الأديب والروائي واسيني الأعرج
أوبرا محمد إيكربوشن؟ قد يبدو العنوان غريبا شيئا ما، إذ لا وجود لهذه الأوبرا أبدا، عربيا وعالميا. لنتحدث قليلا أولا عمّن هو محمد إيكربوشن؟ موسيقار كبير ولد في 1907 في آيت وشن، بمنطقة القبائل.
تخرج من روايال نورثن كوليج أوف ميوزيك الشهير، قبل أن يلتحق بالأكاديمية الملكية للموسيقى. وعزف في فيينا اللحن العربي، والنشيد الموريسكي وغيرهما. التحق في وقت مبكر بكبريات دور الأوبرا العالمية. قبل أن يتوجه إلى الموسيقى التصويرية للأفلام، التي أبدع فيها.
أول رجل آتٍ من أرض عربية يستلم رئاسة فرقة الأوبرا في باريس ولندن وفيينا. ألف 590 قطعة موسيقية. تذكرت هذا المايسترو، عندما تم افتتاح سنة قسنطينة عاصمة عربية للثقافة، في معمار الأوبرا الجديد الذي حمل اسما مؤقتا: الزينيت، قبل أن يتم ترسيم اسم صالح باي.أوبرا بكل المقاييس الفنية العالمية، من ناحية السعة والتقنيات السمعية العالية الدقة.
طبعا صالح باي الذي سميت به صالة الزينيت، ليس مايسترو ولا حتى عازفا في فرقة سيمفونية تفرد بجهده الخاص، هو عسكري وحاكم قسنطينة في العهد العثماني. بحثت في حياة هذا الحاكم عن علاقة ولو دنيا بالفنون السمعية في القرن الثامن عشر فلم أجد إلا جهوده العسكرية ليستقل بمدينة قسنطينة.
لم يكن مثل جونار، مثلا، حاكم الجزائر العسكري الذي كان له حب كبير تجاه كل ما هو تراث أندلسي، فبنى البريد المركزي بأسلوب نيو موريسكي، ورمم فيلا خداوج العمياء ليحولها إلى دار لحفظ الميراث الموسيقي الأندلسي، وشجع على استعادة التراث الثقافي العربي القديم.
تأكد لي في النهاية أننا في العالم العربي نخسر دائما مواعيدنا الاستثنائية مع التاريخ، للافتخار بثقافتنا وبإسهاماتنا الفنية العالمية. أكيد أن صالح باي الذي وجد نفسه في دوامة السلطة، هو من قتل منافسه الباي إبراهيم، بايلك التيطري، قبل أن يحكم عليه حسن باشا الجزائر بالإعدام لأنه كان يريد فصل قسنطينة عن سلطان الباب العالي. فشنقه في ١٧٩٢ خوفا منه ومن تأثيره الجماهيري. لنقل إذا أردنا أن نكون إيجابيين إن صالح باي الذي تغنت به نسوة قسنطينة يوم إعدامه ومن وقتها، بحسب بعض الروايات التاريخية، تجللن بالسواد حزنا عليه، كان وطنيا، أراد أن يجعل من قسنطينة نواة سلطان مستقل.
من هنا يمكن تخليده في الذاكرة الجمعية، بإنجاز معالم باسمه داخل المدينة، تستعيد بطولاته الكبيرة، كأهم شارع في المدينة، تسمية الجبل الذي خاض فيه أهم معاركه باسمه، إطلاق اسمه على مدرسة حربية عليا يتخرج منها الضباط اليوم لربط الماضي بالحاضر، إنجاز تمثال في وسط المدينة يجسد اغتياله شنقا. نقل رفاته من العاصمة إلى قسنطينة، مسقط رأسه ومركز جهاده.
كل هذا معقول، بل وواجب لأنه متناسب وجهد الرجل النضالي، لكن أن تسمى به أول أوبرا بنيت في جزائر ما بعد الاستقلال، يبدو لي الأمر شديد الغرابة. احترامه في وضعه في مكانه الرمزي الطبيعي. كان ابن زمانه، عسكريا طموحا للسلطان قاتَلَ وقُتِلَ من أجله. وإذن لماذا سميت الأوبرا باسم صالح باي؟ لماذا لم تسم ببساطة باسم أول وأهم رجل أوبرا في العالم العربي، محمد ايكربوشن، الذي يتوفر على كل المواصفات التي تؤهله لذلك، في مكان مناسب له بامتياز؟.
******
(*) صحيفة المدينة