لماذا جماعة عمان لحوارات المستقبل -4- بناء الإنسان أولويتنا

الكاتب بلال حسن التل

قلنا في المقال السابق: إن جماعة عمان لحوارات المستقبل تسعى لإحداث نهوض bilal talحضاري شامل، يكون بناء الانسان المتوازن محوره، وبيئته المتكاملة والملتزمة بقيم الأمة وفكرها وحضارتها ووعاءها، وهذا يعني أن بناء الانسان هو محور رئيس من محاور عمل جماعة عمان.

ومن هنا يجب ان ينصرف عمل الجماعة وجهدها للمساهمة في اصلاح خلل خطير اصاب مسيرتنا الوطنية، يتمثل في تراجع الاهتمام بالمؤسسات التي تُعنى ببناء الانسان فكريا ووجدانيا ومن ثم سلوكيا، ولعل هذا الخلل هو سر ما نشكو منه من تراجع ملموس في منظومة القيم في مجتمعنا، وهو التراجع الذي تجسده الكثير من مظاهر السلوك السلبية التي صارت واضحة للعيان، وفي مقدمتها العنف المجتمعي عموما، والعنف الجامعي على وجه الخصوص، وهو العنف الذي يعطي اشارة خطيرة على حجم الخلل التربوي والسلوكي في مجتمعنا.

عندما يصبح العنف سمة من سمات الحياة التعليمية في بلدنا، فإن ذلك يعني إخفاقا تربويا خطيرا وفشلا ذريعا منيت به اهم مؤسسات بناء الانسان، وهي المؤسسة التعليمية التي غزاها العنف المجتمعي، الذي أخذ تعبيرات مقلقة كثيرة، ذروتها استخدام السلاح والقتل لأتفه الاسباب في كثير من الأحيان، وصولا الى مخالفة قواعد السير، وما ينجم عنها من أزمات مرورية، تهدر وقتنا، وتهدر الكثير من اموالنا على إصلاح المركبات التي تدمرها حوادث السير، وعلى اصلاح الممتلكات العامة والخاصة التي تدمرها المركبات، والأهم من ذلك الاموال التي تنفق على معالجة مصابي حوادث السير، وبعضهم يصاب بإعاقات دائمة تخرجهم من دائرة الانتاج الى دائرة البطالة والإعالة، هذا عدا عن الديات التي تدفع لضحايا السير الذين يفارقون الحياة بسبب رعونة سائق ينفلت من كل قواعد السير وقوانينه.

وما بين استخدام السلاح للقتل، والقتل بحوادث السير، تكاثرت في مجتمعنا مظاهر السلوك السلبي، وابرزها آفة التبذير التي ابتلينا بها بالرغم من فقر ذات يدينا، ابتداء من فواتير الهواتف النقالة التي تأكل القسم الاكبر من دخول الأسر، الذي ينفق على ثرثرة لا طائل منها، الى مصاريف الأعراس المبالغ بها، الى أطنان الطعام التي تهدر يوميا من بواقي ولائم مناسباتنا الاجتماعية، التي صار التبذير سمة من سماتها، في الوقت الذي تتضور فيه شرائح متنامية من ابناء مجتمعنا جوعا، مما يؤشر هو الآخر الى خلل في منظومة التكافل الاجتماعي كنتيجة من نتائج الإخفاق في بناء الانسان وتربيته، وما بين هذه وتلك الكثير من مظاهر التبذير التي تجسد نزعتنا الى الاستهلاك غير المبرر، الذي يزيد من خطورته تراجع انتاجيتنا في كل المجالات، حتى صرنا شعبا لا يأكل مما يزرع ولا يلبس مما يصنع.

غير آفة التبذير.. فمن مظاهر الخلل في سلوكنا اننا صرنا نستقوي على القانون وعلى هيبة الدولة، وصرنا نحتاج الى قوات الدرك لحماية قاعات امتحان التوجيهي، بعد ان صارت اسرنا تشجع ابناءها على «الغش في الامتحان»، وصار بعض المعلمين لا يخجلون من تسريب اسئلة الامتحان التي يؤتمنون عليها، بعد ان صار بعض المعلمين لا يتورع عن التدخين مع طلابهم.. ولانريد ان نقول اكثر من ذلك. فكيف يستطيع هؤلاء المساهمة في بناء الانسان بناءً سليماً؟

ومن مظاهر الخلل في سلوكنا الاجتماعي، أن الرشوة صارت طبيعة في كثير من مرافقنا ومؤسساتنا، ولم تعد رذيلة اجتماعية، يخجل منها الراشي والمرتشي والرائش بينهما. وارتباطا بالرشوة وانتشارها صارت الواسطة والمحسوبية جزءًا من حياتنا، مما يعني انعدام مبدأ تكافؤ الفرص، واعتداء على اهم قواعدنا الدستورية التي تقول: إن الاردنيين امام القانون سواء وميلنا الى اكل حقوق الغير.

ومن مظاهر الخلل في منظومتنا القيمية وسلوكنا الاجتماعي تراجع صفة «عفة النفس»، التي كانت من صفاتنا الاجتماعية الاساسية المرتبطة بمفهوم «اليد العليا خير من اليد السفلى»، فصارت شرائح واسعة من مجتمعنا تستمرئ التسول باشكال عديدة، منها الوقوف على ابواب صناديق المعونة الوطنية والزكاة وغيرها من ابواب التسول المقنع الذي يحترفه بعض القادرين على العمل والانتاج، وهو الامر الذي كان من الرذائل التي يرفضها الاردني.

ان كل هذه الالوان وغيرها من مظاهر الخلل السلوكي التي بدأت تنتشر في مجتمعنا، هي في حقيقة الأمر من افرازات الخلل الخطير الذي اصاب بناء الانسان في مجتمعنا، مما يجعل السعي لاصلاح هذا الخلل من أولويات جماعة عمان لحوارات المستقبل.

****

 (*)  رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمات لحوارات المستقبل” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.

اترك رد