طرابلس (شمال لبنان) / حمزة تكين / الأناضول
تختزن مدينة طرابلس، كبرى مدن شمال لبنان، المئات من المعالم الأثرية القديمة، معظمها من الطراز العثماني، لدرجة أنها وصفت بـ”المتحف الحي”، إلا أن “ثروتها” هذه لا تحظى بالاهتمام اللازم، والكثير من أبنيتها التاريخية مهددة بالهدم.
وتُعتبر طرابلس، التي تبعد عن العاصمة بيروت حوالي 85 كلم إلى الشمال، المدينة الأولى بثروتها التُراثية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وهي الثانية بآثارها المملوكية بعد مدينة القاهرة، وتمثل متحفاً حياً يجمع بين الآثار الرومانية والبيزنطية، والآثار الفاطمية والصليبية، والعمارة المملوكية والعثمانية.
وبحسب رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس خالد تدمري، فإن تاريخ مدينة طرابلس “يرتبط بالحضارة التركية بشكل خاص”، فقد عاشت تحت حكم المماليك ومن ثم العثمانيين، لفترة تاريخية تزيد عن 725 عاماً، مشيراً إلى أن المعالم التي تدل عليهم ما زالت موجودة وقائمة الى اليوم في المدينة.
ولفت تدمري خلال مقابلة مع “الأناضول” إلى أن هناك أكثر من 200 معلم أثري من الحقبتين المملوكية والعثمانية ما زالوا يميزون طرابلس، منها “خان الصابون الذي أوقفته زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني لصالح القدس الشريف وخدمة قبة الصخرة والمسجد الأقصى”، واصفاً المدينة بأنها “متحف حي بتكاملها ونسيجها العمراني المتشكل من الأزقة والمنازل والأسواق”.
ويُعتبر عهد العثمانيين من أطول “العهود الإسلامية” التي خضعت طرابلس لسلطتها، وذلك لأكثر من 4 قرون، وكانت “ساعة التل” آخر ما تركه العثمانيون من آثار في المدينة.
زاد العثمانيون من عمران طرابلس وتطورها، وتضاعف عدد مساجدها ومدارسها وزواياها وتكاياها وحمّاماتها وخاناتها، حيث بلغ عدد مساجدها ومدارسها قبل 300 سنة حوالي 360 والخانات فيها 44. ووصل الأمر إلى وصف هذه الفورة الإعمارية والتعليمية بالقول إن بين مدرسة وأخرى، كان هناك مدرسة.
ومن أهم المعالم العثمانية في المدينة، “تكية الدراويش المولوية”، و”حمّام العظم”، و”جامع محمود بك السنجق”، و”جامع محمود لطفي الزعيم”، و”الجامع الحميدي”، و”سبيل الباشا الوزير محمد باشا”، و”سبيل الزاهد”، و”التكية القادرية”، و”ساعة التل”.
وتضم المدينة عدداً كبيراً من البنى التاريخية والأثرية، المتكاملة بأحيائها، وأسواقها، ودورها، وأزقتها المتعرجة الملتوية، والمسقوفة، مع كتابات ونقوش مميزة.
وشرح تدمري واقع أهم المعالم الأثرية في المدينة، خاصة تلك المهددة بالهدم “بحجة إنشاء أبنية كبيرة”.
وأوضح أن طرابلس “عانت منذ الاحتلال الفرنسي وتأسيس الجمهورية اللبنانية شتى أنواع المعاناة، حيث هجرها سكانها الأصليون وانتقلوا للعيش بالقسم الحديث منها، وساهمت المخططات، التي ادعي أنها تحديثية، بالقضاء على الكثير من المعالم الأثرية”.
وأكد أن الكثير من هذه المعالم “هدمت عمدا، بدون أي مبرر، كالسرايا العثمانية التي كانت موجودة في وسط ساحة التل، وهدمت في ستينيات القرن الماضي”، مشيراً إلى أن هذه السرايا “أسسها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لتكون وسطاً جديداً لطرابلس، لتتلائم مع التنظيم الإداري الذي وضعته الخلافة العثمانية”.
وأضاف أن مسرح “الإنجا” العثماني، الذي كان يعد أول مسرح ترفيهي في لبنان “هدم مؤخرا أيضاً”، محذراً من أن الأبنية العثمانية “أصبحت هدفاً لتجار البناء، الذين يهدمونها عمداً وبطرق غير شرعية وغير قانونية ليفقدوا المدينة تراثها العثماني من جهة، وإنشاء أبنية من الإسمنت لا هوية لها لمجرد الاستفادة المادية من جهة أخرى”.
وأشار إلى أن من بين المعالم العثمانية التي هدمت في طرابلس أيضاً، خلال السنوات القليلة الماضية “المدرسة السلطانية ، بأمر من وزارة التربية اللبنانية، وهبة مقدمة من السعودية تحت حجة بناء مدرسة ضخمة مكانها”، لافتاً إلى أن هذه الأعمال “تتم بمساهمة من قبل المسؤولين والمعنيين في الدولة اللبنانية”.
وطالب تدمري بـ”الحفاظ على مدينة طرابلس، وتجنيبها المعارك المسلحة، التي كانت تندلع بين فترة وأخرى” مؤخرا، معتبرا أن هذه المعارك “تؤثر على الثروة التاريخية والأثرية للمدينة”.
وأوضح أن منطقة “باب التبانة”، التي شهدت الكثير من المعارك والاشتباكات خلال الفترة الماضية “هي منطقة عثمانية، كانت تشكل أهم سوق تجاري في كل بلاد الشام”، مضيفاً أنها “كانت المعبر لدخول البضائع التجارية من حمص وحماة في سوريا الى مرفأ طرابلس ومنه يتم تصديرها الى أوروبا”.
وأشار إلى أن المعارك الأخيرة التي شهدتها المدينة في أكتوبر/ تشرين الاول الماضي بين الجيش اللبناني ومسلحين، دارت في الأسواق القديمة لـ”المرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990″، لافتاً إلى أنها “تسببت بأضرار مادية إضافية للآثار والمعالم العثمانية”.
وكان وفد من “وكالة التعاون والتنمية” (تيكا)، التابعة لرئاسة مجلس الوزراء التركية، ووزارة الثقافة ووزارة الأوقاف، جال في طرابلس عام 2009 للاطلاع على سبل تنشيط عملية ترميم المعالم الأثرية العثمانية وتأمين هبات لها على غرار “التكية المولوية”، التي تقوم حاليا “تيكا” بترميمها في المدينة.