دعوة للقراءة من: المَكْتـبةُ المُـفتـقَـدة

الشاعر محمد بنيس

هناكَ مغالطة في المعلومات التي تقدَّم لنا لتبرير مُجتمع يفتـقد المكتبة. يُقال لنا إن نسبة الأميين في العالم اmhamad-banis-111-1لعربي مرتفـعة. لكنّي أرى أنّ الأخطرَ منْ هؤلاء الأميين، الـذين لم يدخلوا مدرسة ولم يتعلموا قراءة ولا كتابة، هُـمْ هـؤلاء الذين تعلّموا وأصبحُوا يمثلون نسـبة تقتـرب من نصف المجتمع، ومعَ ذلكَ لا يقرؤون ولا يفكرونَ في القراءة. إنهم يمثلونَ فئة تتركُ القـراءة محصورةً في التكوين. أيْ ما يسمى عندنا بتكْوين الأطر.

الأشخاص الذين تعلّمـوا عـلماً أو تقـنية وظلـوا مأسُورين في علْمهم الذي تعلموه وفي تقنيتهم التي أتقـنوها. ومعَ الانتهـاء منَ التكويـن الجامعي والمهَني انتهت الدراسة والتحصيل. لم يقرؤوا يوماً ليعْرفوا عالماً ولا مجتمعاً ولا ذاتاً. تعلّموا من أجل الحصول على شـهادة، تفتـحُ لهم الطريقَ نحو وظيفة أوْ عمل. وهُم اليوم في وظائفـهم وأعمالهم. أمرٌ كان، في زمـن كان.

لاَ. بلْ هناك ما هُو أبـشع. أبناءُ نخبة الجيـل السابق أصبحُوا مُحْرَجين من المكتبات التي تركَها آبـاؤهم ولم يـردْ أحدٌ من الأبناء أن تكونَ من حصة الإرث. هيَ عـبء. بدون قـيمة أو فائدة. في أحيان، وجدتُ عائلات لا تعرفُ كيف تتخلـص من مكتبات الآباء، فتلقـي بها في القـبْـو، أو تلمّـها في أكْياس الخيْـش بانتظار مَنْ يخلصها من هذا الركام. كنتُ أنظـرُ إلى الأكياس، وأنا لا أعلمُ عناوينَ الكتب. أتخيّلها. أتخـيّل من خلالها تاريخاً ثقافـياً وتاريخاً للمكتـبات الموجودة في البـيوت، وتاريخاً لحضارة ولرؤية للـذات وللعالم.

وفي كلّ مرة أحاول أنْ أفـهمَ معنى وجود ثقـافة تقليدية متـرسّخة في مجتمع عربي. ومعنى اتساع سيْطرة الثقـافة التقـليديـة على عُقول من فئات تعلمتْ في معاهد عليا أجنبية. مَا أحاوله لا يفـيدُ أنني سأعـثرُ على الجَواب عن أسْباب انْهيار فكرةٍ وانهيار مجتمع. لا، أبداً. قبْـل الجـواب، هناك اكتشافُ مناطـق مجهولة من حياتنا الثقافـية ومن أوضاع مجتمع يَزداد تمـزقاً وانسياقاً نحْو قيـم الاستهلاك والإعـلام. في كُل مرة أفلتُ من أحكام ومظاهر، مدركاً أنّ ما لا أعرفه أحـقّ مما أعـرف، وأن «فن الأشياء التافهة» مبتـدأ معرفة مجتمع نتوهَّـم أننا نعرفـه، ونتوهـَّم أنه طريقُــنا إلى التحـديث والحـدَاثـة.

اترك رد