الباحث خالد غزال
في العام 1966 أمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإعدام سيد قطب، أحد قادة “الأخوان المسلمين” الأساسيين. بعد خمسين عاما، ها هو القضاء المصري يصدر قراراً بإعدام عدد من قادتهم، بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي.
لم يؤدّ إعدام قطب قبل خمسة عقود الى الحد من نفوذ التنظيم وامتداده في البلاد المصرية والعربية، كما لن يؤدي الحكم الجديد إلى استئصال “الأخوان” أيضاً. من المفارقات المضحكة المبكية أن القضاء المصري الذي حكم اليوم على قادة “الأخوان” بالموت، هو نفسه الذي سبق له قبل ثلاث سنوات، في أعقاب الانتفاضة المصرية، أن حكم على الرئيس المصري حسني مبارك بالموت، ثمّ عاد فأصدر أحكاما متتالية بتبرئته مع عدد من قيادات النظام، على رغم الجرائم المرتكبة، مما يعني اننا أمام قضاء يهيمن عليه الحكم العسكري ويفتقر الى الاستقلالية، على رغم ان تاريخ هذا القضاء مشهود له في محطات عديدة بعدم الرضوخ لضغوط السلطة.
الحكم على قيادات “الأخوان”، استنادا الى تهم محددة لا تستوجب أن تفضي الى الإعدام، انما يعني اننا أمام اعتباطية خاضعة لقرارات الحكم العسكري ونظامه. وهي تتنافى والحد الادنى من الحقوق الانسانية، وتشكل وصمة عار لمصر وللأنظمة التي تدّعي محاربة الارهاب والتصدي للتيارات الإسلامية. ان الدفاع عن حق “الأخوان” في محاكمة عادلة غير تعسفية او اعتباطية، لا ينبع من موقف مؤيد لفكر هذا التنظيم أو لممارساته، بقدر ما ينبع من التمسك بحقوق الانسان والمواطن والحق في العدالة، وهذا ما يفتقر إليه القضاء المصري في أحكامه الجائرة.
صحيح أن تنظيم “الأخوان المسلمين” هو الأب الروحي للتنظيمات السياسية الإسلامية التي ظهرت في مصر والعالم العربي، وأن مشروعه المستند الى القوة والسيف لفرض ما يراه خلاصا للمجتمعات الإسلامية، اي “الإسلام هو الحل”، إنما هو مشروع حروب أهلية ومذهبية، لكن الصحيح أيضاً أنه ليس عسكريا فحسب، بل سياسي، له جمهوره الواسع داخل مصر وخارجها، وقد أثبت قدرته على الفعل عندما أتيح لمصر اجراء انتخابات تتمتع بحد واسع من الديموقراطية وعدم التدخل السياسي، وذلك خلال السنتين الأوليين من عمر الانتفاضة. تنظيم؛ له إيديولوجيته المتمثلة في ثقافة دينية وشعبوية تحتل موقعا أساسيا في تركيبة الشعب المصري وذهنيته. ضربه عسكرياً، لا يعني إضعاف شعبيته والحد من هيمنة ثقافته.
ان التصدي للممارسات الإرهابية التي يمارسها التنظيم ومن يقف الى جانبه، حق مشروع للسلطة المصرية بل وواجب عليها لحماية المواطن المصري وأمنه. لكن التصدي له للحد من نفوذه يقع أيضاً في مكان آخر، من خلال نشر ثقافة عقلانية تتصدى للأساطير والخرافات التي تعمل قيادات الجماعة على إدماجها بالنصوص الدينية وتلقينها في المدارس المصرية.
كانت مصر شاهدة لعقود مضت على منع التيارات الفكرية العقلانية والديموقراطية من نشر فكرها، وتعرض مفكروها للاضطهاد وجرى تكفيرهم وحتى اهراق دمهم. اذا كانت ممارسات تيارات الإسلام السياسي حاليا قد أحرجت النظام السياسي وبعض المؤسسات الدينية، مما دفع الرئيس السيسي الى الدعوة لتجديد الخطاب الديني، فإن هذه الدعوة لا تزال تقع في العموميات من دون ان تحدد اين يجب ان يكون هذا التجديد الديني وما الميادين التي يجب ان يطالها.
يتغذى فكر “الأخوان” من الاوضاع السياسية والاجتماعية في مصر. فالديكتاتورية ومنع التعبير السياسي والاعلامي والزج بالمفكرين في السجون، تمثّل عنصرا مساعدا على تلقف أفكار الجماعة، إضافة إلى عصف حالات الفقر والأمية والبطالة والتهميش بالمجتمع المصري، التي تبقى هي التربة الخصبة التي تجعل فكر “الأخوان” ينتشر كالنار في الهشيم.
إن تحسين أوضاع الشعب المصري عبر مشاريع اقتصادية تنموية شاملة هو الأسلوب الأمثل لمحاربة الفكر “الخلاصي” الذي يجعل من شعار “الإسلام هو الحل” سبيلاً إلى الخلاص وتأمين الرفاه والبحبوحة. لن يمر الحكم بالإعدام هذا، من دون ردود فعل واسعة داخل مصر، قد تهدد الأمن فيها، أكثر مما هو مهزوز حاليا. كما لن يؤدي إعلان حال الطوارىء الى استتباب الامن، فالنظام العسكري ومعه القضاء يعرضان مصر لحرب أهلية، نارها كامنة داخل البلد المأزوم.
****
(*) ملحق النهار 23 مايو 2015