“سعيد عقل بين الشخصية والشعرية”… ندوة في مركز التراث اللبناني – الجامعة اللبنانية الأميركية بيروت

في الذِّكرى الثَّـمـانين (1935 – 2015) لِــصدُور مَأْساة “بِــنْـت يَـفـتـاح” وقصيدة “فخر الدين”  likaa- saiid aklنظم  مركزُ التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأَميركية (LAU) شارك فيه الأَديبة إِمِلي نَصرالله: “يَدُهُ… تلكَ العاليَة!” الدكتورة هِـنــد أَديب: “الآخَــرُ بـيـن ثَبات الــ”أَنا” وتَخَطّي الذَّات”.  وتخللته قراءات من شِــعــر سعيد عقل بالفُصحى والمحكيَّة.

 افتتح مدير مركز التراث اللبناني الشاعر هنري زغيب  اللقاء بكلمة أشار فيها إلى أن معالجة سعيد عقل بعد غيابه  تكون بتعاملنا مع النص لا مع الرجل، وبالقراءة الأكاديمية النقدية المعمقة كي يبلغ نصه الشعري والنثري مبلغه لدى المتلقي كما صدر عن الشاعر بتقنيته الأسلوبية والمضمونية فكرا ولغة وجمالية أداء”.

 إميلي نصرالله

المداخلة الأولى كانت للأديبة إملي نصرالله التي سردت تجربتها مع الشاعر إبان عملها في “دار الصياد” منذ 1955، وسعيد عقل يومها من أركان تحرير المجلة التي كان مؤسسها وصاحبها سعيد فريحة يطلب إليه ترؤس اجتماعات التحرير حين تصدف أن يكون الشاعر في الدار عند انعقاد الاجتماع. ومما جاء في كلمتها: “كان الأستاذ سعيد فريحة دعاه ليكتب مقالا أسبوعيا على مزاجه. وأذكر كم كان فخورا به عضوا في المؤسسة ويدعوه سميي. هناك تسنى لي أن أطلع على مخطوطات مقالاته، وألاحظ التشطيب الكثير الذي يجريه على النص تعديلا وتبديلا لشدة ما كان متطلبا يتأنى في أسلوبه ويحرص على الأفضل والأجمل من الكلمات. كان ذاك عهدا ذهبيا في الصياد، وكان حضور سعيد عقل لافتا، يوجه المحررين الشباب إلى قضايا لبنان والأدب والجمال، كأنما هو مرشدنا الفكري واللغوي والأدبي”.

وروت “حين اندلعت حرب حزيران 1967 وصوت أحمد سعيد يسيطر على الأجواء العربية مؤكدا انتصار العرب، أخذت الحماسة الأستاذ سعيد فنظم قصيدة لم تتسن لأحد قراءتها إذ انكشفت الحقيقة المرة وسرى نبأ الاندحار فراح يمزق قصيدته فتاتا طرحه في سلة المهملات”.

وختمت: “هكذا عرفت سعيد عقل يصقل كلماته كالجوهرجي ويغرق القارىء في حيرة عن أصولها ومنابعها، منذ رأيته للمرة الأولى سنة 1949، في الكلية الوطنية في الشويفات، يوم ألقى أمسية شعرية، كيف بقيت يده العالية ماثلة في الذاكرة وحضور شخصيته المميزة وسحر إلقائه. وبقيت يده عالية مدى سنوات عمره المبارك، كأنها إشارة إلى على مكانة شعره وسحر إلقائه. ولا تزال صورته تلك ماثلة في ذاكرتي حتى اليوم”.

هند أديب

المداخلة الأخرى كانت للدكتورة هند أديب في عنوان: “الآخر بين ثبات الأنا وتخطي الذات” تحدثت فيها عن أن سعيد عقل “على غرار معظم الشعراء كان شديد النرجسية، أعطى لحضوره الذاتي موقعا مركزيا في مجمل أعماله. ولكن “أنا” الشاعر لم يكن مقطوع الصلة بالآخر بل امتداد له، جزء منه وجوهره. لم يكن الآخر نقيضا لل”أنا” أو عنصرا معيقا نموه ينازعه على حق أو يطالبه بتنازل. على العكس يثبت فالآخر كيان ال”أنا” ويؤكد خصوصيته وتمايزه. وهذه نظرة سعيد عقل إلى العلاقة التي تربط الـ”أنا” بالآخر”.

وأشارت إلى أن “نرجسية سعيد عقل تغدو حالة شعرية، وبالتأكيد حالة لغوية. فالـ”أنا” مفردة لغوية منتشرة في أعماله. وهذا الـ”أنا” لا يرمز بالضرورة إلى الشاعر بل يرجع في العديد من الحالات إلى الحبيبة التي اجتاحها عدوى النرجسية فصارت مثله ترى نفسها مركزا للكون. وهذا الكيان الفريد الذي هو الـ”أنا” لا يتردد في إعلان نفسه عظيما ومجيدا وجميلا. وهو مختلف عن “أنا” الرومنطيقيين الذي يكتفي بأن يكون ضمير العالم المعذب، بينما الـ”أنا” عند سعيد عقل يجعل منه الكبرياء كائنا متساميا، نقطة التقاء أطراف الكون، نقطة انطلاق الأشياء وولادتها”.

وختمت بأن “الآخر لا يشكل تحديا أو لغزا في الفضاء الهني لعالم سعيد عقل. فالآخر، مهما عظمت قدرته، إما امتداد للـ”أنا” أو توق الآخر نحو الـ”أنا” أو هو في أسوأ الأحوال خليقة الـ”أنا”. فأوروبا والإغريق والعالم أجمع ولدوا من بين أنامل لبنان المتجسد بقوة في “أنا” الشاعر، هذا التناغم اللطيف بين طرفي الجدال الحسن يتيح للآخر أن يكون عنصر ثقة للـ”أنا” وعاملا يدفعه إلى تخطي ذاته وملاقاة الآخرين. إنه تناغم مبني على إيمان وثقة عميقين بالذات فلا يكون الآخر عنصر اضطراب لتماسكه. هكذا: في عالم مليء بالقلق والخوف من الآخر – القريب والبعيد والمتوسط البعد – تبرز المعادلة السعقلية، رغم مثاليتها، عنصر تخط لصغائر الذات الفردية، وتضامن بين البشر فيشكل الواحد سند الآخر، واستقرار مشروع إنساني في العيش الاجتماعي الواحد”.

مقاطع مصوّرة

وتخلل اللقاء عرض مقاطع مصورة لسعيد عقل يلقي قصائده من كتابيه الشعريين: “خماسيات” و”نايات إلى الله”، ومن قصيدته في خمسينية الشاعر الياس أبو شبكة (زوق مكايل 1997).

وفي ختام اللقاء أعلن مدير المركز أن الندوة المقبلة (الاثنين أول حزيران) هي الأخيرة لهذا الموسم وستكون في موضوع: “فصول تراثية لحكاية الحرير في لبنان – من بيضة الفراشة إلى بياض الحرير” وتعالج كيف غير الحرير وجه لبنان الاجتماعيَّ والاقتصاديَّ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين.

اترك رد