البترون ـ غسان عازار
رعى وزير الاعلام النقيب رمزي جريج اللقاء الذي دعا اليه المحامي جورج ضو حول كتاب “البترون وآل ضو ـ سيرة مدينة وعائلة” للكاتب نبيل يوسف في مجمع بترون فيلاج كلوب، شارك فيها الخوراسقف سمير الحايك، راعي أبرشية البترون المطران منير خيرالله، النائب السابق حميد فرنجية.
بعد النشيد الوطني اللبناني ألقى الخوراسقف سمير الحايك كلمة قدم فيها للقاء فكلمة الكاتب يوسف الذي رحب بالحضور وشكر كل من ساهم في إصدار الكتاب. بعد ذلك ألقى رئيس إتحاد بلديات منطقة البترون طنوس الفغالي كلمة وصف فيها اللقاء بمناسبة استذكار كبار من عائلة ضو أعطوا الكثير للبنان ومنطقة البترون. ثم ألقى قصيدة من وحي المناسبة.
خيرالله
بعدها ألقى المطران خيرالله كلمة قال فيها:
“يتحفنا الأستاذ الصديق نبيل يوسف بكتاب جديد عن « البترون وآل ضو- سيرة مدينة وعائلة». وهو يحاول كتابة صفحات من تاريخ آل ضو في البترون، كما حاول غيرُه كتابة صفحات من تاريخ آل عقل. والتاريخ لا يُكتب إلا بعد أن يمرّ عليه الزمن وتُجمع وثائق أحداثه من جهات مختلفة وتتقابل وتخضع للمقاربة والمناقشة والتحليل. كتاب الأستاذ نبيل هو محاولة ناجحة تسهم في كتابة التاريخ المعاصر وتقدّم لنا وثائق تصلح أن تكون، بعد مقاربتها مع وثائق أخرى ليست موضوع هذا الكتاب، ومناقشتها وتحليلها، مرجعاً لكتابة تاريخ لبنان.
في هذا الكتاب نقرأ بعض الصفحات الجليلة عن آل ضو ومآثر شخصياتهم البارزة ومركزية منزلهم في البترون الذي كان يسمّيه البعض « البيت الأبيض». وآل ضو، بصداقتهم مع آل فرنجيه، كما آل عقل بصداقتهم مع البطريرك الياس الحويك، أسهموا كأبناء البترون بكتابة بعض جوانب من تاريخ لبنان. نكتشف في هذا الكتاب ثلاث شخصيات من آل ضو تعاقبت في ثلاثة أجيال على خدمة البترون، المدينة والمنطقة: المحامي أسعد يوسف ضو، تلميذ مدرسة مار يوحنا مارون وجامعة القديس يوسف بيروت، ومدير ناحية البترون الساحلية في أوائل القرن العشرين، ومؤسس معهد الحقوق ومجلة « مشهد الأحوال» في البترون. المحامي النائب يوسف أسعد ضو، تلميذ معهد مار يوسف عينطورا وجامعة القديس يوسف بيروت ورفيق الدراسة والنيابة للأستاذ حميد فرنجيه. المحامي جورج يوسف ضو، تلميذ المؤسسة الحديثة للأب ميشال خليفه ومدرسة الحكمة وجامعة القديس يوسف بيروت، والابن المميّز لدى الرئيس سليمان فرنجيه.
خدم الثلاثة منطقة البترون، من خلال رسالة المحاماة، وحملوا هموم أهلها ومعاناتهم وأثقالهم وحرمانهم ورفعوا الصوت مندّدين بالإهمال الذي كانت تعاني منه المنطقة ومطالبين بحقوقها. يقول الأستاذ جورج ضو في مقدمة الكتاب: « المحاماة هي المهنة الصعبة ولكنها الأكثرُ التصاقاً بمشاكل الناس ومعاناتهم والأكثر قرباً من موقع السلطة والقرار في مؤسسات الدولة… وفي رسالتي هذه مارستُ فعلَ إيمان عميق بالإنسان وبلبنان وحقّقت انفتاحاً إنسانياً وإجتماعياً وسياسياً على كل الناس وعلى جميع الفئات» (ص 5). وهذا الموقف نابع من التزامٍ مسيحيّ وكنسيّ عرفناه في الأستاذ جورج؛ فهو ابن الكنيسة يلتزم تعاليمها في خدمته الإجتماعية والسياسية.
تُعلِّمنا كنيستنا المارونية في المجمع البطريركي الماروني (2006)، الذي هو عصارةُ فكر وتعليم كنيستنا ودليلُها للسنوات الخمسين المقبلة، ونحن اليوم في البترون في مسيرة مجمع أبرشي يهدف إلى تطبيق المجمع البطريركي الذي نقرأ فيه: « السياسة رهانٌ كبير؛ هدفُها الوصول إلى مجتمع يعترف فيه كل شخص بالآخر على أنه أخوه ويعامله على هذا الأساس». « السياسةُ نضالٌ متواصل وممارسة يومية للأفراد كما للجماعات، تنتقل من جيلٍ إلى جيل لإيجاد الحلول لمشاكل المجتمع ولتأمين حق الإنسان في الحرية والعدالة والسلام والعيش الكريم بعيداً من الأوهام وتبسيط الأمور، لأن لا شيء في السياسة مُعطىً بل هو قابل للتطوّر باستمرار. في اختصار، السياسة هي الاهتمامُ بالآخرين، والالتفاتُ إليهم، والاستماعُ إلى مشاكلهم، ومساعدتُهم واحترامُهم ومحبتُهم». (المجمع البطريركي، النص 19، الكنيسة المارونية والسياسة، عدد 46 و47).
هكذا مارس السياسةَ كبارُنا الذين سبقونا وتركوا لنا إرثاً عريقاً وأمثولة في التعاطي مع الشؤون السياسية على أنها قابلة للتطور باستمرار لكن بالقيم نفسها التي هي من الثوابت ولا تتغيّر.
لنقرأ، على سبيل المثال، ما يكتب النائب يوسف سالم في هذا الكتاب عن ظروف انتخاب الرئيس كميل شمعون سنة 1952 والمنافسة التي كانت قائمة بينه وبين الأستاذ حميد فرنجيه:
« برز في الميدان مرشحان لكل منهما مكانةٌ كبيرة وقاعدةٌ شعبية وماضٍ سياسي ورصيدٌ وطنيّ ضخم: كميل شمعون وحميد فرنجيه، … ظنّ الشعب اللبناني بسذاجته وطيبته، أن الفوز سيُكتب لمن يختاره نواب الشعب أحراراً من كل ضغط وتأثير، إلا تأثير مزايا أحد المرشحَيْن على الآخر. ولكن واقع الحال كان غير ذلك؛ فأبواب لبنان لا تزال مشرّعة أمام النفوذ الأجنبي وتدخّل قريبها وبعيدها لا يزال يفعل فعله.
بلغ التنافس بين المرشحَيْن قمّته…. عندئذ، توجهتُ إلى حميد فرنجيه بهذا السؤال: هل ترضى أنت حميد فرنجيه بأن يُنتخب رئيس الجمهورية اللبنانية في هذا الجو من الضغط ؟ قال: لا وما ترانا نفعل ؟ قلت: أرى أن تجتمع بكميل شمعون وتدرسا الموقف معاً ويحصي كلّ منكما مؤيّديه من النواب، ومن كان عدد مؤيّديه أقل ينسحب للآخر، ويُنتخب الرئيس حينئذ بالإجماع ونُزيل عنّا وصمةَ تدخّل الأجنبي. … لم يتردّد حميد فرنجيه، بل وافق على الفور. فذهبتُ في الحال إلى كميل شمعون وعرضت عليه الاقتراح ثم دعوته إلى الإجتماع بحميد فرنجيه في منزلي. وبعد ساعات قليلة، كان المرشّحان المتنافسان وجهاً لوجه في خلوة لم يحضرها سواي يدرسان الموقف من كل وجوهه. … فجأة، وقف حميد فرنجيه وقال لكميل شمعون: مبروك. ثم صافحه وانفتح الباب على مصراعيه فضجّت الدار بالتصفيق والهتاف» (ص 145-146).
هل نتعلّم اليوم من أسلافنا قيمة الخدمة السياسية وبذل التضحيات المطلوبة في خدمة الشعب والمجتمع والوطن ؟ وطننا لبنان يمرّ اليوم بأزمة مصيرية في السنة الأربعين على إطلاق شرارة الحرب فيه، وهو بدون رئيس منذ أحد عشر شهراً، ومؤسساتُه مهدّدة بالإنفراط، هذا عدا عن العواقب الوخيمة التي يتحمّلها هو وشعبه جرّاء الحروب الدائرة في المنطقة، ومن أخطرها وِزْر اللاجئين واشتداد الأزمة الإقتصادية.
أدعو الجميع وبخاصة السياسيين من بيننا، إلى أن نلتزم بكل خدمة يمكن تأديتُها في المجتمع ومن أجل الخير العام، فيكون حضورُنا فاعلاً وشجاعاً ومثابراً في الحياة العامة، كلٌّ من موقعه ووفقاً لدعوته ورسالته وإمكاناته الخاصة. ولا يمكننا « التخلّي عن المشاركة في السياسة، أي عن النشاط الإقتصادي والإجتماعي والتشريعي والإداري والثقافي المتعدّد الأشكال الذي يستهدف تعزيز الخير العام، عضوياً وعبر المؤسسات»، كما يطلب منا القديس البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي (عدد 112). ذلك لأن الوصول إلى مجتمعٍ أكثرَ عدلاً وأكثر احتراماً لحقوق الإنسان يتطلّب منا المشاركة، كونها المدخل إلى تصويب الأمور”.
فرنجيه
اما النائب السابق سمير فرنجيه فاستهلّ كلمته منوها “بالجهد المميز الذي بذله الصديق نبيل يوسف في كتابه “البترون وآل ضو – سيرة مدينة وعائلة”. وقال:
“جاء هذا الكتاب الذي يتضمن وقائع تاريخية مهمة في زمن نحن بأمس الحاجة فيه – نظراً لحاضرنا الصعب – الى العودة الى الماضي لاستخلاص عبر ودروس تمكننا من تجاوز أزمات الحاضر ورسم معالم المستقبل.
في الكتاب محطات تاريخية تتعلق بمعركة الاستقلال واغتيال الرئيس رياض الصلح والثورة البيضاء التي أطاحت بالرئيس بشاره الخوري وثورة العام 1958. في الكتاب أيضاً سرد تفصيلي لكل المعارك الانتخابية التي شهدتها منطقة البترون من العام 1934 الى العام 2000 ” متوقفا عند محطات ثلاث: المحطة الأولى في 2 كانون الأول 1949، عندما تقدّم يوسف ضو بمشروع قانون يقضي بإعطاء المرأة اللبنانية حق الإنتخاب. و جاء في الأسباب الموجبة أن المرأة هي نصف المجتمع، وهي لا تقلّ شأناً عن الرجل، وتمارس واجباتها الوطنية كالرجل تماماً، “… وبرهنت في شتى المراحل التي مرّت بها البلاد عن وعي قومي يؤهلها لممارسة الحقوق السياسية الممنوحة للرجل، … فلا بد من إعطائها حقّ الاقتراع…”. كان يوسف ضو أول نائب في تاريخ البرلمان اللبناني يرفع الصوت مطالباً بمساواة الرجل بالمرأة في الانتخابات النيابية. والمحطة الثانية كانت في 13 كانون الثاني 1950. ففي جلسة مجلس النواب التي عقدت في هذا اليوم، طلب الكلام النائب حميد فرنجية ليرد على رئيس الوزراء السوري خالد العظم، الذي شتم لبنان وحكومته “مهدداً متوعداً مطالباً لبنان بالدخول مع سوريا في اتحاد إقتصادي كامل، أو اتخاذ قرار بالإنفصال الكامل إقتصادياً بين البلدين”.
وجاء في ردّ حميد فرنجية: “… إن سوريا لا تسير على خطة مثلى بحقّ لبنان، خصوصاً وهي في حالة ضعف وعدم استقرار، ولا أجد مناصاً من تمثيل دبلوماسي بين الحكومتين اللبنانية والسورية للوقوف على الحالة الحقيقية عند جيراننا في هذه الأيام الصعبة”. أحدث كلام حميد فرنجية دوياً داخل المجلس وخارجه، وكانت المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يدعو فيها قيادي لبناني إلى تبادل ديبلوماسي بين بيروت ودمشق، وغني عن التذكير أن هذا التبادل لم يتمّ إلاّ في العام 2008.هذا الموقف دفع الرئيس السوري آنذاك أديب الشيشكلي الى العمل ضد حميد فرنجية في الانتخابات الرئاسية عام 1952.
في أواخر تموز 1958، حين عقد في منزل آل ضو في البترون اجتماع بين الموفد الأميركي ريتشارد مورفي والرئيس رشيد كرامي، أحد قادة ثورة العام 1958، حيث تم وضع اللمسات الأخيرة لتسوية الأزمة اللبنانية. وبعد أيامٍ قليلة انتخب قائد الجيش – اللواء فؤاد شهاب، رئيساً للجمهورية.
في هذا الكتاب فصل بعنوان آل ضو وآل فرنجية يقول فيه الكاتب: قد لا يسجّل التاريخ السياسي اللبناني ترابط علاقة سياسية بين عائلتين كترابط آل فرنجية وآل ضو. تعود علاقة آل ضو بآل فرنجية إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما تعرّف أسعد ضو وكان محامياً إلى سليمان إغناطيوس فرنجية مدير ناحية إهدن، وإلى ابنه قبلان فرنجية (والد حميد وسليمان) المعيّن مديراً لناحية إهدن عام 1908 خلفاً لوالده. وقد توطّدت العلاقة بين العائلتين واستمرت مع الأولاد والأحفاد. في مدرسة عينطورة، تزامل يوسف ضو مع حميد فرنجية وشقيقه سليمان. عام 1925، انتسب الرجلان إلى جامعة القديس يوسف في بيروت لدراسة الحقوق، حيث نالا الشهادة عام 1929. ومن ثم سافرا إلى فرنسا لتقديم الإمتحان في كلية الحقوق التابعة لجامعة ليون، لنيل شهادة الحقوق الفرنسية. وبعد عودتهما باشرا التدرج في مكتب الرئيس بشارة الخوري. وبعد انتهاء فترة التدرّج، افتتح الرجلان ومعهما شارل عمون وصلاح لبكي مكتب محاماة في بيروت، تسجّل فيه مجموعة من المحامين من بينهم مخايل الضاهر واسكندر سارة من البترون وميشال الفرخ من صورات…أكمل الرجلان الطريق معاً في مجلس النواب ولم يفترقا لحظة واحدة، واستمرّت العلاقة حتى بعد إصابة حميد فرنجية بالعارض الصحي، وتسلّم شقيقه سليمان القيادة، فبقي التواصل هو ذاته. هذه العلاقة الوطيدة التي قامت بين الرجلين في العمل والسياسة جعلتهما يتشابهان حتى في المرض, فالاثنان تعرضا لفالج أدى بهما الى شلل جزئي.
العودة الى التاريخ في هذه الظروف الصعبة مسألة ضرورية لإعادة اكتشاف ثوابتنا الوطنية في زمن المتغيرات وحماية أنفسنا من عنف منفلت بات يتهدد الجميع. وهذه العودة الى التاريخ ضرورية لإعادة الاعتبار الى السياسة بما هي عمل نبيل لخدمة الإنسان وليست كما هي اليوم مجرد صراع على السلطة. وهذه العودة الى التاريخ ضرورية أيضاُ لإعادة الاعتبار لنظام القيم الذي يربط ما بين اللبنانيين والذي من دونه لا عيشاً مشتركاً فيما بينهم.
أروي حكاية صغيرة حدثت معي وأعطتني درساً تعلّمته من سائق تاكسي جزائري في باريس. بعدما تعارفنا أثناء الرحلة، على عادة الشرقيين، وصل بنا الحديث إلى ذكر التاريخ. وهنا بادرني السائق الحكيم إلى القول: إسمع يا صديقي… التاريخ مثل هذه المرآة التي يتوجّب عليّ أن أنظر فيها من وقت إلى آخر، لأرى ما خلفي، وأستطيع أن أتقدّم بأمان. ولكنْ إذا سمَّرتُ نظري فيها، ولم أنظر أمامي، فسوف أذهب إلى الهاوية!…”
جريج
ثم كانت كلمة راعي اللقاء الوزير جريج الذي تكلم باسم عائلة ضو و قال: “الكتاب الذي كرسه الأستاذ نبيل يوسف لآل ضو في منطقة البترون يروي بأسلوب مشوق تاريخ هذه المنطقة من خلال سيرة عائلة، كان لها دور بارز في صناعة هذا التاريخ.
والأرض أصلاً بناسها، هي ليست سهولاً وشطآناً وجبالاً فقط، لكنها قبل كل شيء مستقر الإجتماع البشري، ودار الحياة الإنسانية بكل تحلياتها، والمساحة التي تتسع لمختلف وجوه الحضارة. ولهذا ، فإن تاريخها في الحقيقة ليس إلا تاريخ البشر الذين أقاموا ويقيمون عليها. لقد تركت لسواي من الأصدقاء المشاركين في هذا اللقاء أن يناقشوا مضمون الكتاب وأن يدققوا في التفاصيل التي سردها المؤلف عن منطقة البترون وعن الأحداث التي شهدتها خلال القرنين المنصرمين وعن دور عائلة ضو في تاريخها الحديث، مكتفياً في كلمتي هذه بمحاولة الإجابة على السؤال التالي:
ما هي الصفات التي تميزت بها عائلة ضو لتتمكن من إكتساب محبة مناصريها وثقتهم في منطقة البترون بالرغم من قلة عدد أفرادها وتبدل الظروف الإجتماعية والسياسية في تلك المنطقة؟
أعتقد أن الصفة الأولى التي يعترف بها الجميع لعائلة ضو هي الثبات في العقيدة وفي الموقف. لم يتقن أسعد ضو ومن بعده يوسف ضو ومن ثم العزيز جورج ضو فن التقلب في السياسة والإنتقال من موقع الى آخر، بل إتخذوا جميعهم ممن التمسك بمبادئهم وإلتزامهم السياسي نهجاً مستمراً في العمل العام.
فلقد عرف أسعد ضو بالتمسك بالمبادئ التي آمن بها ودافع عنها مديراً لناحية البترون ومحامياً عنيداً وصحافياً في جريدة “مشهد الأحوال”، التي أنشأها في العام 1910، ومؤسساً لمدرسة حقوق وعملانياً لا يحبذ تدخل رجال الدين في السياسة.
أما خالي يوسف ضو، فكان إستقلالياً بإمتياز، إذ إنخرط منذ خوضه غمار السياسة، في صفوف الكتلة الدستورية الى جانب صديقه وزميله في المحاماة الزعيم الوطني الكبير حميد فرنجية، الذي كان يوسف ضو مؤيداً له في السراء والضراء، الى أن حرم مرض مفاجئ البلاد من تبوء حميد فرنجية رئاسة الجمهورية، فأصيب يوسف ضو منذ ذلك الوقت بنوع من “اليتم السياسي”، لم يتمكن من تجاوز أثره على مسيرته السياسية.
وترتبط بثبات الموقف صفة ثانية تميز بها آل ضو وخصوصاً يوسف ضو ألا وهي الوفاء، حتى التضحية بالنفس، لزعماء، إرتبط معهم بتحالف سياسي ثابت وبصداقة شخصية دائمة. في طليعة هؤلاء بشارة الخوري ورياض الصلح وحميد فرنجية. ولعل صداقة يوسف ضو لهذا الأخير هي إحدى عناصر الإرث المعنوي الذي إنتقل بعد رحيل الإثنين الى عائلتيهما. وإن وجود الصديق سمير فرنجية بيننا اليوم خير دليل على إستمرار هذه الصداقة وتجاوزها مرور الزمن المسقط.
أما الصفة الأخرى، التي ميزت عائلة ضو، فهي قربها من الناس، تضامنها الدائم معهم في أحزانهم وأفراحهم، وإختيار النخبة منهم في مدينة البترون وفي سائر بلدات المنطقة كحلفاء ومناصرين لها. ولقد تسنى للعائلة بسبب ذلك أن ينشئ شبكة علاقات متينة مع عدد من فاعليات منطقة البترون ، لا يزال بعضها قائماً حتى يومنا هذا.
بالإضافة الى تلك الصفات ، ليسمح لي أن أذكر صفة نادرة هذه الأيام ألا وهي نظافة الكف، التي دفعت بمن خاض الإنتخابات النيابية من عائلة ضو الى بيع الجزء الأكبر من أملاكه لتحمل أعباء تلك الإنتخابات، التي كان ينظر إليها كعمل تطوعي لأجل الخدمة العامة. ويبقى كلامي ناقصاً، إذا لم أذكر صفة أخيرة تميزت بها عائلة ضو في عملها السياسي، وطبعت خصوصاً أداء العزيز جورج ضو في سلوكه أُثناء الأحداث الدامية، التي عصفت البلاد في العام 1975، وهي نبذها للعنف بمختلف أشكاله والتعالي عن العداوات السياسية الموروثة وطي صفحة الماضي بروح من التسامح، المستمد من إيمان مسيحي راسخ ورغبة في خلق مساحة للتلاقي والحوار بين جميع أبناء منطقة البترون. تلك الصفات الحميدة أعتز بأن العائلة التي أنتسب إليها عن طريق الخؤولة قد تميزت بها خلال مسيرتها الطويلة في العمل السياسي.
الكتاب الذي يجمعنا اليوم أعاد الى ذاكرتي صوراً عن ماض، إمتزجت فيه فرحة النجاح بخيبة الفشل، مروراً بجرح عميق إندمل مع الأيام، بفعل التعالي عليه، خصوصاً من قبل إبن خالي العزيز جورج ضو، الذي جمع في شخصه كل الصفات الحميدة التي رفعت العائلة لواءها.
نصيحتي بأن تقدم، بعد كل ما شهدته منطقة البترون من تطور إجتماعي وسياسي، على تجاوز الخلية العائلية والإنخراط في العمل العام ضمن أطر جديدة تتسع للقيم الأخلاقية التي آمنت بها العائلة وتتماشى مع مقتضيات العمل السياسي على كامل مساحة الوطن. وبوسعهم في هذا المجال الإقتداء بسيرة قريبهم المرحوم نسيب لحود، المنتسبة عائلته لآل ضو، والذي تمكن من توظيف تراثه العائلي العريق في عمل سياسي منتظم ضمن حركة التجدد، التي تجاوز فيها الزعامة العائلية التقليدية، فصح فيه قول الشاعر:
وخير الناس ذو حسب قديم أقام لنفسه حسباً جديداً
ورأى أن “وطننا بحاجة ماسة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الى حشد جميع الطاقات الفردية لأجل عمل جماعي من شأنه مساعدة لبنان على ولوج طريق التقدم والإزهار وعلى حل الأزمات السياسية التي يعاني منها، وليس شغور مركز رئيس الجمهورية إلا أحد مظاهرها. بهذا النهج نحافظ في آن معاً على تراثنا العائلي، الذي نعتز به، ونوظفه بشكل مفيد ضمن إطار أكثر فاعلية من أجل لبنان، كل لبنان.
أشكربإسمي وبإسم العائلة الكاتب والخطباء والحضور، آملاً أن نستفيد جميعاً من عبر التاريخ لأجل بناء مستقبل أفضل”.