ليلى بسام (رويترز)
تمايلت الأجساد كالأفاعي على موسيقى بطيئة الإيقاع في عرض تحت عنوان “طرب” في افتتاح الدورة الحادية عشرة من “مهرجان بيروت للرقص المعاصر – بايبود”.
لم يمنع طقس أبريل العاصف الذي هيمن على العاصمة بيروت خلال عطلة نهاية الأسبوع العشرات من التوجه إلى مسرح المدينة القائم في شارع الحمراء لمتابعة انطلاق المهرجان.
وتمايل الراقصون على الخشبة الخالية من أي ديكور وسط أضواء خافتة، وعلى وقع صدى موسيقى انطلقت ببطء وصفه نعمة ينيّة (49 عاما) بأنه “ثقيل وقد استقر ثقله على صدري بطريقة أزعجتني بداية، ولكن هذا الشعور تبدل مع تسارع إيقاع الموسيقى تدريجيا.”
وفوجئ بعض الحضور بقدرة الراقصين على تطويع الجسد ما دفعهم إلى التوجه إلى الكواليس بعد انسدال الستار لتهنئة “فرقة 7273” السويسرية التي أبدعت في رقصة “فويت فويت” المتعددة الأنماط والتي ترتكز على انسياب الأجساد الراقصة بالتزامن مع بعضهاً بعضا، وفي مختلف الاتجاهات وكأنها على حد قول سليمى راشد (42 عاما) “أفاع تستعد لمهاجمتنا.”
وسرعان ما راحت الأنغام تتسارع بمرور كل دقيقة لتطال الأجساد التي صفق الحضور طويلا لتناغم حركاتها، وقد أضفت على المسرح لمسات روحانية جعلت إحدى السيدات تهتف وسط العرض “هذا التعبير الأقصى للافتتان”.
حميمية
وأكدت الراقصة اللبنانية ميا حبيس التي تسلمت إدارة المهرجان في دورته الحادية عشرة هذه من مؤسسه الراقص والكوريجراف عمر راجح، لـ “رويترز” أن الحميمية عنوان هذه الدورة التي غابت عنها العروض العربية لعدم تمكن المهرجان من تغطية التكاليف المادية المترتبة على استقدامها.
أضافت: “كان من المفترض أن يتخلل البرنامج ثلاثة عروض ولكننا، للأسف، لم نجد من يدعم حضورها مادياً مع الإشارة إلى أن المراكز الثقافية الموجودة في لبنان دعمت الفرق الأوروبية المشاركة.”
ولكي لا يغيب الراقص العربي كليا عن المهرجان إذ دعت إدارة “بايبود” عشرة راقصين من مختلف البلدان العربية ليشاركوا في الدورة الرابعة لملتقى “ليمون – المنتدى العربي للرقص المعاصر” الذي يقام على هامش المهرجان.
تابعت: “من خلال هذا الملتقى يتفاعل الراقص مع زميله ويتبادل الجميع الخبرات والأفكار. هم راقصون شباب وفي الوقت عينه عملوا على الخشبة وجل ما يحتاجون إليه المساعدة ليعززوا خبرتهم.”
وتشارك في المهرجان فرق عالمية من بلجيكا وسويسرا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد وهولندا والمجر وأسبانيا. وفي حين كان حفل الافتتاح في مسرح المدينة، تتوزع العروض المستمرة حتى 26 أبريل بين ثلاثة مسارح في العاصمة اللبنانية التي تشهد سنويا بفضل “بايبود” ما يعتبره أحد المثقفين “اللمعة الإبداعية السنوية التي ينتظرها كثر ليشعروا بأنهم ينتمون إلى خريطة الثقافة العالمية.”
طرب
وفي ما يتعلق بـ “فرقة 7273” السويسرية التي افتتحت المهرجان السنوي ليل السبت الماضي، فقد أسسها مصمم الرقص نيكولا كانتيون وزوجته لورانس يادي في العام 2003، وأجريا بحوثاً مكثفة لإنجاح عرض “طرب” قادتهما إلى مصر للعمل عن كثب مع موسيقيين أضافوا لمسات طرب أساسية تحتاجها الرقصة.
وقال كانتيون الذي اعتلى الخشبة مع الراقصين إن التمارين على الرقصة استمرت عاما كاملا وإنه وزوجته أمضيا وقتا طويلا في القاهرة “من أجل تطوير التقنيات التي تحتاجها الرقصة كي تكون مزودة بأحاسيس تلمس الجمهور وتحضه في نهاية العرض على التمايل تماما كالأجساد المجنونة على الخشبة.”
إحدى السيدات وهي في منتصف الستينيات من العمر قدمت إلى المسرح لتشاهد العرض بمفردها وجلست قبل الافتتاح على إحدى الطاولات الصغيرة في الغرفة المديدة التي توصل المسرح بغرفة التجهيزات الفنية تتصفح المجلات وتحتسي القهوة بهدوء.
وأكدت أن نشاطات ثقافية مماثلة “تجمع اللبنانيين حول أفكار إيجابية فتتحول اللقاءات لمناسبات اجتماعية أيضا. وعلى سبيل المثال أتيت بمفردي اليوم ولكنني التقيت العديد من الأصدقاء مصادفة، ومع ذلك سأمضي بعض الوقت في تصفح المجلات وشرب القهوة حتى يحين موعد الافتتاح.”
ملاذ ثقافي
وأكد المخرج والممثل اللبناني والأستاذ الجامعي المتقاعد موريس معلوف لـ “رويترز” أنه يعشق الرقص “وهذه من الأسباب التي تدفعني إلى حضور نشاطات مماثلة. في سن المراهقة أردت امتهان الباليه ولكن في لبنان افتقرنا ماضيا إلى أكاديمية تتخصص في هذا النمط الراقص.”
وأضاف “من خلال التمثيل على الخشبة أضفت لمسات الرقص إلى حركات جسدي لأكون أقرب ما يمكن إلى الرقص.” ورأى في مهرجان “بايبود” السنوي “الملاذ الثقافي الضروري الذي يجمع في أروقته الافتراضية الفنان والإنسان العادي وكل من يحب الرقص وصخب الأجساد.”
وسبق الافتتاح معرض للفنان البلجيكي جوليان مير عرض فيه تجهيزين استوحاهما كما قال من “التصاميم الرقمية الثلاثية الأبعاد”.
انطلق “مهرجان بيروت للرقص المعاصر – بايبود” عام 2004 بمبادرة من الراقص ومصمم الرقص عمر راجح، وقد تحول مع الوقت وبشهادة كبار المثقفين في لبنان والمنطقة إلى واحد من أبرز مهرجانات الرقص ليس في لبنان فحسب بل في العالم العربي يحضره العشرات من مختلف البلدان العربية.
وغالبا ما تولد في المهرجان على حد قول محمود المصري (37 عاماً) “صداقات ربما استمرت لحظات ولكنها تترك فينا أثرا كبيرا.”