الكاتب بلال حسن التل
لم تنقلب مجموعة التنظيم السري في الاردن على مفهوم الوطنية عند الاخوان المسلمين، خاصة في مصر فحسب؛ بل انقلبت على شعار وحدة الصف الذي طالما تترست به لمنع اي رأي مخالف لها، وقد جاء هذا الانقلاب على وحدة الصف أوضح ما يكون، عندما باركت انفصال الاخوان المسلمين في الضفة الغربية عن الاخوان المسلمين في الاردن.
فبذريعة الحق بترتيب الأولويات الوطنية، انفصل الاخوان المسلمون في الضفة الغربية عن الاخوان المسلمين في الاردن، وهذه واحدة من أوضح صور ازدواجية الخطاب، وازدواجية المعايير والباطنية، التي يتصف بها سلوك مجموعة التنظيم السري، الذي اختطف الجماعة،
ففي الوقت الذي كان فيه هؤلاء يعلنون النكير على الدولة الاردنية بسبب قرار فك الارتباط، كانوا على الارض يباركون فك ارتباط اخوان الضفة الغربية باخوان الاردن، تحت ذريعة الاستقلال الوطني، وعلى قاعدة (اهل مكة ادرى بشعابها)، وبحجة تمكين ابناء فلسطين من ترتيب اولوياتهم، وهي الذريعة التي انقلبت بسببها الكثير من العلاقات التنظيمية الاخوانية رأساً على عقب، فبعد ان كان كل ما يتعلق بقضية فلسطين من اختصاص الاخوان المسلمين في الاردن، وبعد ان كانت حركة حماس ملفاً من اختصاص الاخوان المسلمين في الاردن، انعكست الصورة فصارت حماس هي التي تتحكم باخوان الاردن من وراء ستار في اخطر عملية انقلاب تشهدها الجماعة.. ليس على مستوى العلاقات التنظيمية فقط حيث صارت حماس رأسًا محركًا للجماعة في الاردن، بل بما ترافق مع هذا الانقلاب الجذري في العلاقات التنظيمية من ارتدادات اخطرها، ما اصاب منظومة القيم والتقاليد والاخلاق التي كانت سائدة داخل الجماعة..
فقد صار المال السياسي يلعب دورا مؤثرا داخل الجماعة وانتخاباتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ويكفي الاشارة هنا الى انه تم دفع مبلغ أحد عشر الف دينار لتسديد اشتراكات الأعضاء من محاسيب وانصار تيار معين في احد شعب الاخوان للتأثير على نتائج الانتخابات الداخلية في هذه الشعبة.غير تأثير المال السياسي على الانتخابات الداخلية للاخوان المسلمين، صار هذا المال يوظف لشراء الولاءات، فصار للبعض شركاتهم واستثماراتهم المالية، وصار شراء الولاء يقدم على شكل وظائف برواتب مغرية.
فقد صارت رواتب بعض غير المتفرغين في مؤسسات الجماعة من المحسوبين على هذا التيار تبدأ بخمسمائة دينار شهريا، تصرف كبدل مواصلات، وصارت رواتب بعض حملة الدبلوم تبدأ بالف وخمسمائة دينار شهريا، واصبح بعض المعدمين يملكون اكثر من رصيد بنكي، وصاروا واجهات اجتماعية، بالاضافة الى السفر والحفاوة التي تقدم لهؤلاء في مطارات بعض الدول. كل ذلك مقابل استخدامهم كواجهات وسواتر لمجموعة التنظيم السري التي صارت ذراعاً حمساويا بعد ان قال رموز هذه المجموعة بحماس عند بدايتها ما لم يقله مالك في الخمرة..
لكنها الانتهازية السياسية وسهولة الانقلاب على المواقف.مع دخول المال السياسي، دخلت على الاخوان روح المؤامرة والتآمر والدسائس السياسية، كما حدث في التآمر على الدكتور عبد اللطيف عربيات في انتخابات رئاسة مجلس شورى الاخوان المسلمين، وكما حدث في التآمر على الدكتور اسحق فرحان في انتخابات احدى شعب الاخوان المسلمين في عمان، مثلما كان الاستاذ سالم الفلاحات اكثر من مرة ضحية هذه الروح التآمرية، آخرها يوم تم الانقلاب عليه في صبيحة اخر انتخابات لموقع الأمين العام لحزب جبهة العمل الاسلامي، وهو الانقلاب الذي أطاح بالحل التوافقي الذي تم التوصل اليه بين اجنحة الجماعة للخروج بها من ازمتها التي يريد لها الانقلابيون المزيد من التأزيم، ولم تكن هذه هي المؤامرة الوحيدة على الاستاذ الفلاحات، فقد تم التآمر قبل ذلك للإطاحة به من موقع المراقب العام على اثر البيان الذي اكد اعتراف الجماعة بشرعية الدولة.
هذه نماذج من حصاد روح المؤامرة التي بدأت تستشري في جسد الجماعة، والتي غذاها المال السياسي الذي شكل علامة فارقة في اخلاقيات الجماعة وعلاقات ابنائها ببعضهم، وهي العلاقات التي اصيبت بشرخ عمودي صار واضحاً للعيان، بالرغم من كل محاولات اخفائه وانكاره، أعني بذلك الاصطفاف على اساس الاصول والمنابت عند الكثيرين من ابناء الجماعة، وهذا يشكل انقلابا على العلاقات التاريخية بين الاخوان المسلمين في الاردن حيث لم يكن احدهم يستنكر ان يكون د.هايل داود ابن قضاء رام الله نائبا لشعبة السلط، او ياسر ابو الحسن ابن فلسطين المحتلة نائبًا لشعبة اربد، ومثلما لم يكن احدٌ قادرا على فك عرى الاخوة بين عبد اللطيف عربيات ابن السلط، باسحق فرحان ابن عين كارم.
وهذا الاصطفاف المنابتي يشكل انقلابا على فكر حسن البنا، والأهم من ذلك انه يشكل خروجا على قيم الاسلام في الأخوة ونبذ العصبيات، لكنها الحقيقة المرة التي يدفعنا حرصنا على تاريخ الجماعة وصورتها عن الامساك عن الحديث عن المزيد من كل وقائعها ووثائقها، لكن الذي لا نستطيع السكوت عنه هو القول بأنها سبب جوهري من اسباب الازمة الحالية للجماعة.. حيث ارادت جماعة التنظيم السري ان تجرد الاخوان من علاقتهم بالاردن كوطن، وان تحرمهم من التفكير بجعل هموم هذا الوطن من اولوياتهم في اطار انقلابها على الدولة الاردنية، وهو الانقلاب الذي صارت في ظله تتشكل خلايا سرية من شباب الاخوان، تعمل لحساب حماس حيث تم القبض على الكثير منها، وتبين ان القيادة الشرعية للاخوان لا تعلم عنهم شيئا، مثلما لا تعلم شيئا عن التدريب العسكري لمجموعات من شباب الاخوان ولا عن تخزينهم للسلاح في الاردن.
فبسبب سطوة التنظيم السري واستقوائه بالمال السياسي، صار للجماعة قيادتان: واحدة معلنة لا تملك من أمرها شيئا في كثير من الأحيان، وأخرى سرية تلعب لحسابات غير اردنية، وتمارس ازدواجية المعايير وعمليات التضليل التي جاء في اطارها الفصل الوهمي لبعض شباب الاخوان، للتفرغ للعمل لحساب حماس ليبدو ان لا علاقة للجماعة بما تفعله حماس على الارض الاردنية.
هذه بعض صور وافرازات أخطر انقلاب تنظيمي شهدته الجماعة.. وهو الانقلاب الذي قاد للانقلاب على الاردن كوطن، والذي استعرضنا بعض صوره في مقالات سابقة باعتباره سببا لتحرك بعض قيادات الاخوان ورموزهم التاريخية للتصدي لهذا الانقلاب، ولإعادة الامور الى نصابها ومسارها الصحيح.
*****
(*) رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمات لحوارات المستقبل” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.