الكاتب بلال حسن التل
مفاجئة ومدهشة.. جاءت ردود الفعل الايجابية والمشجعة، وكذلك التفاعل مع الدعوة التي اطلقناها لقيام «جماعة نقدية» تضم في صفوفها خبرات وتخصصات في شتى مجالات الحياة وحقول العلوم، لتتولى فحص الكم الهائل من الترات والتقاليد والاعراف الذي يحكم حياتنا المعاصرة على الرغم من انه وليد أزمنة غير زماننا، وظروف غير ظروفنا، وتجارب غير تجاربنا. ولتجديد خطابنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني.
لقد أخذت ردود الفعل والتفاعل مع هذه الدعوة شكل الحوارات الثنائية والجماعية، التي أدت الى بلورة الإعلان عن قيام «جماعة عمان لحوارات المستقبل» لتكون إطارا جامعا تتفاعل فيه خبرات واختصاصات متنوعة، من خلال عملية تفكير جماعي يكمل بعضه بعضا، في اطار منسق تنجم عنه رؤية متكاملة لمجمل قضايا ومشكلات مجتمعنا، بغية المساهمة في تقديم حلول علمية متكاملة وجذرية لهذه المشاكل، استنادا الى حرية وموضوعية في التفكير، وثراء في التجربة العملية والخدمة العامة.
بعد ان عانينا طويلا من الحلول المجتزأة لهذه المشاكل، او الحلول المسكّنه لها، بهدف ترحيلها من جيل الى جيل، أو من خلال العمل المرتجل الذي تعوزه الخبرة، ويفتقر الى الاختصاص، الأمر الذي كان يُفاقم هذه المشاكل بدلا من ان يحلها. لذلك فإن من المهام ان تكون اول مهمات «جماعة عمان لحوارات المستقبل» التركيز على المساهمة في بناء الوعي بصيغتيه، (الفردية والجماعية) حول قضايا الوطن والأمة. ذلك أن سببا رئيسا من اسباب مشاكلنا هو غياب الوعي حول الاسباب الحقيقية لهذه المشاكل، وهو الغياب الذي نجم اولا عن غياب العقل وتراجعه لحساب النقل في تعاملنا مع الكثير من مكونات حياتنا خاصة في جانبها القيمي، مما راكم مشكلاتنا، خاصة في مجال السلوك والأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني، ولهذا فإن من مهام الجماعة الجديدة، فحص كل مكونات هذا السلوك لتقويم المعوج منه على اساس من العقل والمنطق ومعطيات العصر العلمية والمعرفية. وبهذا المعنى فان جماعة عمان لحوارات المستقبل هي حركة تغير مجتمعي يبدأ من منظومة المفاهيم فيخضعها للفحص لتعظيم الايجابي منها وترسيخه في الوجدان، وبموازاة ذلك التخلص من المفاهيم السلبية التي طالما عانى منها مجتمعنا، خاصة على صعيد السلوك الذي نريده سلوكا ايجابيا منتجا يخلصنا من الاتكالية بكل صورها.
وحتى يؤتي العمل الفكري والمعرفي لهذه الجماعة أُكله.. فيجب ان لا تكتفي بالنقاش الفكري والمعرفي داخل القاعات المغلقة، بل عليها ان تسعى اولا الى نشر هذه المعرفة في الحياة العامة للمجتمع عبر ألية تواصل، ومتابعة في مختلف المجالات والأصعدة، خاصة صعيد صناع القرار الذين نأمل ان تكون «جماعة عمان لحوارات المستقبل» عونا لهم، تمدهم بخلاصات علمية وفكرية، وخلاصات تجارب عملية حول القضايا التي تدور في دائرة اختصاصاتهم، لتكون هذه الخلاصات عونا لهم لاتخاذ القرارات الصائبة، في نفس الوقت الذي يجب ان تكون فيه الجماعة رقيبا على اداء وقرارات هؤلاء، لبيان مواطن الخلل فيها لوضعها امام الرأي العام، بهدف تشكيل مجموعات ضغط تسعى الى تصحيح المسارات، وتمنع اتخاذ القرارات الخاطئة، مثلما هي الحال في المجتمعات المتقدمة والمتحضرة التي ترى في النقد الموضوعي اداة من ادوات التطور والرقي، وهذا يعني ان على الجماعة ان تسعى الى تخليص مجتمعنا من عيوب الأنانية، والعمل الفردي الذي أعاق العمل الجماعي، الذي يقلل من الأخطاء، ويُحسن توظيف الخبرات وساهم في منع الأخطاء التي لا يكترث اصحابها باعتراضات الفرد، لكنهم يرتدعون باعتراض الجماعة.
ولهذا على «جماعة عمان لحوارات المستقبل» ان تسعى الى توسيع قاعدة عملها ونشاطها وعضويتها، لتشمل المحافظات والأقاليم والأطراف، بهدف الوصول الى صيغة وطنية تسهم في تفعيل العمل العام، على اساس من العلم والمعرفة وتفاعل الخبرات وتكاملها، ومن ثم تشكيل مجموعة ضغط وطنية لمنع التجاوزات في الأداء العام بشقيه «الرسمي والأهلي» وهذا يعني ان الجماعة يجب ان تكون اطارًا لإعداد وإبراز القيادات الادارية والاقتصادية والثقافية والنيابية والبرلمانية والسياسية، مساهمة منها في حل معضلة مزمنة عندنا، تتمثل في غياب قنوات إعداد وإبراز القيادات، مما تسبب في تشوهات هيكلية في بنية مجتمعنا.
كثيرة هي المهام التي تنتظر «جماعة عمان لحوارات المستقبل»، ابتداء من تنظيم وترشيد الحوار الفكري، وصولا الى بناء الوعي، ثم التشييك بين المركز والأطراف لإحلال التفكير والعمل الجماعي محل الفردية والتفكير المجتزأ.. ومن ثم تحمل مسؤولية المتابعة، لتحويل الافكار والشعارات الى برامج عمل يتم من خلالها مراجعة كل مكونات حياتنا الاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، والسياسية، مراجعة نقدية للخروج بها من دائرة الخمول والتخلف، الى دائرة العمل المتطور المتقدم القائم على الوعي.
*****
(*) رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمات لحوارات المستقبل” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.