الأديب جلال زنگابادي (*)
لا تخفى على أيّ مثقف كردي نبيه ظواهر (العربفونيّة)، (الفارسفونيّة) و(التركفونيّة)، وهي من إفرازات الغزو الثقافي المستمر منذ قرون وقرون، وقد تفاقمت لتشمل الآلاف من أعلام الإنتلجنسيا الكرديّة، و جسّدت إنسلاخهم القومي واغترابهم عن هويّتهم القوميّة المغزوّة من كلّ حدبٍ وصوب دينيّاً، سياسيّاً واجتماعيّاً ؛ فلْنتصوّر – مثلاً – مدى الخسارة الفادحة لأمّتنا الكرديّة بوجود قرابة ألف وثلاثمائة شاعر وشاعرة من الأرومة الكرديّة في تاريخ الشعر الفارسي، بينهم العديد من كبار القدامى والمعاصرين، وقد تشمل هذه الظاهرة عدداً أكبر من الأرومة الكرديّة في مضامير كلتا الثقافتين العربيّة والتركيّة قديماً وحديثاً…
تدل هذه الظواهر على إن كردستان ليست مستعمرة سياسيّة واقتصاديّة فحسب، بلْ مستعمرة ثقافيّة دوليّة عانت وما تزال من انسلاخ واستنزاف وهجرة أكثر عقولها الكبيرة، التي تخندق الكثير منها كمدافع ثقيلة في معسكرات أشرس أعداء أمّتنا من الشوفينيين: العرب، الفرس والترك.
على قدر متابعاتي النبشيّة ؛ أستغرب عدم اكتراث الباحثين الكرد بدراسة هذه الظواهر الخطيرة، والأنكى من ذلك إستمراء العديد منهم لها، والإشادة بإنصهار الإنتلجنسيا – من الأرومة الكرديّة – في بوتقات ثقافات القوميّات الحاكمة؛ بحجج التواريخ والديانة المشتركة والتعايشات الوطنيّة، بدلاً عن التأكيد على ديون أمّتنا بذمم القوميّات الحاكمة التي ينظر أغلب ساستها ومثقفيها باستعلاء وغطرسة إلى الأمّة الكرديّة العريقة، التي يحسبونها همجيّة بلا ثقافة ولا حضارة، بلْ وافدة إلى كردستان وغازية لأوطانهم، متجاهلين كونهم الغزاة الوافدين المحتلّين لكردستان العريقة وأن أوطانهم الأصليّة تقع على بعد آلاف الأميال إلى جنوب كردستان و شرقها!
في فن السرد (القصّة، الرواية والمسرحيّة..) كمثل ما في الفنون الأخرى (الشّعر، الرسم، النحت، الموسيقى، الغناء، العمارة والسّينما) وكذلك في مضامير السياسة ، الإقتصاد والرياضة في العراق، ثمّة أعلام بارزون من أرومة كرديّة عدداً ونوعاً ، وطبعاً لهذه الظاهرة المشهودة أسبابها السياسيّة والثقافيّة المتمثلة بغياب الكيان السياسي القومي والغزو الديني والإحتلال الأجنبي حدّ الإبادة للكرد وثقافتهم بأفتك الأسلحة…
ثمّة سؤال مصيري ، ألا وهو : هل أن معيار اللغة وحده يحسم هويّة العربفونيين الكرد ومِلكيّة تآليفهم للمكتبة العربيّة؟
من الجلي أن الجواب إشكالي جدّاً، بلْ يتشعّب إلى أجوبة:
1- إذا كانت مضامين التآليف والتراجم لا تتعلق بالكرد وكردستان ؛ فهي ملكيّة صرفة للمكتبة العربيّة مثل كتابي (موسوعة الخيّام ….) ، لكن هذا لا يعني أن أصلي القومي (عربي).
2- إذا كانت مضامينها تتعلق بالكرد وكردستان؛ فهي ملكيّة مشتركة للمكتبتين: (للعربيّة من جهة اللغة) و(للكرديّة من جهة المضامين) مثل كتابي (الكردلوجيا موسوعة موجزة) وكذا الحال مع تراجم النصوص الأدبيّة والبحثيّة الكرديّة إلى العربيّة، وكل التآليف المتعلّقة بالكرد وكردستان باللغة العربيّة ، لاسيّما تلك التي تمس القضايا والهموم الكرديّة.
وما سلف يعني أن معيارَ اللغة وحده غير حاسم في تنسيب نص ما إلى المكتبة العربيّة أو الكرديّة، حيث يتواشج مضمون النص مع لغته؛ فمثلاً أتخم العفالقة المكتبة الكرديّة بملايين النسخ من عشرات الكتب البعثيّة وكراريس صدّامصور؛ فكانت جراثيم في جسد اللغة الكرديّة!
وهنا أرى أنّ لغة الأدب وسيلة وغاية معاً ؛ ولذا من المستحيل أن يجد شعب ما جذوره وهويّته القوميّة في لغة أخرى غير لغته، ولا توجد لغات كبيرة وأخرى صغيرة، وإنما يوجد مبدعون متباينو المستوى (كبار أو صغار) في هذه اللغة أو تلك؛ ولنا المثال السّاطع في رسول حمزاتوف الذي لا يتجاوز عدد نفوس شعبه المليون نسمة.
وهنا تجدر الإشارة إلى حالتين رئيستين:
1- أدباء أوتوتعريب (تعريب ذاتي) منصهرون في بوتقة الثقافة العربيّة حالهم حال المتفرنسين من أمثال يوجين يونسكو (الروماني) وآرثر آداموف (الروسي)، وثمة العشرات من الكرد عاش أغلبهم في قلب اللغة العربيّة، واندمجوا اندماجاً مبيناً في كيان ثقافتها ؛ لكونها رحيبة الآفاق ، بالمقارنة مع اللغة الكرديّة المستضعفة، وطوّروها كثيراً ونشروها، وأكثرهم من كبار أدباء العراق، بلْ أن بعضهم يُعد من كبار الأدباء العرب، وأكثرهم منسلخ عن قوميّته الكرديّة بلا شعور قومي، ولم يقلْ أحدهم ذات يوم ما يشبه قول الكاتب الجزائري (الفرانكفوني) كاتب ياسين: ” اللغة الفرنسيّة منفاي!”
2- أدباء مزدوجو اللغة شبيهون بصموئيل بيكت (الإرلندي) وميلان كونديرا (الجيكي) الذي نعت الحالة بـ (المنفى الإختياري)، ومن مزدوجي اللغة (الكرديّة والعربيّة) عندنا: لطيف هلمت، عبدالله طاهر برزنجي، بدل رفو المزوري، حسن سليفاني، كاتب هذه السطور وآخرون… ويتميّزون جميعهم بالوعي القومي المنفت…
خلال بحثي استطعت رصد أكثر من أربعين سارداً وساردة من العربفونيين الكرد مساقط رؤوسهم مدن: الكوت، بغداد، شهربان، جلولاء، خانقين، كركوك والموصل… بينهم عشرة اختصاصيين في اللغة العربيّة وآدابها، نشروا نحو 90 مجموعة قصصية، أكثر من 70رواية، 70 مسرحيّة وعشرات الروايات والمسرحيّات والمجموعات القصصية المترجمة إلى اللغة العربيّة…
فلو نحذف منجزات هؤلاء العربفونيين السّاردين الكرد ونظائرهم من: الشعراء، الفنانين، الفنانين، المترجمين، الباحثين والأكاديميين، وهم بالمئات، من مشهد الثقافة العراقيّة ؛ فكم يتبقّى من مداميك هذا المشهد؟! ثمّ ما الذي سيتبقى لعرب العراق؛ إذا حذفنا العربفونيين الكلدوآشوريين والتركمان والصابئة، وهم بالمئات؟!
هكذا إذنْ ينجلي لنا مدى الخسائر الفادحة التي لحقت بالثقافات: الكرديّة، التركمانيّة والكلدوآشوريّة….و تكمن علتها في التعريب الذي همّش وطمّس الهويّات القوميّة للكرد والكلدوآشوريين والتركمان والصابئة؛ حيث عاملتهم سلطات القوميّة العربيّة الحاكمة بصفتهم أقلّيّات يجب صهرها، في حين لا يتجاوز عدد نفوس عرب العراق الأصلّاء (بدون المستعربين طوعاَ وكرهاً) ثلث العراق في أقصى الأحوال!
إن ما سلف لا يعني مناهضة اللغة العربيّة ، وإنما مناهضة التعريب؛ وعليه:
1- يجب على الأدباء الشباب من العربفونيين الكرد تعلّم اللغة الكرديّة وإتقانها حدّ الإبداع بها إلى جانب إبداعهم باللغة العربيّة ، والتركيز على الشؤون الكرديّة…
2-إقامة مهرجانات وملتقيات استذكاريّة – إحتفائيّة لأعلام العربفونيّة الكرديّة ، وترجمة نصوصهم ذات المضامين الكردية والإنسانيّة إلى اللغة الكرديّة .
3- تكريم مزدوجي اللغة الناشطين في ترجمة الإبداعات الكردية إلى العربيّة وإيصال صوت الأمّة الكرديّة إلى الساحة الثقافيّة العربيّة عبر تآليفهم العربيّة ذاتها، ونحن بحاجة إلى المئات من هؤلاء؛ لنغزو عقول الشوفينيين العرب ونكسب المزيد من الأصدقاء العرب، كما نحتاج إلى أمثالهم في اللغتين الفارسيّة والتركيّة؛ فلقد تجلّت، على سبيل المثال، أهمّية الأدب في تعريف الشعوب والأمم وطرح قضاياها وكسب الأصدقاء لها، عبر أعمال بضعة أدباء مبدعين من أمريكا اللاتينيّة، في حين عجزت المئات من أحزابها السياسية تحقيق عشر ما حققته تلك الأعمال ؛ فمتى سيدرك ساستنا الكرد قول السياسي الكبير تشرشل :
” إنّ بريطانيا لمستعدة للتنازل عن كل مستعمراتها،
لكنها غير مستعدّة للتنازل عن أدب شكسبير!؟”
(1) خلف شوقي الداوودي (1898- 1939) : 3 مجموعات قصصية.
(2) عبد المجيد لطفي (1905- 1992): 6 مجموعات قصصية، 3 روايات ومسرحيّتان.
(3) غائب طعمة فرمان (1927- 1990): 3 مجموعات قصصية و8 روايات.
(4) عبدالرزّاق خالدي (كلهري): مجموعتان قصصيّتان.
(5) جيان (1930): مسرحيّتان، روايتان ومجموعة قصصية.
(6) يوسف الحيدري (1934- 1993) : 4 مجموعات قصصية.
(7) رامز باجلان (1935): مجموعتان قصصيّتان.
(8) نورالدين فارس زَنگنه (1936): 22 مسرحيّة.
(9) محيي الدين زَنگنه (1940- 2010) : 35 مسرحيّة ، 8 روايات و 3 مجموعات قصصي.
(10) زهدي الداوودي (1940) : 3 مجموعات قصصية و 8 روايات.
(11) عبدالله رستم (؟!): مجموعة قصصيّة واحدة.
(12) فلك الدين كاكائي (1943- 2013) : رواية و مجموعة قصصيّة.
(13) زيد خلوصي (1946- 1988) : 9 مجموعات قصصية و 4 روايات.
(14) محمد أحمد علي مندلاوي (1946- 2009) : 8 روايات و مجموعتان قصصيتان.
(15) مؤيد عبد الستار سورميري (1948): 3 مجموعات قصصية.
(16) أنور مصطفى برواري (1948): 4 روايات.
(17) توفيق آلتونجي (؟!): مجموعتان قصصيتان.
(18) نظيرة اسماعيل ياري (1953): رواية ومجموعة قصصية.
(19) بــُرهـان شــاوي (1955): 8 روايات.
(20) فؤاد ميرزا (1955): مجموعتان قصصيتان و رواية واحدة.
(21) سعد محمد رحيم باجلان (1957): 5 مجموعات قصصية و3 روايات.
(22) عبدالله طاهر برزنجي (1957): مجموعة قصصيّة واحدة.
(23) جمال نوري صالحي (1958): 6 مجموعات قصصية.
(24) تحسين كَرمياني (1959): 5 مجموعات قصصية، 7 روايات و10 مسرحيّات.
(25) صلاح زَنگنه (1959): 4 مجموعات قصصية.
(26) ماجد الحيدر (1960): 3 مجموعات قصصية.
(27) طه الزرباطي (1963): 4 مجموعات قصصية و3 روايات.
(28) كُليزار أنور (1965): مجموعتان قصصيتان ورواية واحدة.
(29) سوزان سامي جميل (1968): مجموعة قصصيّة واحدة.
(30) نواف خلف السنجاري (1969): 3 مجموعات قصصية.
(31) عمّار الناجي (1969): مجموعتان قصصيتان ورواية واحدة.
(32) كَلنار علي بالته (1974): رواية ومجموعة قصصية.
(33) روناك آزاد صالح پـالاني (؟!): مجموعة قصصيّة واحدة.
(34) حيدر غازي سلمان (1976): 4 مجموعات قصصية.
(35) نورالدين محمد سعيد (؟!): مجموعة قصصيّة واحدة.
(36) مدحي مندلاوي (1955): مجموعة قصصية واحدة.
(37) حبيب مال الله (؟!): مجموعة قصصية واحدة.
(38) نجاة رفيق حلمي (؟!).
(39) هيرو گـوران (؟!).
(40) شفين سنجاري (؟!).
(41) رنگين آميدي (؟!).
وقد يكون هناك آخرون أجهلهم، ولم أهتدِ إليهم، في بلد أجبر حكّامه الشوفينيّون الفاشست المواطنين غير العرب على تغيير قوميّتهم إلى القوميّة العربيّة، ناهيكم عن إسهام الديانة الإسلاميّة، وتأثير الفكر والإنتماء الشيوعيين في استعراب مئات الألوف من الكرد ؛ بذريعة (الإنتماء الأممي)!
(*) بطاقة تعريف
– جلال حسين محمد (1951).
– شاعر، مترجم وباحث باللغتين العربيّة والكرديّة ، ويترجم إليهما عن : الفارسية ، الإنكَليزية ، الإسبانية والتركيّة…
– عصاميّ النشأة ؛ ركن إلى التثقيف الذاتي الموسوعي.
– تخرّج معلّماً سنة 1969 وعمل في التعليم حتى 1992، ثمّ في الجرائد والمجلات محرراً، مشرفاً ثقافياً ولغوياً، في الأقسام والملفات الأدبية والفنية والثقافية، وسكرتيراً ومديراً ورئيساً للتحرير لبضع مجلات في اقليم كردستان العراق .
– لم ينشر له أيّ كتاب طوال حكم البعث الفاشي ، بينما صدر له منذ 2004 حتى الآن عشرون كتاباً ، بينها : أوتار التنائي (كتابان في كتاب واحد) وموسوعة الخيّام (7 كتب قي كتاب واحد) و الكردلوجيا (4 كتب في كتاب واحد)، و شارك في ترجمة (5 كتب)، ونشر أكثر من عشرة كتب مؤلّفة ومترجمة على صفحات المجلاّت بمثابة (كتاب العدد) وتفاريق في الصحف والمجلات والمواقع النتية. وكتبه المخطوطة أكثر من المنشورة.
– راجع ونقّح المئات من النصوص الأدبية والبحثية والكتب المؤلفة والمترجمة لأدباء وباحثين كرد وعرب ومنهم أساتذة جامعيون.
– لمْ يحظ طوال مشواره الثقافي بأيّة إيفادات داخليّة أو خارجيّة من قبل الأجهزة والمؤسسات الثقافية العراقيّة (ومنها الكردستانيّة)، ولمْ يلتفت لعطائه شبه الموسوعي (الشعري والترجمي والبحثي) إلاّ القلائل من الأدباء والنقاد والإعلاميين المنصفين.
****
(*) يوم الخميس (11/6/2015) وضمن فعاليات اليوم السادس لـ “مهرجان القصة الكردية الثاني” في مدينة قامشلو، الذي يقيمه اتحاد الكتاب الكرد – سوريا واتحاد مثقفي مقاطعة الجزيرة ، وبرعاية هيئة الثقافة، وحضور جماهيري كبير من الكتاب والمثقفين وفعاليات المجتمع المدني ومنظمات المرأة الكردية، قرأ الأستاذ الشاعر المعروف مروان شيخي (مشكوراً ) خلاصة بحثي (فرسان السرد العراقيّون من الأرومة الكردية) ووزعت نسخ البحث الكامل على الحضور في ختام المهرجان (12 حزيران…) ؛ فشكراً جزيلاً للمشرفين على المهرجان، وللحضور الكرام وللأستاذ مروان شيخي، ولْيخسأ عبيد ومرتزقة أعداء الكرد وكردستان!