ليندا نصار (مجلة الحصاد)
جودت فخر الدين (62 سنة) شاعر لبنانيّ، من مواليد قرية السّلطانيّة الجنوبية في لبنان. يحمل شهادة الماجستير في الفيزياء والدّكتوراه في الأدب العربيّ، وهو حاليًّا أستاذ للأدب والنّقد في كلّيّة الآداب في الجامعة اللبنانية.
نشر أبحاثه وقصائده في العديد من الصحف والمجلات العربية، كما شارك في الكثير من الندوات والمهرجانات الأدبية في بلدان عربية وأجنبية. حاز على “جائزة الشيخ زايد” عن ديوان “ثلاثون قصيدة للأطفال“. من أعماله: “أقصّر عن حبك“ – “أوهام ريفية“ – “للرؤية وقت“ – “قصائد خائفة“ – “منارة للغريق“- “سماوات“- “ليس بعد“- “فصول من سيرتي مع الغيم“.
انطلق من الطبيعة الجنوبيّة، ليعبّر عن كل إنسان، وحمل في قلبه سمات ريفية قادته نحو الجمال. سكب تجربة الحزن والألم والوحدة في نصوصه، فأتت دواوينه تجسيدًا لشخصيّته. عاش القلق المستمر الذي يعيشه كلّ شاعر. تجد في شعره عمق التجربة، و رؤية خاصة إلى الحياة والوجود.
“الحصاد” التقته في بيروت وكان هذا الحوار:
ما الذي أثر في بداياتك الشعرية؟
نشأت في عائلة معنيّة بالشعر، ومنذ صغري كنت أسمع عيون القصائد العربية من جدي، ومن أبي أيضاً.كان جدي وأبي شاعرين، وكانا يستخدمان الشعر لهدهدة الأطفال في العائلة. وهذا ما صقلَ أذني الموسيقية، إلى أن رحت أنظم الشعر على الأوزان العربية المعروفة. كانت نشأتي قائمة على حبّ اللغة والطبيعة.
ماذا تعني لك الطبيعة وعناصرها؟
نشأت في أحضان الطبيعة الريفية الجنوبية بشجرها الطويل، كالسّرو والحور والصنوبر. ومنذ الصغر، تفتحتُ على علاقة صداقة بهذه الأشجار، وبكائنات الطبيعة وأشيائها. وصرت لاحقاً كلما كتبت قصيدة في أي مكان من العالم، تحضرني عناصر الطبيعة التي احتضنتني، وقد ظهر ذلك جلياً في كتابي الأحدث “فصول من سيرتي مع الغيم.
ما أبرز التحولات التي عرفها شعرك؟
إنها مسيرة أصبحت طويلة نوعا ما، لأني بدأت الكتابة في سن مبكّرة. والآن تجاوزت الستين، وعندي أكثر من عشر مجموعات، وكل كتاب يمكن أن أعدّه محطة في مسيرتي. هناك من الشعراء من يبني مكانته على كتاب ٍواحد، وقد يكون الكتابَ الأول. وهناك شعراء يتقدّمون من كتاب إلى كتاب أو من قصيدة إلى قصيدة أحياناً.أعتقد بأنني من الصنف الثاني.
يلاحظ القارئ أن شعرك وليد الحزن والوحدة، هل يوجد فيه ما يتّصلُب الفرح؟
إجمالاً قصائدي حزينة، وهذا لا يعني أن الفرح ليس موجوداً في شعري. عندي قصائد تنمّ عن الإحساس بالنشوة أو الفرح. القصائد الحزينة قد تكون مفرحة لقارئها أكثر من القصائد الفرحة، ما يعني أن الفرح ليس معيارًا فنياً، وكذلك الحزن.
ما الذي يميز شعرك؟
كثيرون من الذين كتبوا عني، أشاروا إلى أنني أهتمّ بالمعاني وبالأفكار. أرى ذلك صحيحًا. هنالك في شعري أبعاد تأمّلية أو فلسفيّة إذا صحّ التعبير. ولكن على الرغم من ذلك، أرى أن الميزة الأساسية لشعري هي في اللغة الشعرية الخاصة بي.
نلاحظ طغياناً للإحساس بالغربة في كتاباتك. ما سبب ذلك؟
هنالك إحساس بالغربة مرتبط بنشأتي الثقافية. هذا الإحساس عزّزته التجارب المريرة التي عشناها في لبنان خلال الحروب. تلك الظروف الصعبة أورثتنا إحساسًا بالتّشرد والغربة والقلق.
هل ترى أنّ الشاعر يستطيع أن يعبِّر في قصيدته عمّا يجولُ في خاطره؟
هذه النقطة تكلم عليها كثيرًا الشاعر والناقد الفرنسي المعروف بول فاليري. فهو لا يرى من الضروريّ أنْ يعبّر الشاعر عما قصدَ إليه، فقد تقودُهُ اللغة إلى ما هو أفضل. اللغة ليست مجرَد وسيلة للتعبير. إنها ذاتٌ مفكِّرة. اللغةُ هي الّتي تفكر من خلال الشاعر.
ما الشعور الذي يعتريك عندما تعود إلى القصيدة بعد فترة من كتابتها؟
أجمل مرحلة بالنسبة إلى الشاعر هي مرحلة الكتابة. فيها يشعر بالامتلاء واللذة. هذه الحالة تنتهي بانتهاء القصيدة. وعندما ينشر الشاعر قصيدته يشعر بأنه قد انفصل عنها، إذْ تصبح له ولغيره. أحياناً أعود إلى قصائدي متصفّحاً كتُبي، فتعود إليّ تلك اللحظات التي عشتها في أثناء الكتابة.
هل تشعر بأنك وصلت إلى اكتمال القصيدة؟
لا، الشعور بالاكتمال قاتل بالنسبة إلى الشاعر والقصيدة، وكما يقال عادةً ، أجملُ الكلام ما لم يُقَلْ أو لم يُكتبْ بعد.
هل ترى أنّ اللّغة في تراجع مستمرّ؟
من المؤكد أن اللغة العربية تطوّرت عبر الزمن. عناصر كثيرة خرجت منها وأخرى دخلت فيها. ولكنّ علوم اللغة جامدة تقريباً، ولم يطرأ عليها شيء مهم منذ نهايات العصور العباسية. أما اللغة العربية في الاستعمال فهي للأسف في تراجع، فمتقنوها يتناقصون يوماً بعد يوم. تصوّري أنّ اللغة العربية باتتْ ضعيفةً في الاستعمال في مؤسسات التعليم وفي مؤسسات الإعلام. إنها مشكلةٌ كبيرة، وحلُّها ليس باليسير. ولكنْ ينبغي أن يتصدّى لها محبّو اللغة والمعنيون بها في مختلف المجالات.
هل تفكر في القيام ببحث حول علوم البلاغة؟
أطروحتي لشهادة الدكتوراه التي نلتُها في العام 1984 من الجامعة اليسوعية، وكانت بإشراف الشاعر أدونيس، هي بحثٌ في البلاغة والنقد العربيين. وقد صدرت في كتاب طُبع حتى الآن أربع طبعات، وعنوانه “شكل القصيدة العربية في النقد العربي حتى القرن الثامن الهجري.
إزاء الأوضاع القائمة في الدّول العربية وما نعيشه اليوم، الشعر العربيّ إلى أين؟
نعيش اليوم في مرحلة قد تكون الأسوأ في تاريخنا العربي . نعاني المشكلات في جميع المجالات وفي المستويات كافة. هذه الأزمات تنال من ثقافتنا. الشعر في أزمة، وهو في حاجة إلى انتفاضة جديدة، لكن مهما تكن الظروف صعبة ، لا أعتقد بأن الشّعر يصلُ إلى طريق مسدود ، فمن شأنه دائماً أن يأتيَ بالمفاجآت.
هل يمكن القول إنّ التاريخ يعيد نفسه وإنّنا في عصر انحطاط جديد؟
التسمية التي أطلقوها على عصر النهضة كانت لها مسوّغاتها. ولكن لا أظن أننا نستطيع أن نعدَّه عصر نهضة بالمعنى الحقيقي. قد يكون أقرب إلى الانحطاط. بالنسبة إلى الشعر، إنه يزدهر مع ازدهار الثقافة. والأمر متعلّق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولكنْ ليس بالضرورة أن يكون الشعر مرتبطًا ارتباطاً آلياً بهذه الظروف.
هل ترى أنّ الموهبة، لا الشهادات الجامعية، هي الأساس في التجربة الشعرية؟
في كلّ مجال من المجالات، لا يستطيع المرء أنْ يبرعَ إذا لم يكن لديه حبٌّ أو ميلٌ إلى ما يقوم به، سواء كان ذلك في الشعر أو في الرياضيات أو في الفيزياء… الخ. كل إنسان يحتاج في مجاله إلى استعداد أوليّ يُطْلَقُ عليه اسم الموهبة. ولكنّ الموهبة وحدَها لا تكفي. يجب أن تُعزّز بالتعلم وباكتساب الثقافة والخبرة.
حصلت على جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع أدب الأطفال والناشئة، ماذا عن علاقتك بهذا الأدب؟
“لم أكنْ يوماً متفرّغاً لأدب الطفل، ولستُ مختصاً به. كتابي الوحيد في هذا المجال هو “ثلاثون قصيدة للأطفال” الذي فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الثامنة العام 2014. كنت، قبل أكثر من عشرين سنة، قد كتبتُ قصائد للصغار ضمن فريق عمل في مركز للأبحاث اللغوية والتربوية في بيروت، وذلك في إطار مشروع لوضع خطة لتعليم الشعر، ولتأليف كتب مدرسية في هذا السبيل. ولكنّ هذا كلّه لم يصلْ إلى نهاياته ولم تُطبع الكتب التي أعددناها.
التجربة الثانية كانت مع دار الحدائق فيبيروت،التيطلبت منيأنْأكتب قصائد للصغار لمجلتين كانت تصدرهما. ثم عملتْ على إصدار ثلاثين منها في الكتاب الذي فاز بالجائزة. الكتابة للصغار مسؤولية كبيرة. وللأسف، تُكتب عندنا، نحن العرب، كمياتٌ كبيرةٌ من الأشعار والقصص الموجّهة إلى الصغار، ولكنّ النوعيات الجيدة ضئيلةٌ جدّاً، بل نادرة. وهذه معضلةٌ كبيرة، نظراً لأبعادها التربوية والتعليمية المهمة، ولعلاقة هذا كله باللغة العربية، وبضرورة العمل على تحسين الموادّ والمناهج والوسائل قي تعليمها“.