عن ثنائية الدولة والإخوان (4)… «فريتان»

الكاتب بلال حسن التل

 من الذرائع التي أوردها الدكتور همام سعيد لرفض التقدم بترخيص جماعة الاخوان المسلمين أن bilal talالترخيص سيحول دون الجماعة ودعم قضية فلسطين.

  وهي ذريعة يفندها تاريخ الجماعة في الاردن، وفي كل البلاد التي تتيح للجماعة العمل العلني ومنها مصر.. البلد الذي تأسست فيه الجماعة، حيث رخص الشهيد حسن البنا الجماعة تحت اسم «جمعية الاخوان المسلمين» وهو بالضبط ما تم في الاردن، على يد الحاج عبد اللطيف ابو قورة واخوانه الذين اسسوا الجماعة في الاردن وتم ترخيصها كجمعية تحمل اسم «جمعية الاخوان المسلمين»، وهو ما أشرنا اليه في مقال سابق، وهو كذلك ما تم في اكثر من بلد كما بيّنا في مقال سابق ايضا، كما يفند هذه الذريعة تاريخ رعاية الدولة الاردنية ايضا لجماعة الاخوان المسلمين.

  ففي اطار الحماية والرعاية التي وفرتها الدولة الاردنية لجماعة الاخوان المسلمين، خاصة في مجال دعم قضية فلسطين غضت الدولة الاردنية بصرها عن قواعد العمل الفدائي التي اقامتها الجماعة بعد هزيمة 1967، ولم تتعرض لأحد من افراد هذه القواعد بعد فتنة ايلول عام 1970.

 وفي اطار حماية الدولة الاردنية للجماعة ومن ثم دعم قضية فلسطين كانت جهود جلالة المغفور له الحسين بن طلال طيب الله ثراه لاطلاق سراح موسى ابو مرزوق، اول رئيس للمكتب السياسي لحركة حماس من السجون الأمريكية وإعادته الى الاردن والمنطقة، واستقبال جلالة الملك لأبي مرزوق وأسرته في الديوان الملكي، وتأكيد جلالته لهم بأن الاردن بلدهم. وفي هذا الاطار كانت رعاية جلالته لخالد مشعل الذي خلف موسى ابو مرزوق في رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، ووضع جلالته للعملية السلمية في المنطقة في كفة، وحياة مشعل الذي وصفه جلالة الملك حسين بأنه احد أبنائه، والذي قال عنه جلالته: ان حياة هذا الاردني في كفة وحياة مسيرة السلام في الكفة الاخرى. وفي هذا الاطار ايضا كانت جهود جلالته لاطلاق سراح الشيخ احمد ياسين من سجون الاحتلال الاسرائيلي واعادته الى غزة بعد تلقي علاجه في الاردن.

إن هذا الدعم الملكي لحماس التي صارت الذراع العسكري للاخوان المسلمين، هو استمرار للدعم التاريخي من الدولة الاردنية لدور الاخوان المسلمين في فلسطين، فبتيسير ومباركة ودعم من الدولة الاردنية، خرج متطوعو «جمعية الاخوان المسلمين» المرخصة من الحكومة الاردنية للقتال في فلسطين عام 1948، بقيادة المرحومين الحاج عبد اللطيف ابو قورة، والحاج ممدوح الصرايرة، بل إن ضابطا من ضباط الجيش الاردني كان يتولى تدريب سرية الاخوان المسلمين والاشراف عليها في فلسطين وهو المرحوم عبد القادر الجندي، كما كان مع السرية اثنان من ضباط الصف في الجيش الاردني، وكان الاخوان وبدعم من الدولة الاردنية يجمعون التبرعات لشراء السلاح الذي كانت تشرف على شراء بعضه العديد من اللجان العلنية التي شكلها الاخوان تحت سمع وبصر الدولة الاردنية، ومنها لجنة مكونة من السادة المرحومين احمد الخطيب، ونايف ابو عبيد، وحسن الغرايبه.

  وكان الاردنيون من أمثال المرحومين صبري الطباع وابو صلاح الشوربجي وعبد الله ابو قورة قريب الحاج عبد اللطيف ابو قورة وغيرهم، هم الذين يتبرعون باموالهم لتسليح متطوعي الاخوان المسلمين تحت سمع وبصر الدولة الاردنية التي كان ضباطها يدربون الاخوان ويمدونهم بكل ما يحتاجونه، بما في ذلك الوثائق الرسمية التي تسهل حركة اعضاء جماعة الاخوان المسلمين، حتى من غير الاردنيين. والدولة الاردنية هي التي سهلت حصول كل متطوع من متطوعي سرية جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين على راتب شهري مقداره سبعه دنانير من مخصصات الجامعة العربية، وعندما انتهت الحرب في فلسطين عاد متطوعو «جمعية الاخوان المسلمين» المرخصة من الحكومة الاردنية الى بلدهم ليفتحوا بيت عزاء باستشهاد مرشدهم حسن البنا بينما زجت حكومات اخرى اعضاء الجماعة من مواطنيها في السجون.

 ان كل ما تقدم يشكل برهانا قاطعا على ان الترخيص القانوني لا يحول بين الجماعة ودعمها لقضية فلسطين عندما تتوفر النية والارادة كما كانت الحال ايام «جمعية الاخوان المسلمين» المرخصة من الدولة الاردنية. فماذا فعل رافضو الترخيص.؟ وهل فكر احد من علمائهم وقادتهم الذين يحملون تصاريح لم الشمل مع اهلنا في فلسطين المحتلة الانحياز الى هؤلاء الاهل لتثبيتهم فوق ارضهم وتقوية عزائم الصامدين في القدس ونابلس وجنين وغزه وغيرها من بقاع فلسطين.؟ أم أن بعض الذين يعتلون منابر الخطابة للحديث عن الجهاد في فلسطين هم من الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم»؟ أم أن هؤلاء يريدون الجهاد بدماء غيرهم من الذين يجاهدون او يدعمون الجهاد كما فعلت الدولة الاردنية لمتطوعي الاخوان المسلمين عام 1948 الذين قاتلوا في فلسطين بدعم ومساندة وتدريب من الجيش الاردني في اطار دعم هذه الدولة لقضية فلسطين ورعايتها للجماعة؟

 إن كل الوقائع على الارض والوثائق التاريخيه تقول: إن الدولة الاردنية لم تحُل في مرحلة من مراحل تاريخها بين الاخوان وبين دعم قضية فلسطين، بل ان هذا الدعم كان يتم بعلم ورعاية الدولة الاردنية، مما أشرنا الى بعضه في السطور السابقة، وكلها تفند فريتيّن الاولى: هي فرية ثنائية الدولة والاخوان، فالوقائع تدل على أن الدولة لم تنظر في لحظة من لحظات تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في الاردن الى ان الجماعة ندٌ للدولة وقطب ثنائي معها، فلو كان الامر كذلك لتغير اسلوب تعاملها مع الجماعة، لكنها نظرت الى الاخوان المسلمين على انهم مواطنون، لهم ما لكل مواطن من حقوق وعليهم ما على كل مواطن من واجبات مادام القانون هو الحكم، ولهذا رعت الدولة الجماعة ودعمتها.

اما الفرية الثانية: فهي القول: إن ترخيص الجماعة سيحول بينها وبين تقديم الدعم لقضية فلسطين، وقد رأينا كيف أن الجماعة المرخصة هي التي ارسلت المجاهدين للقتال في فلسطين بدعم ورعاية ومساندة وتدريب من الدولة الاردنية وقواتها المسلحة، وهي نفسها الدولة التي لم يقتصر دعمها للاخوان فوق اراضيها فقط، بل ذهبت الى ما وراء المحيطات لدعمهم ومناصرتهم كما حدث في قضية موسى ابو مرزوق، واكثر من ذلك فان الدولة الاردنية لم تكن تمانع في ايجاد ازمة عالمية لانقاذ حياة خالد مشعل بل زادت على ذلك، فأصرت على تحرير الشيخ احمد ياسين من سجون الاحتلال واعادته الى غزه بعد تقديم العلاج الصحي اللازم له.. وهو ما تم بالفعل، بل ان الدولة الاردنية مرت بمراحل من العلاقات المتوترة مع دولة عربية بسبب حماية الاردن للاخوان المسلمين فلماذا هذا التنكر لدور الدولة الاردنية في دعم ورعاية الاخوان المسلمين وتسهيل دعمهم لقضية فلسطين كلما توفرت لديهم النية لذلك.؟ وهل هذا هو التقيد بخلق الاسلام الذي نص عليه قوله تعالى «هل جزاء الاحسان الا الاحسان»؟!

****

(*) رئيس  “مركز البيرق الأردني للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمان لحوار المستقبل” وصاحب وناشر جريدة اللواء الأردنية.

اترك رد