الأديب اسكندر شديد
لم يكن سعيد عقل شاعرًا وأديبًا وفيلسوفًا ولاهوتيًا مُتعبِّدًا للبنان.
كان الإنسان الذي أراد الله أن يكونه كلّ إنسان.
الإنسان الذي تفتح الشجاعة والحُبّ والمحبّة صدره على الخَلْق كلّه. فيصير على التوالي، ووفق إشباعات أحاسيسه وتفجُّر فكره: العاصفة، والنار، وهياج الموج، وخفيف النسيم، والمطر الساقط على السهل، والثلج المُتراكِم على الذُّرى.
ويصبح الكواكبَ والنجوم في تألّقها.
وعشقَ الصبيّة، وغضب البطل، وطرحة العرس. وذاك الماء الرقراق الذاهب على وجه الأرض، الماضي إلى قلبها، والعائد نبعًا دافقًا كريمًا.
ويجمع في ذاكرته ونوابض فكره، ما اختزنته إبداعات الناس، وجمالات الطبيعة، وما طرحته باتِّضاعٍ ولهفة، أمام عرش الخالق.
هذه الحياة الرائحة من الخَلْق إلى الخالق، وبالعكس؛ الصائغة طيِّبَ الكلام في مسارها الثنائي التصاعدي، هي الحياة المرجوة. يحياها الإنسان، فيدنو من الله: مُبدِعًا، طاهرًا، رشيقًا، شفافًا، ويُحسِن استقبالَه الملائكة.
كانت اللغة مركبة سعيد عقل إلى الفردوس.
ما من أحدٍ عندنا، وفي الخارج، حوّلها بهذا السحر وانسحر بها، كما هو.
وما من يدٍ عرفت قيمة الجوهر الصافي الذي تحتويه، مثل يده. وأنها كانت في البدء، وكائنة وسوف تكون في الآن والغد، وإلى منتهى الدهر.
كلّ أُبهات العالم هباء، وباطل أباطيل، في غياب سعيد عقل ووداعه.
وحده قَسَمُ اللبنانيين بأن يُسكِنوه حلمَ أطفالهم، هو المبتغى الوحيد النادر الذي يليق به وبلبنان.
وهو الفرح لنا، أن نقرأه ونحفظه بملء المشاعر، وبالكلام الذي نفهمه وحدنا، ليظلّ سعيد عقل كِنّارة الجمال، وسطوعه، وتساميه، يأخذ بنا صداحه إلى أن نكون على دربه، نصقل الإنسان فينا، ونروح كما راح من الخَلْق إلى الخالق إلى الفردوس.