ودع لبنان “عريس المسيح” الفنان عصام بريدي في بلدته فيطرون، على وقع الأغاني والزغاريد وسط نثر الأرز والزهور على نعشه الابيض الذي حمل على الاكف وسط قرع الطبول وأجراس الكنائس واطلاق الاسهم النارية. وقد ازدانت البلدة بالاشرطة البيضاء وصور الراحل.
وترأس صلاة الجناز في كنيسة مار جرجس في البلدة، ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي راعي أبرشية صربا المارونية المطران بولس روحانا، يعاونه لفيف من الاباء والكهنة.
وحضر القداس ممثلة رئيس الحكومة تمام سلام وزيرة المهجرين أليس شبطيني، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب فريد الياس الخازن، ممثل الرئيس أمين الجميل النائب سامر سعادة، ممثل الرئيس ميشال سليمان وسام بارودي، ممثلة وزير الاعلام رمزي جريج مديرة “الوكالة الوطنية للاعلام” لور سليمان صعب، ممثل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع النائب أنطوان زهرا، النائب هادي حبيش، الوزير السابق زياد بارود وشخصيات اجتماعية وفنية وإعلامية، وخدمت القداس جوقة سيدة اللويزة.
الرقيم
استهل القداس بتلاوة الأب رفيق الورشة الرقيم البطريركي، وجاء فيه: “البركة الرسولية تشمل أبناءنا وبناتنا الأعزاء: نهاد ميشال بريدي وزوجته جورجيت القاعي والدي عريس المسيح عصام، وشقيقه وشقيقته، وأعمامه وعمته وعائلاتهم، وسائر ذويهم في الوطن والمهجر، ورابطة آل بريدي، ونقابة ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون في لبنان المحترمين. في بداية هذه الذبيحة الإلهية التي نقدمها معكم لراحة نفس الحبيب عصام، والتي يترأسها باسمنا سيادة أخينا المطران بولس روحانا نائبنا البطريركي العام، ويقدم إليكم جميعا تعازينا الحارة، نتوجع معكم بكثير من الأسى. فيا له من سيف ألم حاد يجتاز قلوبكم وقلوب أبناء فيطرون العزيزة والمنطقة، ويا لها من كأس مرارة تقدم إليكم لشربها، بمصرع حبيبكم وحبيبنا عصام الممثل والفنان الطائر الصيت، فنرثيه كما رثى داود ابنه شاول: “كيف يسقط الجبابرة!” (2 صمو1: 27).
إنه الجرح البليغ في قلبكم، كجرح العذراء مريم أمام صليب ابنها يسوع، وإنها كأس المرارة التي أدنوها من فم يسوع المصلوب، ولكنه أيضا خبر القيامة من ظلمة القبر الذي نشر الرجاء المسيحي في كل العالم، هو سر موت المسيح وقيامته، هذا السر الذي، من بعد أن شارك فيه الحبيب عصام ليتورجيا مع الكنيسة في هذه الأيام، عاشه اليوم جسدا وروحا بمصرعه وقيامته، فأبى والداه إلا أن يطلقا عليه اسم “عريس المسيح”. ونحن بالأسف الشديد والألم نردد: “كيف يسقط الجبابرة!”، ولكننا بالإيمان والرجاء نؤكد: “المسيح قام، حقا قام”. ولذا، أرادت العائلة وكل فيطرون أن يجعلوا من موته عرسا، بحسب رغبته، وقرروا اللباس الأبيض مع الوردة البيضاء. هذا ما أرادت أيضا التعبير عنه جماعة المؤمنين والمؤمنات الذين احتشدوا ليلة أمس، في مكان سقوطه تحت جسر الدورة، بالشموع والورود والصلاة. وأنشدوا معا نشيد القيامة، جاعلين المكان أرضا مقدسة.
عصام ابن الأربع وثلاثين سنة، الذي تربى مع شقيقه وشقيقته في البيت الوالدي في فيطرون العزيزة، حسب تقاليدها المارونية واللبنانية، وتقاليد أسرتي بريدي والقاعي، قد تحلى بالإيمان المسيحي، وانتسب إلى الحركة الرسولية المريمية، وصلى ومجد الله بصوته الجميل في كنيسة مار جرجس الرعائية، وفي جوقة كنيسة مار سمعان العمودي في القليعات، وجوقة جامعة سيدة اللويزة، وتحلى بميزة خاصة، في البيت والبلدة، في مدرسة سيدة اللويزة وكلية الفنون، في مجتمعه وعالم التمثيل والفن، هي ميزة الفرح والسلام الداخلي والبسمة الحلوة الدائمة، والحب المخلص، والخدمة بالتفاني، والكلمة اللطيفة، وطيب المعشر والصدق، والحنان والعاطفة الرقيقة، ولا سيما تجاه الأطفال، والطموح الكبير، وحب الوالدين والإقرار بجميل أمه التي قال لها كلمته الأخيرة في عيد الأم وكتب: “ماذا عساي أن أهديك يا أمي غير الحب، ثم الحب… ومنه المزيد. يا شمعة النور في ظلمات أيامي، يا أمي”. وأعطى الأولوية للحياة العائلية مع أسمى علاقات الأخوة مع شقيقه الإعلامي وسام، وشقيقته ماريان. في كل ذلك كان عصام جبارا!
دخل عالم الفن، تمثيلا وغناء، بعد أن تخرج في فن المسرح من كلية الفنون في الجامعة اللبنانية، ودرس الغناء الشرقي، مثل وغنى وعلم واستثمر كل طاقاته وكل لحظة من حياته، وساعد الكثيرين على الدخول في حقل الفن بالتعليم والدورات المتخصصة، ساعيا، من كل قلبه وبروح المجازفة، إلى تطوير عمله وفنه، بحرية بعيدة عن أي لون أو تبعية، وهمه أن يساهم في الرفع من شأن لبنان الحضاري. وفي كل ذلك كان عصام جبارا. غيابه خسارة للجميع: لأسرته ولرابطة آل بريدي، لكل بيت لبناني، ولنقابة ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون في لبنان. معهم نأسف ونقول: “كيف يسقط الجبابرة!”، غير أن غيابه أكبر إثبات لقوة حضوره في الذاكرة والقلوب. والإله الجبار الذي مات على الصليب، وقام منتصرا على الموت، هو يقيم الحبيب عصام من ظلمة القبر إلى نور الحياة، ويجعله خير شفيع في السماء لكل الذين يبكونه.
إرفعوا، أيها الأحباء، أفكاركم وعقولكم وقلوبكم من النعش الأبيض إلى القربانة البيضاء فوق هذا المذبح، ومع أمنا مريم العذراء، معزية الحزانى، ومار جرجس شفيع الرعية، ضموا بحب وسخاء قربان حبيبكم عصام إلى قربان جسد ودم فادينا الإلهي. وكلنا نستمد له من رحمة الله اللامتناهية سعادة المجد السماوي، ولكم بلسم العزاء”.
كلمة العائلة
وألقى شقيق الراحل وسام بريدي كلمة العائلة قال فيها: “إن عصام أصبح عريس المسيح حاملا معه محبة الناس. سأفعل المستحيل لتبقى في ذاكرة الجميع وستبقى في نجاحي وابتسامتي، اذهب بسلام”.
أضاف: “عصام غادر يوم الرحمة الالهية، وهذه لم تكن صدفة، فاليوم اصبحنا روحين بجسد واحد. أنا سعيد اليوم، وسأعتبر أن شقيقي سافر بعرض عمل عند الله وسنلتقي بعد وقت. لن أكون أنانيا وأطلب منه البقاء، لأني أعلم أن مشروع يسوع أكبر بكثير من المشاريع على الأرض”.
قسيس
ثم القى نقيب الممثلين جان قسيس كلمة باس النقابة تحدث فيها عن اخلاق الراحل مواهبه الفنية، وقال: “الى جانب عمله التلفزيوني، درس بريدي التمثيل جامعيا، إلى جانب إشرافه على ورش عمل للهواة. وقبل وفاته، كان يخطط لإقامة سلسلة ورش عمل تأهيلية بالتعاون مع نقابة الممثلين اللبنانيين”. وقدم قسيس التعازي الى اهله باسم النقابة.
ثم منح الراحل باسم رئيس الجامعة اللبنانية عدنان السيد حسين، ماجستير فخرية من كلية الفنون الجميلة.