الأديب إيلي مارون خليل
إحلم، يا رجل! تُنقذ نفسَك ممّا تكره!
وماذا تكره!؟
ألغلط! أنت، ولا شكّ، تكره الغَلَط، أينما كان هذا الغلط! تسأل: أين نجدُه؟ لكنّ السّؤالَ الواقعيَّ الموضوعيَّ الصّائبَ هو: وأين لا نجد الغَلَط!؟
صحيح، أين لا نجده!؟
في الأسرة!؟ من أين، إذًا، تَفَكُّك الكثيرِ منها!؟ وتاليًا، ضَياعُ الأطفال والأولاد والشّباب، فاختلال المجتمعات والأوطان والأمم والبشريّة جمعاءَ؟
في الجتمع!؟ من أين، إذًا، تناقضاتُه وتَشَرذُمُه!؟ وتاليًا، فقدان الانسجام والتَّكامُل بين الأفرادِ والعائلات والجماعات، ولمَ هذه الخلافاتُ في الرّأي ووجهات النّظر؟
في الوطن!؟ من أين، إذًا، تتحوّل الاختلافات إلى خلافات، في العادات والتّقاليد والثّقافة ومفاهيم كثيرة تتعلّق بقِيَم أخلاقيّة وإنسانيّة، فتنشب الصِّراعاتُ العقائديّة وتتحوّل إلى عسكريّة، مع ما تؤول إليه؟
في السّياسة!؟ من أين، إذًا، الأحزابُ والعصبيّات والنّزاعات!؟ ومن أين الحسدُ الحقدُ الغَيظ، ومفاعيلها على الأفراد والجَماعات، ولمَ ينساق الشعبُ قطيعًا أو قطعانًا!؟
أين لا نجدُه، هذا الغَلَط!؟
في الأديان!؟ من أين، إذًا، تسفيهها بعضها لبعض، وتنافرُها وتنابِذُها وتَخابثُها!؟ ومن أين احتكارُها لله، وتعصُّبُها الأعمى لما تحسبُه “الحقيقة” ممّا تؤمن به، وتكفّر الآخرين أو “تجعلهم” مرتدّين، فتُعمِل فيهم السّكاكينَ والخناجر والسُّيوف، “مُنَصِّبةً” نفسَها حارسةَ اللهِ وحاميَتَه الوحيدة!؟ من دون أن ننسى، أو نتناسى، محاكمَ التّفتيش في أزمنةٍ ولّت مندثرة في غياهب الظُّلُمات!
في الفنّ!؟ من أين، إذًا، الأصدقاءُ ـ الأعداءُ، “الحروبُ”، التّهشيمُ، التّضليلُ، السُّباب، الغيبة، الحسدُ!؟ ومن أين الطّمَعُ الجشَعُ الكراهيةُ تَمَنّي السّوء إضمارُ الشّرّ، وكافة السّيّئات!؟ ومن أين، بعدُ، كلّ ما يناقضُ جَمال الفنّ وروحَه ومِثاليّتَه!؟
في الكون كلِّه!؟ من أين، إذًا، البُغضُ والحروبُ والدّمار والخَرابُ، ومن أين غيابُ الحبّ والحنان والغفران والنّسيان وروح الألفة والتّعاون!؟ ومن أين غيابُ الأصدقاء، وتغييبُ الصّدق والطّهر والأمل والرّجاء!؟
إنّ عالمَنا، اليومَ، محكومٌ بالعتمة! عتمة الرّوح الّتي دنّستها “قُشورُ” العصر الحاسبةُ نفسَها روحَه “الكلّيّةَ الطّوبى”! محكومٌ بالمصلحة! فلا أخوّة، ولا ألفةٌ، ولا رِفقةٌ، ولا صداقةٌ… لقد غاب الإنسانُ عن الإنسان، امّحت القِيَمُ، تآكلَ الضّميرُ… فبتنا ننتظرُ رجاءً لن يحضر، ومخلِّصًا لن يأتي، وعالَمًا لن يتكوّن! محكومٌ بالمال! بالتّجارة بالجاسوسيّة بالجنس بالبُغضِ بـ”التّكنولوجيا”، أقصد: “المَرَضولوجيا”!
مع ذلك، إحلم، يا رجل!
ألعالَمُ غلط!؟ لاعليك، إحلم بتغييره… بأنّه تغيّر!
ألتّكنولوجيا ـ المرضولوجيا” تحكمنا!؟ إحلم بأنّها تأنسنت، تروحنت، تقدّست… فتسامى الإنسانُ فائضًا نورًا… وطوّعها لإرادته، استخدمها بدل أن كانت تستخدمُه!
إحلم!
(ألسّبت 11- 10- 2014)