشركات الأميركية للعمل هناك، ستأخذ وقتاً طويلاً لتذليلها بسبب المعارضة الداخلية القوية لمنع تطبيع العلاقات الأميركية – الإيرانية بالسرعة التي يتمناها الرئيس باراك أوباما. بكلام آخر، لن تعود «المياه إلى مجاريها» ــ أي إلى ما قبل ثورة شباط 1979ــ بين واشنطن وطهران مباشرة بعد الاتفاق على الملف النووي. يتطلب تطبيعُ العلاقاتِ بين شعبين وقيادتين سياسيتين، انقضت على العداء القوي بينهما عقود طويلة ومواقف وإجراءات قاسية، الوقتَ الطويلَ، ومصالح مستقبلية كبيرة تفوق النيات الحسنة التي تظهر من خلال التصرف المرن لوزيري خارجية البلدين، أحدهما حيال الآخر.
إلى ذلك، من المعروف أن إسرائيل وغيرها من دول المنطقة لن تكون معارضة لاتفاق الدول الخمس زائدا واحدا مع إيران وحسب، إنما ستعرقل تنفيذه في واشنطن للتأكد من أن التطبيع بينهما سيطول.
من جهة أخرى، لن تحتاج الدول الأوروبية الغربية إلى هذا المقدار من الوقت. لم تتأزم علاقاتها وطهران مقدار تأزمها مع واشنطن، ومعظمها أبقى قدراً من العلاقات الديبلوماسية معها. لذلك، تقوم معظم الشركات الأوروبية، بمساعدة حكوماتها، بالاتصال بالإيرانيين حكومة وشركات تجارية وإنمائية من أجل بدء العمل لديهم بعد إقرار الاتفاق من مؤسسات الدول المعنية ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي.
إيران هي المستفيد الأكبر من الاتفاق اقتصادياً وديبلوماسياً ونفوذاً. تحرر، أولاً، معظم أموالها المجمدة التي كان قد أودعها الشاه في الولايات المتحدة. ثم أن القيود المالية والتجارية عليها ستلغى ما يسمح لها باستعادة دورها في التجارة الدولية وتصدير النفط الذي قد يبلغ ثلاثة ملايين برميل يومياً، إلى إمكان زيادة كبيرة للإنتاج في السنوات المقبلة. كذلك فإن مجموع تصدير إيران والعراق من النفط سيوازي ما تصدره السعودية قبل انتهاء هذا العقد، وقد تتصدر المنتوجات غير النفطية لإيران الأسواق الغربية بعدما حرمت لعقود من دخولها. وفي غياب اتفاق بين دول الأوبيك (OPEC) لضبط الأسعار والتصدير، فإن زيادة إيران صادرات النفط قد تخفض سعره ما يفيد الدول المستوردة، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي التي تواجه منذ سنوات مشاكل اقتصادية كبيرة.
كذلك، فإن وقف العقوبات الاقتصادية على إيران يعطيها بحبوحة مالية توفر لها الاستمرار في دعم نفوذها في العالم العربي وغيره وتوسيعه، ما يغيظ أخصامها في المنطقة وخاصة السعودية وتركيا وقطر وإسرائيل.
أما ديبلوماسياً، فإيران التي تفاوض اليوم الدول الخمس زائداً واحداً، ستصبح المحور الرئيسي في حل المشاكل العميقة في الشرق الأوسط ابتداء من اليمن وصولاً إلى سوريا ولبنان. طبعاً لن يكون هناك احتكار لها من الجهة الإقليمية، إنما ستكون السعودية أيضاً فريقاً أساسياً في محاولة حل المشاكل الإقليمية. لن تتخلى الولايات المتحدة عن صداقتها وحلفها مع السعودية مهما كان التصرف الانفعالي لحكام المملكة تجاه واشنطن والرئيس أوباما.
هنا من المفيد التنويه بأن حل مشاكل المنطقة لن يكون أوتوماتيكياً بعد الوصول إلى اتفاق على الملف النووي. يستفيد إمكان حل هذه المشاكل من التقارب بين واشنطن وطهران، لكنه يعتمد حتماً على الدول الإقليمية وخاصة التعاون بين الرياض وطهران. لكن موقفي البلدين من هذه المشاكل ليسا في الوقت الراهن لمصلحة إيجاد الحلول. التفاوت بين موقفيهما يكبر يومياً. السعودية مثلاً لا تزال تعتبر أن لا شأن لإيران في القضايا العربية، وأن تدخلها يسبب معظم المشاكل الراهنة.
لذلك من المفيد للبنان واستقراره أن لا يعتمد سياسيوه، إلى أي جهة انتموا، على ما يفرزه الاتفاق لأن إفرازاته الإيجابية للمنطقة لن تكون في المدى القصير، بل ربما أفرز المزيد من الاضطرابات نظراً إلى تباين المواقف الإقليمية حوله. كذلك فإن مشاكل لبنان بسيطة نسبياً مقارنة بالمشاكل الأخرى في المنطقة. من ثم لن تقوم الدول المعنية بورشة حل مشاكل لبنان الداخلية وحسب، بل ترى في خلافنا المصطنع مناسبة للشفقة.
*****
(*) السفير، الأربعاء 8 يوليو 2015