لماذا جماعة عمان لحوارات المستقبل -7- بناء الثقة والأمل

الكاتب بلال حسن التل

 قلنا في المقال السابق: ان جماعة عمان لحوارات المستقبل في اطار سعيها لتحديد اولويات عملها أجرت bilal talسلسلة من الحوارات والمشاورات مع اصحاب التجربة واهل الرأي، تمكنها من وضع أولويات عملها من خلال فهم المشكلات التي تواجه الأداء في مختلف قطاعات الدولة بكل مكوناتها، وتحول دون تحقيق الأهداف المرجوة.

 وبناء على هذا الفهم المستمد من التجربة الميدانية العملية، والمستند الى رؤية واضحة، يمكن السعي الى طرح البدائل والحلول لمشكلاتنا وفق الامكانيات المتاحة. فإحدى آفاتنا، انه في كثير من الأحيان كانت وما زالت طموحاتنا وتطلعاتنا ومطالبنا الفردية والجماعية اكبر من طاقاتنا وامكاناتنا مما كان سببا من اسباب تفاقم مشاكلنا، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك، ان جل ما شهدته بلادنا من حركات اثناء ما سمي بـ (الربيع العربي) حصرت مطالبها بتحسين الرواتب بمستوياتها المختلفة للعاملين والمتقاعدين، دون ان تراعي ما ستسببه هذه التحسينات من تفاقم في عجز الموازنه العامة للدولة وموازنات الشركات، مما سينعكس سلبا عاجلاً ام آجلاً على حياتنا، ارتفاعا في الضرائب والرسوم والاسعار.

 لقد كان الأجدى والأنفع من المطالبة بزيادة الراتب، ان ينصرف الاهتمام الى إحداث إصلاح حقيقي في بنية اقتصادنا، في اطار رؤية شاملة لخطط وبرامج الاصلاح الوطني، تجرى في ضوئها اعادة ترتيب اولويات الإنفاق، والتأكيد على تحسين بيئة العمل بهدف رفع الانتاجية، مما كان سينعكس إيجابًا على مجمل حياتنا اكثر من زيادة طفيفة على رواتب هذه الشريحة او تلك، سرعان ما اكلتها زيادة الاسعار والضرائب والرسوم.

 ولعل هذا القصور في تعاملنا مع قضايانا ناجم عن غياب التفكير الجماعي والعمل بروح الفريق، المبني على رؤية استراتيجية طويلة المدى، الذي قلنا إن جماعة عمان لحوارات المستقبل تسعى اليه عبر حواراتها ومشاوراتها لتحديد اولويات عملها، وهي الحوارات التي قادتها الى تحديد مجموعة من الاولويات تكاد تكون محل إجماع عند جل الذين حاورناهم وشاورناهم، واول ذلك السعي لبناء الثقة والامل بالعمل العام وبالمستقبل. ذلك ان شرائح واسعة من مكونات مجتمعنا، وخاصة فئة الشباب محبطة وفاقدة للأمل، بل تكاد تكون يائسة من احداث اي تغيير، ومن اي امل في الغد، لاسباب كثيرة.. لكنها في الخلاصة لا تبرر اليأس والقنوط.

 لهؤلاء اليائسين والقانطين نقول: انما يبعث الانبياء للمجتمعات الكافرة، مثلما يظهر المصلحون في المجتمعات الفاسدة، ومن سير الأنبياء ثم المصلحين علينا ان نتعلم ونستلهم، فقد عذب هؤلاء وأوذوا وأخرجوا من ديارهم، لكنهم لم يفقدوا الامل فصبروا فانتصروا، وخرجوا بمجتمعاتهم من حال الى حال، فالصبر هو ما نحتاج اليه، وآفة الكثيرين من الرافضين لواقع مجتمعنا انهم يعتقدون ان التغيير سهل ولا يحتاج الى اكثر من لمسة سحرية، أو كلمة طيبة، او عمل لأشهر معدودة، وهذا ضد طبيعة الاشياء، وحركة المجتمعات فهي بالعادة حركة بطيئة تقاوم التغير..

 لذلك فانها تحتاج الى الصبر الذي يذكر بما قالته العرب: (من استعجل الشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه) وهي حكمة ذات دلالات عميقة على اهمية الصبر، للوصول الى الأهداف مع الاخذ بالاسباب، فلحكمة اراد الله ان يمتحن رسله وانبياءه، بل وان يخرجهم من ديارهم، قبل ان ينتصروا ويغيروا من واقع مجتمعاتهم، بعد ان تحلوا بالصبر طويلا وتزودوا بالامل اكثر، وقبل ذلك بعد ان اخذوا باسباب التغيير، وأهمها العمل المقترن بالصبر، خاصة على تعليم الناس القيام بواجباتهم قبل المطالبة بحقوقهم، من خلال اعادة بناء مفاهيمهم، فلا يحتاج المرء الى كبير عناء في قراءته لسير الانبياء والمصلحين، ليكتشف ان التعليم هو اساس اي تغيير في المجتمع، والتعليم هنا لا يقتصر على التعليم الاكاديمي عبر الغرف الصفية، (على اهمية هذا النوع من انواع التعليم، وعلى اولويته) على ان يصب في التعليم الأوسع الذي تتشارك فيه كل مؤسسات المجتمع، والذي يجب ان يكون هدفه التنوير وبناء الفعل الحضاري الذي يصنعه الانسان المستنير القادر على هذا الفعل، والذي اشرنا الى بنائه في مقال سابق عن اهداف جماعة عمان لحوارات المستقبل، التي يحتل اصلاح التعليم أولوية مطلقة من اولويات عملها، التي وضعتها بناء على سلسلة مشوراتها وحواراتها مع اهل الرأي والمشورة.

على درب الأنبياء والرسل في تعليم المجتمعات وتنويرها بهدف تغييرها سار كل المصلحين مزودين بالامل، مسلحين بالصبر، لذلك فاننا نهمس في آذان كل المحبطين، وفاقدي الامل من ابناء مجتمعنا همسة حب، خلاصتها: تمسكوا بالأمل وتسلحوا بالصبر، وثقوا بانفسكم تنصروا نصر الانبياء والمصلحين، لذلك فان بناء الثقة والامل هما اولويتنا في جماعة عمان لحوارات المستقبل، والصبر هو سلاحنا.

اترك رد