بعد صراع مع المرض، غيب الموت البروفسور في جراحة الدماغ والأعصاب جدعون محاسب، مؤس ورئيس قسم جراحة الدماغ والأعصاب في مستشفى أوتيل ديو (1973-1992)، حامل وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور (1992)، رئيس “الجمعية اللبنانية لجراحة الدماغ والأعصاب” (1991-1994)، مؤسس ورئيس شرف مدى الحياة لـ”الجمعية العالمية لجراحي الدماغ والأعصاب اللبنانيين”، مؤسس وعميد كلية الطب في جامعة الروح القدس (الكسليك)، بين 2002 و 2007.
البروفسور محاسب من مواليد 12 مايو سنة 1927 في غوسطا. والده منصور بن يوسف بن جدعون، والدته لبيبة، ابنة يوسف فرنسيس يوسف البري من غوسطا، عمه الخوري الياس محاسب خادم الرعية المارونية في الاسكندرية.
تأهل من الكاتبة ليلى جورج الخوري في 14 كانون الأول من سنة 1963، وله أربعة أولاد: سابين، وكلودين، وإيلي، وجورج.
تلقى علومه الابتدائية في قريته، ثم في مدرسة عين ورقة (بإدارة جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة) لمدة ثلاث سنوات تلميذا داخليا، ثم في مدرسة الأخوة المريميين في جونيه لمدة سنة، بعدها مدرسة الأيتام المهنية للآباء اللعازاريين في بيروت في السنة الثانية. ثم عاد فالتحق بمعهد الرسل في جونيه منذ تأسيسه في 7 تشرين الأول من سنة 1940، فأنجز فيه علومه التكميلية والثانوية، حائزا شهادة البكالوريا في العام 1947. وفي معهد الرسل انضم إلى فوج “كشاف الرسل”.
درس سنة العلوم التحضيرية في جامعة السوربون، قبل أن ينتقل إلى مونبلييه، وفي العام 1954 أنهى جدعون دراسة الطب العام بامتياز في جامعة مونبلييه، إلا أن إنجازه الفذ تمثل في اجتيازه “مباراة الإقامة” (Concourt d’internat) في العام 1956، وكان أول طبيب لبناني يسجل هذا السبق الأكاديمي في تاريخ الجامعة.
شرع في ممارسة الطب في المستشفى، أولا كجراح مساعد، ثم كجراح مسؤول، منصرفا طوال ست سنوات إلى التخصص في جراحة الدماغ والأعصاب (neurochirurgie)، تحت إشراف البروفسور غرو، بين العام 1956 والعام 1961. فحاز، في تلك السنوات، على دبلوم في الطب المجلوب (Médecine exotique)، في العام 1958، ثم شهادة الدكتوراه في جراحة الدماغ والأعصاب بأعلى درجات الشرف مع تقريظ اللجنة الفاحصة وجائزة كلية الطب في جامعة مونبلييه عام 1960، ودبلوم دراسات خاصة في طب النفس الدماغي (Neuro-psychiatrie)، في العام 1961، قبل أن يعين “رئيس عيادة” في كلية الطب في جامعة مونبلييه. وكانت خاتمة عمله ودراسته في فرنسا، التحاقه بـ”مستشفى فوش” في باريس، التابع لجامعة باريس، لمدة ستة أشهر (تموز-كانون الأول من سنة 1961).
عاد إلى بيروت سنة 1961، بعد أربع عشرة سنة متواصلة من الدرس والتميز، وبعد تمرسه بتقنيات جراحية جديدة وجريئة مع البروفسورين غرو وجيرار غييوه (gérard Guiot). وسيكون الدكتور الشاب أول من يدخل هذه التقنيات إلى لبنان والشرق الأوسط، فضلا عن غيرها مما أتقنه لاحقا في بورلينغتون بالولايات المتحدة الأميركية، أو في مراكز أوروبية مرموقة في جراحة الدماغ والأعصاب، أو مما عمل عليها وبلورها بنفسه.
بدأ الطبيب جدعون عمله في “مستشفى أوتيل ديو” بصفة “مستشار”، وعمل في عدة مستشفيات (رزق، اللبناني، المقاصد، البربير، مار يوسف الدورة وغيرها). ثم بدأ مسيرة تدريسية في كلية الطب في جامعة القديس يوسف، إلى جانب ثمانين جراحة ناجحة في الدماغ والجهاز العصبي أجراها في العام 1962 وحده.
أجرى جراحات استثنائية في لبنان وخارجه، مثل: أول عملية تجسيمية لمعالجة مرض “الباركنسون” في العام 1962، أو إدخاله تقنية الجراحة عبر الأنف للغدة النخاعية في العام 1967، وعملية “كلووارد” في السنة عينها، والجراحة الميكرووية مع التجلط الثنائي القطب في العام 1969، وجراحة استئصال النصف الدماغي في العام 1977، وجراحة سد الأورام الوعائية بالسانوكريلات في العام 1980 وغيرها الكثير.
اجتاز بامتياز مباراة “الأستذة” الرسمية في باريس في العام 1966، وتدرج في رتبه الأكاديمية المختلفة في كلية الطب في جامعة القديس يوسف، وعمل في العام 1969 على وضع أول مدماك في تأسيس قسم جراحة الدماغ والأعصاب في مستشفى أوتيل ديو، برتبة رئيس قسم مشارك، قبل أن يستقل القسم نهائيا يوم تعيين الدكتور محاسب رئيسا له في العام 1973، بعد بلوغه أعلى رتبة جامعية، وهي: الأستاذ الأصيل، في العام 1972. وظل البروفسور محاسب يدرس مادة جراحة الدماغ والأعصاب في جامعة القديس يوسف حتى العام 1994، بعد عامين على تقاعده القانوني.
لم ينقطع البروفسور محاسب، رغم مسؤولياته الكثيرة وعملياته الجراحية، عن متابعة البحث العلمي، مشاركا في كثير من المؤتمرات العلمية الدولية، محاضرا فيها، ناشرا العديد من البحوث العلمية في نطاق اختصاصه. وهو عضو مؤسس في كثير من الجمعيات المحلية والدولية، كما ترأس “الجمعية اللبنانية لجراحة الدماغ والأعصاب” (1991-1994)، وكان أمين سر “جمعية جراحة الدماغ والأعصاب في الشرق الأوسط” (1992-1996)، وهو العضو المؤسس للجمعية العالمية لجراحي الدماغ والأعصاب اللبنانيين، والرئيس الفخري لها لمدى الحياة.
حفلت حياته بالنشاط الاجتماعي، منها تأسيسه لنادي روتاري كسروان في العام 1975، وترؤسه له لدورتين، ورئيس لجنة وقف دير مار شليطا-مقبس منذ العام 1969، وعضو الهيئة الإدارية لـ”مؤسسة البطريرك الدويهي” وغيرها.